أشرف أحمد حمد 1972 – 1987 شهادة مؤلمة – نضال حمد
أشرف الفتى الصغير ابن ال 15 ربيعاً المولود في مخيم عين الحلوة سنة 1972 عاش حياة قصيرة لم يعرف خلالها سوى الحروب والعذاب والحياة الصعبة في المخيم. منذ الطفولة وحتى الشهادة عاش على هدير الطائرات الصهيونية وغاراتها المتكررة على المخيم. وعلى وقع الحرب الأهلية اللبنانية، التي كان الفلسطينييون في لبنان أكبر ضحاياها ولازالوا حتى بعد انتهائها.
هناك في حارة الصفصاف بمخيم عين الحلوة، بالقرب من منزل جدي وخالي وخالتي، في بيت مجاور رأت عيناه النور. كبر ونما قليلا وكان يلهو مع أطفال الحارة، وذهب مثلهم الى مدرسة الانروا. في كل يوم كان يسمع من والده حكاية جده الشهيد في قرية الصفصاف في المجزرة سنة 1948، حين جمعت العصابات الصهيونية رجال البلدة بعد احتلالها على اثر مواجهات عنيفة، تكبدت خلالها العصابات الصهيونية حسائر فادحة، مما اضطرها لاستخدام الطائرات والمدفعية الثقيلة والعربات المجنزرة في اقتحام الصفصاف. كان جده من ضمن الرجال الذين قام الصهاينة باعدامهم رمياً بالرصاص يوم الثامن والعشرين من تشرين الأول سنة 1948، لكن الجد ومعه آخرين لم يمتوا على الفور، بقيوا جرحى وحين اكتشف الصهاينة بعد مرور بعض الوقت أنهم جرحى قاموا بإعدامهم وهم جرحى.
كم يشبه استشهاد أشرف شهادة جده
أشرف الصغير الذي لحق بشقيقه الأكبر منه سناً الى جبهة القتال، تواجد اثناء الاشتباك في منطقة التلة البيضاء شرق مدينة صيدا، في جنسنايا. هناك أصيب في خاصرته بطلق ناري. كان جريحاً وقت اعتقاله، ثم أعدم في المستشفى بأيدي عربية، بطلقات في رأسه تماماً كما أعدم جده قبل 40 عاماً من اعدامه هو، لكن بطلقات صهيونية اخترقت رأسه.
الشبل أشرف تربى في مخيم عين الحلوة على سيرة جده وشهداء الصفصاف وفلسطين. تعلم في مدارس مخيم عين الحلوة التابعة للانروا، وتدرب في مواقع الفدائيين على استخدام السلاح للدفاع عن نفسه وعن عائلته وعن مخيمه وعن شعبه وثورته وقضيته. ففي سبعينيات وثمانييات القرن الفائت كانت المجازر والاعتداءات على المخيمات الفلسطينية في لبنان تتكرر، ليس فقط بأيدي الصهاينة بل أيضاً بأيادي بعض اللبنانيين الطائفيين والانعزاليين. للأسف فإن تاريخ وجود المخيمات الفلسطينية في لبنان حافل بالمجازر، من تدمير وإزالة مخيم النبطية بقصف الطائرات الصهيونية الى مجازر وتدمير وإزالة مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا وحصار مخيم ضبية واحتلاله. ثم مجازر صبرا وشاتيلا في ايلول سبتمبر 1982. ثم فيما بعد مجازر “حرب المخيمات” التي استمرت لنحو عامين وكانت بشعة لأقصى الحدود.
هذا الفتى الشبل هو فدائي آخر من عائلة حمد، سقط شهيداً سنة 1987 وهو يدافع عن مخيمات شعبنا في زمن ما يعرف بحرب المخيمات. كان مع رفاقه في جبهة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية يقاتل هناك، يصد ويرد المعتدين عليها من شرق مدينة صيدا اللبنانية. أصيب بطلق ناري من رشاش 500 في خاصرته، في منطقة التلة البيضاء في جنسنايا. عثرت عليه جريحاً مجموعة من عناصر حركة أمل. في البداية اعتقدت أنه جريح من قواتها، فنقلته الى مستشفى علاء الدين في الصرفند، هناك اكتشفت المجموعة أنه جريحٌ فلسطينيٌ فقامت باعدامه بإطلاق الرصاص من مسافة قريبة جداً على رأسه. هذا ما أكده الطبيب الشرعيّ في مستشفى سعد صايل بمخيم عين الحلوة بعد فحص جثة الشهيد أشرف.
ما أبشع تلك الحرب وما أقذرها فكم حصدت من حيوات الفلسطينيين في مخيمات لبنان ومن حيوات اللبنانيين أنفسهم في تلك الحرب القذرة التي شنت على المخيمات بلا سبب منطقي. في تلك الحرب كان النصيب الأكبر من الموت والحصار والتجويع من نصيب المخيمات الفلسطينية في بيروت “صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة”. تلك المخيمات التي ما أن كانت تخرج من حرب أو مجزرة حتى تجد نفسها في حرب ومجازر جديدة.
كم أثكلت تلك الحروب القذرة من عائلات وأمهات وآباء وأطفال من الطرفين.. كم أثكلت بالذات من الطرف الفلسطيني، الذي كان ضحية الاعتداء عليه لأسباب سياسية، ولمصالح حزبية وتحالفات اقليمية وتحريضات طائفية ومذهبية. كل تلك الحروب العبثية والظالمة كانت بمثابة خدمة مجانية للعدو الصهيوني ولأعداء الوحدة العربية والقضية الفلسطينية. ألم يحن الوقت بعد كي يعتذر الذين افتعلوا تلك الحروب، ثم أدركوا فيما بعد ولو بعد سنتين من حصار المخيمات، خطأهم الفادح، أن يعتذروا لعائلات الضحايا، ضحايانا وضحاياهم.
أشرف الفتى، الشبل، الشهيد سار على درب أجداده الشهداء وأبناء العائلة الآخرين الذين أمنوا بفلسطين وبحماية قضيتها وشعبها وثورتها من عبث العابثين ومؤامرات المتآمرين واعتداءات المعتدين، سواء من الصهاينة أو من الأعراب الحاقدين، الفاشيين، الانعزاليين، الطائفيين المذهبيين، السقيمين، الرجعيين، المرتدين. الذين اعتدوا على المخيمات وأعدموا أشرف في ذلك الزمان، كانوا معتدين على المخيمات بكامل وعيهم، لكنهم لم يعرفوا أنهم كانوا يعتدون على شعبٍ حسينيٍ جهاديٍ لا يجوز الاعتداء عليه. كما أن الاعتداء على المخيم الفلسطيني كما الاعتداء على حراس الأقصى وقبة الصخرة و مسرى النبي. كما الاعتداء على المسجدين المقدسيين الصخرة والأقصى. فهل كان المعتدون في ذلك الوقت يعرفون ويدرون ويدركون ماذا يفعلون وأي منقلبٍ ينقلبون؟.
شهداء فلسطينيون كثيرين سقطوا في معارك جانبية كان يجب أن لا تحدث وأن لا تكون، فلو كان هناك وحدة عربية حقيقية. وحدة هدف ومصير ودم وانتماء. ولو كان هناك فهم واضح وعلمي لمعاني الوحدة والصراع مع أعداء الأمة. ولمعاني الأخوة والمصير المشترك والدم الواحد، الذي بقي واحداً حتى اندلاع حرب المخيمات. لما حصل الذي حصل.
عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين سقطوا في الحروب التي عصفت بالأردن ولبنان والعراق وسوريا. في كل تلك الحروب كانت الأيادي الأمريكية الصهيونية والرجعية العربية موجودة. وكان الفلسطيني هو الضحية.. كان المطلوب رأس الثورة الفلسطينية. قبل أن تقوم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت اثناء حرب المخيمات هي صاحبة بدعة القرار المستقل. في اوسلو وواشنطن سنة 1993-1994 قامت بتسليم رأس القضية للكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية. كذلك بتجاهل حقوق الشعب العربي الفلسطيني ومخيماته في الشتات. المخيمات التي عنوانها النضال والكفاح والمقاومة، واستمرار الصراع مع العدو الصهيوني حتى تحرير فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى كل فلسطين. أما من يعتدي على المخيمات وسكانها فهو كمن يعتدي على فلسطين وشعبها وقداسة قضيتها ومقدساتها.
في لبنان كل شيء ممكن ووراد ولا يمكن استغراب أي شيء لا يقبله العقل والمنطق. فحليفك اليوم ممكن أن يصبح عدوك غداً. وعدوك بالأمس يمكن أن يتحالف معك اليوم وهكذا دواليك. يعني ممكن أن تلتقي خلال المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات وما أكثرها في لبنان، وأن تجلس مع شخص من هذا الحزب او الفصيل أو التنظيم أو الحركة أو الطرف أو الجهة السياسية والأمنية والعسكرية اللبنانية، تتحدثان وتقهقهان وتشربان القهوة أو الشاي، وتصبحان ربما صديقين وحليفين، ولا يدري كل منكما أو أحدكما أن دم أقرباؤه ورفاقه وأهله موجود في كَفِ أحدكما أو في كَفٍ كل منكما.
تجلس وتفكر بكل هذا السيرك الدموي في لبنان وبلادنا العربية فيما صورة رفيقك أو شقيقك الشهيد، الذي أعدم بدم بارد كما جده وهو جريح لازالت حاضرة وماثلة أمامك. حضور الشخص الذي يجلس أمامك فتراه في مخيلتك حين يهم باطلاق الرصاص على رأس شقيقك الجريح، يعدمه بدم بارد وبلا تأنيب ضمير. ربما هو أيضاً يكون لديه قصة مشابهة لقصتك وتدور في رأسه نفس الأفكار والقصص. لقد حدث ويحدث هذا في لبنان أما الآن فكلاكما يتحدث عن التحالفات والكفاح ويندم على تلك الحرب العبثية الظالمة، التي لم تخدم سوى معسكر الأعداء.
لكن ماذا ينفع الندم؟
هل يعيد أشرف وآلاف الضحايا الآخرين لأمهاتم المثكولات ولآبائهم المفجوعين؟ ..
المجد والخلود لأشرف ولأرواح كل شهداء حرب الأخوة الأعداء، حرب المخيمات، حرب الدفاع عن الوجود الفلسطيني في لبنان حتى التحرير الكامل والعودة الى كامل تراب فلسطين.
24-3-2021
أشرف أحمد حمد 1972 – 1987 شهادة مؤلمة – نضال حمد