في مخيم اليرموك ذكريات لا تموت – 2- نضال حمد
في مخيم اليرموك ذكريات لا تموت – 2- نضال حمد
2017-12-03 – موقع الصفصاف
أول مرة في حياتي زرت هذا المخيم الكبير كانت سنة 1976 حين رافقت دار عمي علي حمد – أبو حسين- في زيارتهم الى الشام والمخيم حيث العدد الكبير من أقاربنا من عائلتي حمد وزغموت. كنت يومها لازلت طفلاً أبلغ من العمر 13 سنة فقط لا غير. حياتي كلها منذ السنة الأولى وحتى تلك اللحظة قضيتها مع أخي ورفيق عمري (ابن عمي ) طارق حمد، فهو من أبناء جيلي ومن نفس سني. ولما كان على طارق السفر مع أمه واخواته الى الشام طلبت أن أسافر معهم وكان لي ذلك بعد موافقة والدي وعمي ووالدتي وامراة عمي.
في ذلك الوقت كانت تدور في لبنان حرباً أهلية شرسة أشعلتها القوى الفاشية والانعزالية اللبنانية المرتبطة بالكيان الصهيوني والرجعيات العربية، وكان شعار الحرب طرد الفلسطينيين من لبنان ووأد مشروع الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت مكونة من أحزاب يسارية وقومية وناصرية وبعثية والخ … حصدت تلك الحرب الارهابية الفاشية حيوات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين واستمرت طوال ١٥ سنة. ابتلعت مخيمات فلسطينية في لبنان منها مخيم تل الزعتر. وكان قبله بسنوات قليلة سقط مخيم النبطية شهيداً بعدما دمرته الطائرات الصهيونية. وحدة الهدف بين الصهاينة والانعزاليين اللبنانيين.
غادرنا مخيم عين الحلوة (توأم مخيم اليرموك) قرب مدينة صيدا الجنوبية وتوجهنا بسيارة أجرة الى دمشق، فمررنا بالساحل ومن ثم جبل لبنان وصولا الى بلدة شتورة فالمصنع أي الحدود ومن هناك دخلنا الأراضي السورية. وبعد مسافة غير طويلة بالسيارة وصلنا مخيم اليرموك. واذكر أنه كان مخيماً عامراً ويختلف بشكله وعمرانه عن مخيم عين الحلوة، كان أكثر تطوراً وأكبر مساحة.
في المخيم كان استقبالنا حميماً وصادقاً وجميلاً من قبل كل الأقارب هناك. وبسرعة تعارفنا مع الأطفال من جيلنا ومع بعض الذين كانوا أكبر منا سناً أو أصغر قليلا.
سكنا وأقمنا عند الأقارب على شارعي اليرموك ولوبية. وأحيانا في دخلة حسن سلامة مقابل فرن أبو فؤاد الشهير. في أحد البيوت سمعت بأسم الشهيد فيما بعد، الذي كان معتقلاً في السجون السورية عبد المجيد نمر زغموت، وسمعت عن قصته ولماذا تم اعتقاله، وظننت يومها وأنا طفل أنه سيأتي اليوم الذي يخرج فيه عبد المجيد من السجن ليلتقي بأهله، لكنه لم يخرج إلا الى القبر بعد 37 سنة قضاها في المعتقل.
في منزل آخر رأيت صورة للشهيد عدنان حمد (ابن عمنا ومخيمنا عين الحلوة) الذي استشهد على الحدود السورية العراقية اثناء عودته سنة 1966 من دورة عسكرية في العراق هو ورفاق واخوة له، قيل يومها أن طائرة تدريب سورية وقع فيها خلل تقني وتحطمت فوق الشاحنة التي كانت تقل الضباط. ودفن عدنان ورفاقه الشهداء في مقبرة ببغداد.
مع مرور الوقت بدأنا نخرج مع أبناء جيلنا وأقاربنا وجيرانهم ومعارفهم للهو واللعب في منطقة مشجرة مقابل مشفى حلاوة. هذه المنطقة أصبحت فيما بعد منطقة سكنية وفي نطاقها يقع الآن جامع الوسيم، وتمتد على مسافات طويلة المساكن والمحلات التجارية التي شيدت فيما بعد.
من رفاق اللهو في ذلك الوقت أذكر الشهيد هشام أحمد حمد الذي استشهد في الضاحية الجنوبية في بيروت نتيجة قصف الفاشيين اللبنانيين لموقع لجيش التحرير الفلسطيني سنة 1981. وشاء القدر بعد سنوات من زيارتي الأولى الى اليرموك أن عدت الى المخيم لزيارة الأقارب، حيث كنت ضمن وفد جبهة التحرير الفلسطينية مع قائدها طلعت يعقوب الذي شارك في أعمال المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد يومها في دمشق. ومن سوء الصدف حين وصلت البيت في شارع حسن سلامة مقابل فرن أبو فؤاد الشهير، وجدت بيت عزاء في المنزل، ليتبين لي في تلك اللحظة أنه بيت عزاء لأخي هشام أحمد ديب حمد الذي أستشهد في لبنان.
لطالما أحببت في مخيم اليرموك تناول مكدوس الباذنجان، ومربى الورد والحلويات الشامية بأنواعها المتعددة وأكلات أخرى عديدة . كما وأذكر أننا شاهدنا فيلماّ في السينما بالمخيم أو خارجه لم أعد أذكر. أحببت ركوب (الطقطيقة) وهي عربة بثلاث دواليب كانت تنتشر بكثافة في المخيم وفي الشام.
في اليرموك تعرفت وتصادقت مع أبناء العائلتين من الأقارب وأذكر انني يوم عدت الى لبنان برفقة دار عمي بكيت وأنا أودع اليرموك والأقارب هناك. لم تطل غربتي عن مخيم اليرموك طويلاً اذ عدت وزرته بعدما غدوت أكبر سناً، في تلك الرحلة شاهدت في المخيم الحكيم الراحل جورج حبش وهو يسير على قدميه في أزقة اليرموك متوجها الى مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. حيث قمت مع أصدقائي بالتقدم منه والسلام عليه والتحدث معه والسير برفقته الى مكتب الجبهة. كان متواضعا وبسيطا ورفيقا بكل معنى الكلمة. كان زعيماً أحبه اليرموك وأحبته فلسطين من نهرها الى بحرها.
الزيارة الثالثة حصلت في مطلع شبابي وبعدما أصبحت فدائياً في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية، جبهة القائد الشهيد طلعت يعقوب الأمين العام للجبهة. زرت اليرموك بعد سنتين من زيارتي الثانية. التقيت في زيارتي الثالثة، المختلفة تماما عن الزيارة الأولى بأصدقائي الذين بدورهم أصبحوا شبانا مثلما أنا وطارق ابن عمي. ومنذ ذلك الوقت اصبحت زياراتي الى المخيم تتكرر كثيراً، ثم بعد صحار بيروت سنة ١٩٨٢ أقمت لعدة أشهر في المخيم. كانت اقامة جميلة وصعبة وشاقة بنفس الوقت بسبب الظروف السياسية الفلسطينية الانشقاقات الداخلية والعلاقات المتأزمة في ذلك الوقت بين السلطات السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وللحديث بقية.