الشهيد شربل – عمر البني – نضال حمد
في مخيم عين الحلوة بمكتب “ج. ت. ف” تعرفت أكثر على الفتى ذو الشعر الأشقر، عمر البني واسمه الحركي كان “شربل”. لماذا سمى نفسه شربل لا أعرف. ربما هناك في الحارة أو المخيم أو الجبهة أو أحد الأصدقاء والرفاق، هو من أطلق عليه هذا الاسم. لم يخطر على بالي قبل أربعون عاماً ونيّف أن أسأل الرفيق عمر البني، ابن مخيمنا وابن جيلنا الفدائي، الجبهوي، لماذا اسمه الحركي شربل. بعد مضي عشرات السنين ها أنا الآن أجلس أمام شاشة اللابتوب وأتحزر لماذا يا شهيدنا شربل سميت نفسك شربل؟.. لعل أحد رفاقنا يعرف ذلك ويقدم لنا الجواب الشافي.. ولعل أحدكم أو إحداكن يعرف – تعرف ذلك.
كان شربل في مقتبل العمر، شاباً صغيراً، حيوياً، متحركاً، نابضاً، فاعلاً، شعلة نشاط وحيوية، قصير القامة، مربوع الجسم، شعره منفوش، طويل نسبياً وأشقر، كأنه اسكندنافي أو سلافي جاء للتو من أوروبا. تميز عمر البني – شربلنا الشهيد – بالدعابة والنكتة. كان سعيداً وفرحاً باستمرار، رغم أننا كنا في خضم حروب ومعارك وخراب ودمار ومجازر .. وكنا كذلك فيما بعد على خط المواجهة الأول في الجنوب اللبناني. على تخوم فلسطين المحتلة، مقابل جيش الاحتلال الصهيوني وجيشه العميل الذي كان يسمى جيش لبنان الجنوبي.. وهو مجموعة من الساقطين والجواسيس والعملاء والانعزاليين والعنصريين والفاشيين اللبنانيين، الذين كانوا يكنون عداءا شديداً للفلسطينيين وللسوريين. كلذك كان يكرهون أي لبناني عروبي. وكانوا أيضا يكنون أشد العداء والحقد على الوطنيين واليساريين والتقدمييين والقوميين اللبنانيين، وحتى على عروبة لبنان. وهم أنفسهم الذين يعادون الآن ويشيطنون هذه الأيام المقاومة في لبنان وفلسطين. أكثر من عانى من خيانة هؤلاء وبطشهم وعدوانهم هم أهل الجنوب اللبناني، الذين صمدوا وفي النهاية انتصروا. ومثلما انتصر الجنوب وكل لبنان يا شربل ستنتصر فلسطين.
الشهيد شربل – عمر البني
في مخيم عين الحلوة تعرفت على شربل أكثر من خلال لقاءات كثيرة جمعتنا في المكتب أو في الموقع الشهير على جسر درب السيم، حيث مدخل المخيم الجنوبي، وحيث كانت تتمركز وحدة من ج ت ف. في ذلك الموقع وفي أحد الأيام من بدايات سنة 1979 كان عناصره جالسين يتحدثون ويدخنون السجائر، حين تفاجأوا بشخصين، يوقفان سيارتهما ويركناها بالقرب من الموقع، ثم ترجلا وطرحا عليهم السلام وطلبا الاذن بالجلوس والتحدث معهم. وافق الشباب على ذلك وأخذوا يتحدثون معهم بالسياسة وموضوعات عامة عن ج ت ف والثورة الفلسطينية والخ. لا أحد من الحاضرين كان يعرف أن أحد الشخصين الجالسين يتحدثان معهم، هو رفيقهم وقائدهم طلعت يعقوب، الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية. الرفيق طلعت يعقوب لم يكن مشهوراً في وسائل الاعلام وصوره قليلة ونادرة في ذلك الوقت من الزمن. فلم يكونوا يعرفونه.. ولم يسبق لهم أن شاهدوا صوره. جاء كعادته في بعض المرات بدون مرافقين، يتفقد مواقع الجبهة في الجنوب. عرفوا فيما بعد من هو ضيفهم من خلال أحد الرفاق الذي وصل الى الموقع ليتفاجئ بدوره بوجود الرفيق الأمين العام أبو يعقوب في المكان. فقد كان يعرفه ورحب به بالاسم مشكلاً صدمة للشباب في الموقع. يقول احد الرفاق أنه في تلك الجلسة تحدثوا على راحتهم وبدون عوائق وبأريحية لا تعرف الحدود. وبالذات المرحوم سمير شريدي، الذي كان معروفاً بالمُنَكِت والمُضحِك الأول في الموقع المذكور.
انتمى شربل في وقت مبكر للعمل التنظيمي والفدائي، حيث بدأ مسيرته الرفاقية شبلا ثم مقاتلا، عرف المواقع والميادين وجبهات القتال. خدم فدائياً في القطاعين الأوسط والشرقي بالجنوب اللبناني. كما كان مقاتلا في البقاع الغربي وفي النبطية والعيشية واقليم التفاح وصيدا وعين الحلوة. ولا يجب أن ننسى أنه كان رفيقاً محبوباً من رفاقه في الجبهة ومن أبناء حارته في المخيم.
عندما حصل غزو لبنان سنة 1982 لا أعرف بالضبط أين كان مكان شربل، في أي موقع بلبنان، لكني اعتقد انه كان يخدم في وحدة المدفعية والصواريخ التي كانت تنتشر من درب السيم في صيدا حتى قلعة الشقيف والجرمق. لكن كما عرفت بدايات هذا الفهد الفلسطيني الأشقر، عرفت نهايته المشرفة. فقد استشهد عمر البني – شربل- مع الشهيدين الرفيقين من مخيم عين الحلوة، غسان كايد ونظمي فايز المجذوب. استشهدوا جميعهم عندما تعرض موقع الجبهة في “ثعلبايا” بالبقاع لغارة من قبل الطيران الحربي المعادي. حسب ما أذكر فإن الغارة حصلت في بداية شهر أيلول – سبتمبر 1982. بعد أيام قليلة من انسحاب القوات الفلسطينية من بيروت الغربية المحاصرة. كنت علمت بنبأ استشهادهم كذلك قبل أيام من اصابتي في 17-9-1982 حين اقتحم الصهاينة وأعوانهم الفاشيين، بيروت الغربية الفارغة من الفدائيين الفلسطينيين، وارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا. كنت في تلك اللحظات عند مشاهدتي للدبابات والجنود الصهاينة أفكر برفاقي الشهداء وبالأهل في المخيم وبشعبنا الفلسطيني واخوتنا اللبنانيين. فلم يوفر الاحتلال وأعوانه أسلوباً إجرامياً وإرهابياً إلا واستخدموه ضدنا.
دفن شربل ورفاقه في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك قرب دمشق. عرفت من الأصدقاء أن والده حرص دائما على زيارة قبره. فكان يسافر من مخيم عين الحلوة في لبنان الى مخيم اليرموك في سوريا لكي يزور قبر “شربل” نجله الشهيد. من الأمور الموسفة بالنسبة لي شخصياً أنني في السنوات السابقة لم أكن أعلم أن الشهداء الثلاثة مدفونين في اليرموك، كنت أظن أنهم دفنوا في البقاع اللبناني. فلو أنني عرفت ذلك لكنت حرصت على زيارتهم وطرح السلام عليهم وتقبيل شواهد قبورهم.
كل من عاش في مخيم عين الحلوة عرف شربل وأحبه.. وكل من ناضل في صفوف ج ت ف أيضا عرفه وأحبه.. وأنا شخصياً أحببته إذ لي برفقته وقفات ومحطات وذكريات عديدة.. وقفات كثيرة مع الصديق والأخ والرفيق عمر البني – شربل- الذي خطفته منا الشهادة في وقت مبكر جداً. بقيت أتذكره ولازلت أذكره دائما في أحاديثي وكتاباتي عن تلك الفترة من عمرنا الفلسطيني بالزمن اللبناني. وكلما زرت لبنان وبالذات مدينة صيدا ومخيم عين الحلوة وكذلك النبطية والبقاع.
المجد والخلود لشربل ولكل شهداء مخيمنا، جبهتنا وثورتنا ونضالنا وشعبنا وأمتنا وفلسطيننا..
نضال حمد في 15-2-2021