الفنان الفدائي أبو عرب يلتحق بنجله الشهيد – نضال حمد
ابن قرية الشجرة في فلسطين المحتلة، الفنان الفلسطيني الشعبي الثوري الكبير إبراهيم محمد صالح المعروف بلقبه الشهير ( أبو عرب ) يرحل عن عالمنا، يموت كما الأشجار واقفاً. يرحل ولم تتكحل عينه برؤية فلسطين محررة والشجرة خضراء مزهرة كما تركها سنة 1948 لتبقى تحت الاحتلال الصهيوني أسيرة مغتصبة ومكبلة بالأغلال.
آخر مرة التقيت فيها أبي عرب كانت في النمسا بالعاصمة فيينا على هامش مؤتمر اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في الشتات – أوروبا. حيث كان دائم الحضور والمشاركة في مؤتمرات ونشاطات الجاليات والمؤسسات والتجمعات الفلسطينية في أوروبا والشتات. وأول مرة في حياتي التقيت فيها بالفنان أبو عرب كانت في الفاكهاني في بيروت سنة 1980 في مكتب الشهيد القائد الراحل طلعت يعقوب أمين عام “ج.ت.ف” وبحضور نائبه الراحل “أ ب و ال ع ب ا س”، الذي انشق عنه فيما بعد والتحق بالراحل ياسر عرفات.
يومها قام ابو عرب بغناء بعض قصائده وأناشيده في تلك الجلسة الخاصة وكان الفنان ابو عرب القادم من مخيم العائدين في حمص السورية، يعرف ان الراحل الكبير طلعت يعقوب من عشاق أغانيه ويهوى كثيرا أغنية عالروزنا التي أبدع فيها أبو عرب في وصف حالتنا الفلسطينية. قام ابو عرب بإنشادها في تلك الجلسة بمقر الأمانة العامة للجبهة.
يوم وصل أبو عرب الى أوسلو بدعوة من الجالية الفلسطينية ولجنة حق العودة في النرويج وبعدما تحدثنا قليلا وقبل ان يصعد المنبر للبدء بالغناء ذكرته باللقاء المذكور. ولم أتفاجئ حيث وجدت ذاكرته لازالت قوية جدا، فقد تذكر بالضبط كل ما دار في لقاءنا المذكور بالفاكهاني سنة 1980 ووعدني ان ينشد عالروزونا لأجل روح رفيقنا الراحل وقائدنا طلعت يعقوب… وبالفعل أنشد الأغنية في حفل أوسلو وقمت شخصيا بتصويره وبتسجيل مقطع منها.
جاء أبو عرب لزيارة “ج.ت.ف” التي كان يعتبرها من الفصائل المقربة الى قلبه خاصة. ابو عرب فنان فدائي، شاعر ومغني ملتزم، ابن مخيمات ومعسكرات وقواعد، ومن رموز جيل المبادئ والعودة والتحرير، غنى للكفاح الفلسطيني والعربي، للفدائيين وللمناضلين، وهو من مؤسسي فرقة نوح إبراهيم الفنية التي أسستها “ج.ت.ف” في لبنان وكان من اعضائها الفنان الكبير مصطفى الكرد، والعازف الموسيقي الكبير الراحل أبو احمد الجمل وآخرين.
في فترة سابقة لزيارة ابو عرب تم تنفيذ عملية نهاريا البطولية بقيادة الأسير المحرر اللبناني القدوة “س.ق” في نيسان – ابريل سنة 1979. وبعد ذلك بثلاث سنوات استشهد نجله في مواجهة مع العدو الصهيوني في منطقة عين عطا بالبقاع يوم 9-6-1982. يومها كانت المواجهات على أشدها فوق الأرض اللبنانية بين الكيان الصهيوني وجماعته في لبنان بقيادة الفاشي بشير الجميل وبين القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية السورية.. كتب الفنان الراحل واحدة من أجمل أغانيه الشعبية الفدائية عن عملية نهاريا المذكورة وهي الأغنية التي جاء فيها :
يما سرينا الصبح، مشيت مراكبنا. والبحر موجه هِدي كرمال واجبنا
يما ما خفنا العدا ، خفنا قرايبنا. ظن العدو بغاراته،. انه يرعبنا
ياما ضربنا بحمم، تنذوب ما ذبنا. بالعكس كتر الألم، عالموت دربنا
والموت منا ارتعب، بوس شواربنا. ومن كتر ما شافنا ابطال ما بنهاب
أقسم بدم الشهيد الى يصاحبنا
بهذه الكلمات زف الفنان الراحل أبو عرب أبطال “ج.ت.ف” من الفدائيين العرب، الذين أبحروا من صور باتجاه نهاريا في فلسطين المحتلة فجر يوم 1979/4/22 وكان على متن المركب 4 فدائيون هم: الشهيدان عبد المجيد أصلان ومهنا سليم المؤيد ( عرمان – السويداء) والأسيران المحرران، قائد العملية البطل الأسطورة “س.ق” واحمد الأبرص – أبو أسعد.
عملية نهاريا التي ألهبت مشاعر وأحاسيس الخالد أبو عرب ونظم لأجل أبطالها أجمل أغانيه وأحلاها وأقواها، وللعلم فهي أول عملية بحرية فلسطينية تنجح وتصل عمق الكيان الصهيوني بعد التشديدات والإجراءات الاستثنائية التي اتخذها جيش الاحتلال عقب عملية (كمال عدوان) الشهيرة بقيادة الشهيدة “د. مغر….”ورفاقها الأبطال في آذار مارس 1978 . وبعد اجتياح لبنان في نفس السنة .
في مؤتمر من المؤتمرات العديدة التي حضرتها وشاركت فيها بسورية وكلها كانت لنصرة فلسطين ودعم المقاومة والتمسك بحق العودة ورفضا للتفريط به. قام جمع من المشاركين بالطلب من أبي عرب بإسماعهم شحنات صوتية فدائية غنائية شعبية كي تزيدهم إصرارا وتمسكا بقناعاتهم. وفعلا اتجهنا كلنا الى صالة في فندق صحارى بضواحي دمشق جلسنا هناك نستمع لأبي عرب وننشد معه أغانيه التي شببنا فدائيين مع كلماتها. أذكر أيضا يومها أن عددا من أصدقائي ورفاقي جاءوا من سورية و لبنان والأردن وشاركوا في المؤتمر وفي الجلسة تلك مع أبي عرب، منهم : محمد ياسين، مجدي حافظ (سلامة)، فؤاد أبوصلاح، أبو نضال الأشقر، علي عزيز، ياسين معتوق، توفيق ارشيد وآخرين.
أبو عرب فنان الشعب والقضية والثورة والمخيمات والفدائيين يرحل عن عالمنا لينضم الى فنان آخر عظيم وخالد وكبير، فنان آخر أنجبته بلدة الشجرة في فلسطين المحتلة ومخيمات الشتات، هو الفنان الشهيد ناجي العلي. جدير بالذكر أن الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الرحيم محمود صاحب بيت الشعر الشهير: سأحمل روحي على راحتي … كان استشهد في معركة الشجرة، بلدة ناجي العلي وأبو عرب في فلسطين المحتلة سنة 1948.
وداعا أيها الفلسطيني، الشهم، الأصيل، الفدائي، الذي لم يتعب ولم يستكين وبقي يناضل بالصوت والكلمة والغناء لأجل فلسطين كل فلسطين.
نضال حمد – أوسلو