المُصَوِر والفدائي عبد الرحمن عبد العال شهيد معركة شرحبيل 1982 – نضال حمد
الشهيد عبد الرحمن عبد العال 1963-1982 – نضال حمد
– من سجل غزو لبنان والمواجهات والتضحيات-.
من مدينة عكا التي تعيش معهم في زواريب صيدا القديمة، هذه “صيدا” التي بدورها تعتبر شقيقة عكا وشبيهتها.. من هناك رحلت عائلة الشهيد عبد الرحمان عبد العال مرغمة ومضطرة وهاربة من موت محتم وأكيد. في سنة النكبة ويوم ارتكبت العصابات الصهيونية مجازرها البشعة بحق السكان الفلسطينيين في مدنهم وقراهم وبلداتهم. كان لعكا عروس الساحل الفلسطيني وقلعة وحصن حصون فلسطين، عكا عيسى العوام الناصري الفلسطيني الذي قاتل الفرنجة الصليبيين مدافعاً عن عروبة فلسطين… ومن عكا التي مرغت أنف نابليون بونابرت بالرمل العكاويّ الفلسطينيّ لجأت العائلة ربما في زوراقها بحراً باتجاه لبنان… وربما سيراً على الأقدام مرورا بالزيب والبصة والناقورة وصولاً الى جنوب لبنان. ثم من هناك الى عاصمته الأبية صيدا مدينة القائد الشهيد معروف سعد، الذي في ذلك الوقت كان مع المتطوعين العرب يقاتل في المالكية في فلسطين المحتلة دفاعاً عن عروبة فلسطين.. وضد العصابات الصهيونية المدعومة من كل العالم الغربي بما فيه النازيين الألمان.
استقرت عائلة عبد العال في صيدا القديمة على مقربة من البحر، حيث لا يستطيع العكاويّ الحياة بدون نسيم البحر وهدير الأمواج ورائحة الملح البحريّ، ريحة الزبد الذي يغطي الشاطئ. فالعكاوي كما النورس يقيم حيث البحر وحيث الأرض تتكلم عربي.
في بيت من بيوت بلدة صيدا القديمة سنة 1963 ولد الشاب عبد الرحمن أحمد عبد العال. وتربى وترعرع في وسط البلدة بين أقرانه من الفلسطينيين واللبنانيين. تعلم في مدارس المنطقة وتنفس هواء بحر صيدا الممزوج بهواء بحر الأهل والأجداد في عكا. كانت قلعة صيدا الأثرية التاريخية البحرية تذكره بحكايات أهله عن قلعة عكا التاريخية الأثرية، التي دوخت نابليون بونابرت وهزمته ليعود خائباً الى فرنسا الاستعمارية الهمجية. فحب قلعة صيدا كان من حب قلعة عكا.
ككل خلانه وأقرانه عاش الفتى الفلسطيني العكاويّ، الصيداويّ، عبد الرحمن زمن انبعاث الثورة الفلسطينية في لبنان. وعاش سنوات طفولته وفتوته ونشأته في أجواء النضال الفلسطيني. لم ينخرط في الفصائل الفلسطينية ولم يكن متفرغاً أو مقاتلاً في أي تنظيم فلسطيني، كان يعمل مصوراً للحفلات والأعراس والمهرجانات والخ. افتتح استوديو للتصوير في مدينة صيدا وعمل به. وفي تلك الفترة من الزمن في ربيع سنة 1982 تقدم بخطوبة فتاة فلسطينية (قريبتي) ولم تمضِ أسابيع قليلة على الخطوبة، حيث كان من المفترض بعد شهرين أو أكثر قليلا أن يتم عقد القران، حتى قام الصهاينة يوم الرابع من حزيران 1982 بغزو لبنان.
عندما علم عبد الرحمن عبد العال بأن الفدائيين سيتوجهون الى منطقة شرحبيل شرق صيدا لملاقاة ومواجهة الدبابات الصهيونية التي تم انزالها جواً بغية حصار مدينة صيدا. حتى امتشق السلاح وحمل كاميرا للتصوير وغادر معهم. مضى مع الفدائيين يوم السابع من حزيران – يونيو 1982 الى منطقة شرحبيل شرق صيدا حيث لم يعد من هناك. استشهد عبد الرحمن هو وكاميرته وسلاحه في المواجهات، التي سقطت فيها أعداد من الشهداء وخاصة من الشباب الفلسطينيين واللبنانيين من مدينة صيدا ومخيميها عين الحلوة والمية ومية.
انتظرت العائلة كما الخطيبة وعائلتها أن يعود عبد الرحمن الى المنزل أو أن يظهر أسيراً في معتقل أنصار لكنه لا عاد الى البيت ولا ظهر أسيراً. بعد مرور شهر ونصف على المعركة في شرحبيل تم العثور على بقاياه في مكان الاستشهاد في شرحبيل. عثرت العائلة على عظامه وبقية شعره وقميصه حيث كانت بطاقة هويته لازالت في جيب القميص، التي عرفوا من خلالها ومن إسمه بأن العظام تعود له.
بعد تشييع الشهيد ودفنه في مقبرة الشاكرية في صيدا قامت عائلتي الشهيد “عبد العال” وخطيبته “حمد” بعقد قران شقيق الشهيد على الخطيبة. أما أنا فإنني مدين لهما بالشكر على المعلومات التي زوداني بها عن الشهيد عبد الرحمان.
لم يعش عبد الرحمان عبد العال سوى 19 عاماً من حياته، قضاها لاجئاً فلسطينياً في لبنان حيث لا حقوق للاجئين الفلسطينيين. كان مثل آلاف الشهداء الآخرين من اللاجئين يحلم بالعودة الى عكا والى كل فلسطين. لم يعد حياً لكننا نعده بأننا سنعيده ونعيد رفاة الشهيد الصديق والرفيق قاسم حجير الذي استشهد في نفس اليوم وبنفس المعركة في شرحبيل.. ونعاهد كل الشهداء الآخرين بنقل رفاتهم من قبورهم في لبنان الى بلداتهم ومقابر أجدادهم في عموم أرض فلسطين المحررة.
نضال حمد في الثالث من آذار 2021