الشهيد يوسف سعيد مسعد “أبو الرووس” – نضال حمد
الشهيد يوسف سعيد مسعد “أبو الرووس”، شهيد مخيم عين الحلوة وفلسطين وحتماً سنلتقي وجبهة التحرير الفلسطينية – بقلم نضال حمد
في عين الحلوة قرب سوق الخضار، ولد وعاش الفدائي، الرفيق يوسف سعيد مسعد الملقب “أبو الرووس”.. في كنف عائلة تهجرت من فلسطين المحتلة لتصبح لاجئة في الخيام ثم في بيوت الطين والزينكو. في سوق الخضار شب الفتى الأسمراني.. وفي مدارس المخيم تلقى تعليمه الأول. كما في معسكرات الثورة نما شبلاً وكبر وأصبح مقاتلا، فدائياً. حمل السلاح لأجل تحرير فلسطين كل فلسطين.
في مرحلة التجاذبات والخلافات بين الفصائل الفلسطينية كان اسم أبو الرووس معروفاً ومشهوراً، حيث كان من المقاتلين الذين سمع المخيم كله بإسمه وهيبته. ذات يوم كان أبو الرووس يقف في سوق الخضار وهو يتحدث مع الرفيق محمد عيسى من كوادر جبهة التحرير الفلسطينية سابقاً. مرت بالقرب منهما خيتارة فلسطينية من المخيم لفت انتباهها مناداة محمد عيسى لأبي الرووس، فأستادرت وسألتهما من منكما أبو الرووس؟
رد يوسف: أنا ..
ابتسمت وقالت: “والله عشت وشفتك يا أبو الرووس”…
تعود جذور عائلة الشهيد “أبو الرووس” الى اليمن، حيث أصل العرب وتاريخهم وعزتهم. هذه الحكاية سمعتها من البعض وأكدها أصدقاء يعرفون تاريخ العائلة. فكما يعرف البعض أو كما تعرف غالبيتكم، هناك عائلات عربية كثيرة وحتى اسلامية غير عربية، كردية وغيرها، جاءت الى فلسطين في زمن السلطان صلاح الدين الأيوبي، وكانت من جيشه ومن مقاتليه الذين حرروا القدس من الصليبيين. وهناك عائلات عربية أيضا جاءت الى فلسطين إبان فترة الحكم العثماني. والأرجح أن أجداد شهيدنا يوسف سعيد مسعد جاءوا من مدينة الحديدة في اليمن، وبقيوا في فلسطين كما العائلات الأخرى. فمنهم من تهجر في النكبة سنة 1948 ومنهم من لازال في الوطن المحتل.
كما كل أبناء جيله تقريباً التحق “أبو الرووس” بالثورة الفلسطينية فأختار جبهة التحرير الفلسطينية يوم كانت لازالت قيادة عامة. ومع خروج الجبهة عن القيادة العامة انضم للمنتفضين وبقي في الجبهة حتى استشهاده سنة 1984. خاض معارك عديدة دفاعاً عن الثورة والمخيمات الفلسطينية وعروبة لبنان. هناك 5 أشقاء للشهيد أبو الرووس قضوا كلهم في معارك ومواجهات وظروف مختلفة خلال الفترة الممتدة من 1984 وحتى 2019. ومنهم شقيقه الشهيد حسين يوسف مسعد الذي كان مقاوماً في العمل السري تحت الاحتلال في ذلك الوقت من الزمن. كذلك قضا نجله بعده بسنوات. هذه العائلة منكوبة وقدمت سنة من ابناءها في أزمنة مختلفة.
عرف هذا الشاب الأسمراني، النحيف، القويّ، بالمقاتل الشجاع والمقدام الذي لا يهاب ولا يخاف ولا يتراجع. خاف منه الجواسيس والعملاء الذين تساقطوا وعملوا في خدمة جيش الاحتلال الصهيوني، لأن بعضهم كان يعرفه ويخشى شجاعته وجرأته ووطنيته. فحاولوا استقطابه كي يعمل معهم ويصبح جاسوساً وعميلاً مثلهم لكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً. كما رفض تقديم أية معلومات لهم عن رفاقه المقاتلين الفلسطينيين، الجبهويين في “حتماً سنلتقي”، الذين كانوا يقاومون الاحتلال ويلاحقون العملاء في المخيم والجوار. فقد كان على علاقة معهم ويعرف يعضهم خير المعرفة.. ويوم أراد أن ينضم لهم رفضوا أن يلتحق بهم، لأنه معروف بوطنيته ومكشوف للعملاء، وأيضاً لأنه كان متزوجاً ولديه أطفال. فهناك في انضمامه خطر على حياته وعلى مصير عائلته وأطفاله. لكن الخطر لاحقه والعملاء من مجموعة العميل “عكر” قاموا باغتياله وتصفيته قرب خط السكة القديم، غرب الشارع التحتاني في المخيم وخلف مدرسة الكفاح سابقاً. اغتالوه بعد تعذيبه بوحشية وبعدما رفض مساعدتهم والإدلاء بمعلومات عن رفاقه أو العمل معهم.. فبعدما عجزوا عن اسقاطه سواء بالترغيب أم بالترهيب، قاموا بتصفيته بشكل همجي ووحشي، فسقط شهيداً … نعته جبهة التحرير الفلسطينية وعاهدته على مواصلة مشوار المقاومة. بعد اعلان استشهاده. أقسم رفاقه في “حتماً سنلتقي” أن ينتقموا له ويلقنون العملاء درساً لا ينسوه. فشنوا عمليات ضدهم وقاموا بتصفية بعض الذين عذبوه واغتالوه.
في نهاية فترة اعتقاله في معسكر أنصار بعد الغزو سنة 1982 وخلال الحديث عن عملية تبادل الأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، كان يتم تخيير الأسرى والمعتقلين من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، بين المغادرة الى الجزائر أو العودة الى مخيماتهم في لبنان. صادف أن كان كل من أبي الرووس وإخوته مع أخي جمال في نفس القسم من المعتقل في أنصار. في ذلك اليوم كان الرفيق يوسف سعيد مسعد- أبو الرووس، متردداً هو وإخوته في تحديد مكان الرحيل بين الجزائر أو العودة الى المخيم. في لحظة صفاء سأل أبو الرووس رفيقه “جمال” عن مكان مغادرته. فكان رد الأخير الى المخيم.. الى عين الحلوة. في تلك اللحظة قال أبو الرووس لإخوته، رفيقنا جمال سيغادر الى المخيم ونحن كذلك الى عين الحلوة.. وهكذا غادروا جميعهم معتقل أنصار عائدين الى المخيم. ليبدئوا فوراً مع رفاقهم في تشكيل خلايا مجموعة “حتماً سنلتقي” الجناح السري العسكري لجبهة التحرير الفلسطينية تحت الاحتلال، في اليوم الثالث للخروج من المعتقل كانت أول عملية استهدفت العملاء نفذتها مجموعة قوات شهداء عين الحلوة – حتماً سنلتقي-… وهي التي قامت مع مجموعات فدائية أخرى مثل “محكمة الشعب” و جناح سري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الشهيدين أحمد خضر المقدح وزاهر السعدي وكان هناك مجموعة “الراية مرفوعة” بقيادة الشهيد أبو العبد المجذوب وربما ايضا الشهيد وفيق منصور وغيرهم من الفدائيين. كما كان هناك مجموعات أخرى لا أملك معلومات عنها. كل تلك المجموعات عملت في ملاحقة وتصفية العملاء وشن عمليات على الاحتلال الصهيوني في المخيم وجواره.
قبل سنتين كنت في زيارة عائلية الى مخيم عين الحلوة في لبنان. أوقفت سيارة أجرة متوجهة الى مدينة صيدا، كانت هناك عمليات تفتيش دقيقة للسيارات على حاجز الجيش اللبناني على مدخل المخيم، قرب المستشفى الحكومي. وأمامنا الكثير من السيارات. كنت وحدي مع السائق الشاب. تمعنت في وجهه فحضرني وجه الشهيد أبو الروس، كأنه هو، صبحان الخالق هذا الفتى يشبهه كثيراً.
سألته أنت من المخيم؟.
أجابني بالايجاب.
قلت له أنت من دار أبو الروس؟
ابتسم وسألني من تعرف منهم؟
قلت له كنت أعرف الشهيد يوسف أبو الروس وزوجته واخوته..
إبتسم وأجابني إنه والدي..
يا الله هذا الشاب ربما كان رضيعاً أو طفلاً صغيراً يوم زرتهم سنة 1981 وارتشفت القهوة مع الشهيد أبو الروس في منزله بالمخيم. أخبرته بكل حكايتي مع والده فرأيت الدمع في عينيه وشعرت بتجمع الدمع في عيني.
عاش أبو الرووس مناضلا فدائياً، منتمياً لشعبه ولقضيته ولجبهته ولثورته ولمخيمه.. واستشهد رافضاً أن يخون شعبه وقضيته ورفاقه وثورته. له السلام ولروحه المجد والخلود وعلينا الوفاء ومواصلة درب النضال والكفاح والفداء.
نضال حمد – في 14-2-2021