شهادة السيدة فاطمه محمد صالح صبحه عن بلدة الصفصاف
ولدت سنة ١٩٣٢في بلدة الصفصاف في الجليل الأعلى الفلسطيني المحتل
تعيش منذ النكبة في لبنان.
شهادة السيدة فاطمه محمد صالح صبحه
أم محمد لجأت مع عائلتها من الصفصاف في فلسطين المحتلة الى مخيم عين الحلوة في لبنان بعد النكبة. عاشت مرارة اللجوء والتشرد والحياة الصعبة. تزوجت وأنجبت أطفالا بالرغم من ظروف الحياة المعقدة والصعبة ربتهن مع زوجها المرحوم فؤاد جبر فرهود خير تربية، فتعلموا ودرسوا وتفوقوا في دراستهم وتخرجوا مهندسين ومعلمين ومعلمات، تماما كما غالبية أبناء المخيمات في تلك الفترة من الزمن الفلسطيني بعد النكبة. حيث كان الاعتقاد السائد آنذاك أن الفلسطينيين بالعلم والايمان يستطيعون اعادة بناء أنفسهم والاستعداد لاستعادة وطنهم عبر المقاومة والكفاح بكل الأشكال.
في شهر كانون الثاني من سنة 2015 وبطلب من موقع الصفصاف قدمت أم محمد لنا وللقراء شهادتها هذه لتضاف الى سلسلة من شهادات أهل البلدة الذين واللواتي عاشوا وعشن سقوط البلدة والمجزرة التي حصلت فيها وأودت بحيوات العشرات من سكانها وسكان القرى المجاورة الذين لجأوا اليها بعد سقوط بلداتهم.
في طفولتها كانت تلعب مع بنات الجيران بألعاب مثل “الخبايه” و “إكس” و “الزقطه”، يعني اللعب بخمسة أحجار صغيره، كذلك لعبة ” الدب الأعمى” و “النط بالحبل”.. تتذكر أم محمد في منفاها بلبنان أنه كان هنالك نوع من التواصل بين بنات وأبناء جيلها من خلال الزيارات المتبادله مع أقرانها. وكُن يصنعن العرائس ويخيطون لها الثياب ويتبارون من منهن التي صنعت اللعبه الأجمل. في الأعياد كان الأهل يحضرون لهن ثياب العيد ويحنون أيديهم ليلة العيد بالحناء. في صباح العيد كُن يرتدين ثياب العيد ويلعبن في الحارة.
تتذكر أم محمد الصفصاف فتقول:
من وجهاء الصفصاف طه شريده الذي كان مختار الصفصاف وإستلم من بعده إبنه محمد طه شريده وبعده إستلم المختره محمد كريم زغموت. هناك أيضاً من الأسماء المعروفة علي طه شريده ومصطفى الصالح وإسماعيل الناصر زغموت وعبدالله خالد زغموت وعوض محمود يونس وعبد أسماعيل حمد وأحمد سليم صبحه وكان شيخ شباب الصفصاف جبر خليل فرهود.
سبب مجزرة الصفصاف
يعود للمقاومة الشديدة في المرج بين قديثا والصفصاف حيث تحصن الضابط السوري حسن زينه في البرج وضربهم بالمدفعيه الثقيله فأصابهم إصابات مباشرة بالدبابات والأفراد مما أدى إلى هزيمتهم وإنسحابهم من الجهة الشرقيه للبلده إلى الجهة الغربيه. فمشطوا الأرض ليلا ودخلوا البلد فجرا حيث تجمع أهالي البلده في الإقبيه في دار البيك ودار يونس. أما هي فكانت مع الأخرين مختبئة في القبو عند دار البيك.
عند دخول (اليهود) أي الغزاة الصهاينة الى الدار كانوا يشعرون بالخوف ووضع الجنود سلاحهم كل إلى جانبه وأمروا أهالي البلده رفع أيديهم وبعدها قام الجنود بفرز الرجال إلى غرفه والنساء والأطفال في غرفه أخرى، وغادر الجنود الدار ولم يعودوا إلا بعد طلوع الشمس. كان بإستطاعة من بقي من الرجال أن يغادروا البلده الى جهة الشرق لأن اليهود إنسحبوا من الجهة الشرقية الى الغربية ولكنهم لم يفعلوا، ولما عاد اليهود الى الدار إقتادوا الرجال الى الخارج حيث الجوابي وتمت تصفيتهم باطلاق النار عليهم الواحد تلوالأخر. ثم ألقيت الجثث في العين الفوقا وهي عباره عن حفره عميقة، ثم قامت الجرافات بردم الحفرة بالتراب.
تستدرك أم محمد:
كانت العين التحتا تأخذ مياهها من العين الفوقا حيث كان الجنود يستعملون مياه العين التحتا وبعد فتره أدركوا تلوث مياه العين التحتا بسبب الجثثث التي ألقيت في العين الفوقا. ولهذا قاموا بنقل الجثث الى مكان مجهول اما بخصوص النساء بقين في دار البيك لفترة وفي هذه الأثناء قام أحد الجنود وهو أعرج ويقال أنه فقد إخوته في هذه الحرب بترويع النساء والأطفال بإطلاق النار في الهواء.
كان في مدينة صفد يهوديان يعيشان فيها وكانا يملكان أراضي واسعه ومطاحن للقمح كان يعمل فيها بعض الفلسطينين فزارا الأهالي في دار البيك للإطمئنان عن معارفهم بعد ما جرى. واليهوديان هما (ماني ومردخاي) وطلبا من النساء البقاء في بيوتهن وأراضيهن، ولكنهن لم يسمعن كلامهما وذكرهن بقول الفلسطينين (بدنا ندي اليهود مثل ندوية العدس) ولكن الله أعاننا وبعدها غادر الأهالي إلى يارون وبنت جبيل في لبنان على أمل عوده قريبه ولكنها طالت.
لم يرفع بعض أهالي البلده الرايات البيض وبعضهم رفعها. يقول البعض أنه لم تقيد أيدي الرجال. فيما الشهود من الأهالي أكدوا حدوث اعدامات واغتصابات وسرقات.
تصديقاً لروايات أهالي البلدة فإن التقارير حتى (الاسرائيلية) منها تذكر أن عمليات إغتصاب حصلت في البلدة. وعمليات سرقة وقطع أصابع الموتى لسرقة الخواتم الذهبية.
أم محمد لا تتذكر أن هناك نساء قتلن في الصفصاف يوم احتلالها. لكنها تقول أن امرأة تدعى (عزيزة) وعائلتها قتلوا في الطريق أثناء القصف فيما نجى إبنها ودفنت عزيزة مع أهالي البلدة الذين اعدموا اثناء المجزره في العين الفوقا.
شهود آخرين أكدوا مقتل عزيزة وانها كانت تحمل ابنها على صدرها. ولا يعرفون ما حل بالطفل، هل قتل مع أمه أو أن اليهود أخذوه. ولا يعرفون فيما اذا كان هناك نساء من بلدات اخرى من اللواتي لجأن الى الصفصاف قتلن أم لا إذ ليس هناك تدوين وتوثيق لذلك.
كل الذين قابلناهم وسألناهم عن عمليات الاغتصاب في الصفصاف أكدوا وقوعها والضحايا هن ثلاث نساء اغتصبن : هن، (فاطمة) و( أم. خ) ولم أعد أذكر اسم الثالثة. كما أننا لا نريد ذكر الأسماء لأنها قضية شرف، حساسة بالنسبة للأهالي وتخالف عادات وتقاليد أهالي البلدة.
على كل حال كلام أم محمد حول عدم مقتل نساء مهم لأنه يؤكد صدق روايتها وعدم المبالغة في سرد الأحداث. فنحن أيضا خلال العمل والتوثيق والاستماع للشهادات من أهالي الصفصاف لم نسمع عن امراة أخرى باستثناء عزيزة قتلت.
تقول أم محمد أن بعض الشبان الذين اعتقلوا ووضعوا في القبو قبل فرزهم، كانوا عادوا الى قلب البلدة بعد المعركه في المرج. والبعض الأخر لم يعد الى البلدة وغادروا الى يارون وبنت جبيل فتجنبوا مصير رفاقهم الذين عادوا ونالوا نصيبهم حيث استشهدوا رميا بالرصاص في مجزرة الصفصاف.
أما بالنسبه لدروز بيت جن القرية المجاورة للصفصاف وهو موضوع شائك، تقول أم محمد انهم لم يشاركوا في القتال ولا الاغتصاب، فقط قاموا بنهب وسرقه البيوت والمواشي. فيما بعض أهالي البلدة قالوا في شهاداتهم أن انهم شاركوا. وليس لدينا أدلة دامغة على ذلك.
بخصوص يوسف نحماني
كان شخصية يهودية ذائعة الصيت في الجليل وخاصة قضاء صفد، فهو يهودي ولا تعرف أم محمد، إن كان جنديا وقتها ولكنه كان سمساراً، يشتري الأراضي من الأهالي في قرى مارون وقديثا، والأرض التي تعرف بإسم (القيومي).
على كل حال كل الكلام الذي سمعناه من بعض كبار السن وقرأناه يؤكد أنه كان سمسارا لليهود لكنه كان مع بقاء الفلسطينيين في أراضيهم. وهذا أكده بعض من قابلناهم.
بحسب الرواية الصهيونية في موقع ويكيبيديا وأنقلها حرفيا كما هي منشورة هناك:
(وثمة مصدر رئيسي يتمثل في مذكرات يوسف نحماني، وهو أحد كبار الضباط في الهاغانا، الذي كان أيضا مديرا للصندوق القومي اليهودي في الجليل الشرقي من عام 1935 حتى عام 1965. وزار الصفصاف أو المنطقة المحيطة بها في 6 نوفمبر، برفقة وزير شؤون الأقليات الإسرائيلية بخور شالوم شيطريت. واستمع الرجال إلى إحاطة من إيمانويل فريدمان، ممثل وزارة شؤون الأقليات، الذي تكلم عن “الأعمال الوحشية التي ارتكبها جنودنا.” وقد أفرجت الحكومة الإسرائيلية عن مذكرات نحماني في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. وقد نشرت قبل ذلك، ولكن مع حذف الفقرات المتعلقة بالمجزرة.[3]
في 6 نوفمبر 1948، كتب نحماني: “في الصفصاف، بعد أن رفع السكان علم أبيض، قام [الجنود] بجمع وفصل الرجال والنساء، وقيدوا أيدي 50–60 من الفلاحين، وأطلقوا النار عليهم وقتلوهم ودفنوهم في حفرة. واغتصبوا أيضا عدة نساء…” وبعد ذكر الأعمال الوحشية المزعومة في قرى أخرى—عيلبون، والفراضية، وصلحة—يكتب نحماني ما يلي: “أين يأتون بهذا القدر من القسوة، مثل النازيين؟… فهل لا توجد وسيلة أكثر إنسانية لطرد السكان أكثر مما تفعله هذه الأساليب؟”[4]
وأبلغ موشي إيرم عن المجزرة التي وقعت للجنة مبام السياسية ولكن كلماته حذفت من المحضر. ووفقاً للملاحظات بشأن الاجتماع التي دونها آهارون كوهن، فقد تحدث إيرم عن: “52 من رجال الصفصاف مقيدون بحبل. أسقطوا في بئر وأطلق النار عليهم. وتقدمت النساء بطلب الرأفة. فتاة عمرها 14 سنة تعرضت للاغتصاب. وقتل أربعة آخرون.”).
تضيف أم محمد
بعد شراء الأراضي المذكورة أقيمت عليها مستعمرة عين زتانا وقام اليهود بزراعة الأراضي بأشجار الليمون لتغيير معالم الأرض. تلك المنطقة في الجليل الأعلى كانت تشتهر بالتفاح والتين والتبغ والزيتون والفاكهة.
أذكر أننا حين قابلنا المرحومة زهيا قاسم حمد – أم غازي حمد – قالت في شهادتها المسجلة صوتا وصورة أنها رأت بأم عينها كيف قتلوا والدها الذي لم يمت وكان جريحا بعد اطلاق الرصاص على رجال البلدة المعتقلين. قتلوه مع شاب جريح من بلدة مجاورة كان لجأ الى الصفصاف بعد سقوط بلدته بيد الصهاينة. قتلوا الجرحى الذين بقيوا على قيد الحياة بعد رميهم بالرصاص قرب دار البيك.
تقول أم محمد
بعد احتلال اليهود لفلسطين جاءت نجده من المتطوعين المغاربة، لمساعدة أهل البلدة والقرى المجاورة. جائوا بالباصات ونزلوا على قبة الجش أول البلد حيث تمركز اليهود في تلك المنطقه وسألوا بعض الجنود اليهود ظننا منهم أنهم مقاومين عن البلدة فخدعوهم وقالوا لهم نحن المقاومة، فلما نزلوا من الباصات قام اليهود بقتلهم جميعا ولم ينجو منهم أحد ورموا الجثث في منخفض قبة الجش وطمروهم للتخلص منهم.
في شهادته المنشورة لموقع من الذاكرة الفلسطينية – دمشق -“الاتحاد – قال أسعد زغموت”:
( كما كنا نعرف فمع سقوط الصفصاف تهاوت البلدات والقرى في الجليل الغربي كله، ووقعت نجدة كبيرة من جيش الإنقاذ في كمين مروع عصر يوم 28/10/48. وفجر اليوم التالي، وصلت نجدة كبيرة من المتطوعين المغاربة إلى الجش وكانت محتلة ساعتها، فوقعوا في كمين مروع لليهود واشتبكوا معهم بالسلاح الأبيض، واستشهد معظم المتطوعين بعد أن انزلوا خسائر فادحة باليهود. وعندما سمعت بذلك امتلأت غيظا ومرارة، فغادرت بنت جبيل إلى سوريا وبقيت فيها منذ ذلك الوقت احلم باليوم الذي نسترد فيه أرضنا من الغزاة اليهود).
هذه القصة التي ذكرتها أم محمد وأكدتها شهادة أسعد زغموت من قبلها، سبق وتحدث عنها المرحوم والدي ( محمد أحمد حمد – أبو جمال-) والعم المرحوم (أبو غازي حمد) أيضا. استطاع جندي من المتطوعين المغاربة النجاة وقد التقاه والدي في الطريق الى لبنان، كان جريحا وقص على مسامع والدي عما حصل معهم في الجش. يمكن مشاهدة فيديو قصير لمقابلة كنت أجريتها في مخيم عين الحلوة مع والدي قبل وفاته بسنوات، يتحدث خلالها عن هذه القصة، على الرابط التالي في يوتيوب.
https://www.youtube.com/watch?v=b90enrVXa48
ِشهادة ابو جمال حمد عن حادث اثناء النكبة مع جندي مغربيتطوع للقتال في فلسطين ووصل بلدة الجش في الجليل
تقول أم محمد
قبل احتلال الصفصاف كانت مستعمرة عين زاتانا هدفا لمقاومة أهل البلد المسلحين بما ملكت أيديهم من العصي والفواريع، لعدم وجود الأسلحه معهم. فيما كانت النساء تقوم بتشجيعهم بالدعاء وهذا أضعف الإيمان، داعين لهم بالنصر على اليهود (يا ناصر السته على الستين ينصركم على القوم الكافرين )
ومن محاولات المقاومين لليهود قيام مجموعات المقاومه بقيادة (إدريس) وهو (شركسي) حيث كانوا يقومون بحفر الخنادق ليلا حول مستعمرة عين زاتانا وفي النهار يقوم اليهود بطم الخنادق بالتراكتور لمنع وصول المقاومين إلى المستعمره لأنهم كانوا عصابات يسكنون المستعمره ويحرسونها.
استمر المقاومون دون كلل بمقارعة هذه المستعمره والاشتباك مع حراس المستعمره المسلحين بالبواريد والرشاشات حتى إنتهت ذخيرتهم، فدخل المقاومون المستعمره وألقوا القبض على مطلق الرشاش فتبين أنها مجنده فإعتقلوها وجاؤا بها الى بلدة الصفصاف، وأنزلوها في بيت آل حوراني حيت كان يقيم مسؤولو الجيش السوري، أديب بيك الشيشكلي وجودت الأتاسي وحسن زينه. وضعت أسيره في حمايتهم وحرصا على حياتها كانت لا تأكل حتى يأكل الشيشكلي قبلها من الطعام وكذلك شرب الماء. ولم يعرف ماذا حل بها هذه الأحداث كانت قبل سقوط البلدة.
من المقاومين تتذكر أم محمد بعض الأسماء من آل شريدي: عبدالله شريده وخالد حسين شريده وأحمد علي شريده. أما الشهيد فهو أحمد علي شريده، أستشهد بعد قص الشريط الشائك الملغم، فإنشغل المقاومون بنقل جثته إلى إحدى المغاور المجاوره، حيت بقيت الجثه فيها ما يقارب الأسبوعين خوفا من الجيش البريطاني أن يكشف المجموعه. وتمكنوا أخيرا من نقل التابوت على بغل (نمر سعدة) ليلا ودفنوه في مقبرة الصفصاف ليلا وبسرية تامة. والدته الحاجه (شاهينة) داية (قابلة قانونية) معروفة في الصفصاف وشقيقه كان يدعى نايف (المارونيه) شريدة.
أم محمد التي طال انتظارها بعد النكبة واستمر حتى يومنا هذا لازالت في لبنان تنتظر فجر العودة الى الصفصاف. نتمنى لها دوام الصحة والعافية والعمر المديد وعودة مظفرة الى المنزل الأول.
أجرى اللقاء نضال حمد في مدينة صيدا اللبنانية في الثاني عشر من كانون الثاني 2015.