اللاجئون الفلسطينيون وقانون العمل اللبناني – نضال حمد
بعض الناس عندما ينزعجون مما يجري للفلسطينيين في لبنان يقولون لك: أين السيد حسن نصرالله وأين حزب الله؟
لكن لكي نفهم موقف حزب الله، علينا فهم المعادلة الداخلية اللبنانية وخريطة التحالفات الدقيقة والمعقدة في لبنان الطائفي شئنا أم أبينا. فتركيبة لبنان بدأت طائفية وازدادت طائفية مع مرور الوقت. أما نحن لاجئي فلسطين هناك أصبحنا من حيث ندري أو لا ندري جزءا من تلك المعادلة اللبنانية، التي كل طرف يستثمرها وفق مصالحه. هذا مع كل الاحترام والتقدير، ومع حفظ المواقف الوطنية والإنسانية والقومية للكثير من إخوتنا اللبنانيين، الذين قدموا الغالي والنفيس لأجل فلسطين ولازالوا يقدمون.
حزب الله موقفه ليس مع القانون الذي أصدره وزير العمل القواتي – من جماعة سمير جعجع – لقد سمعته من الشيخ نعيم قاسم قبل أيام في الميادين.
حيث قال لن نسمح بمحاربة الفلسطيني بلقمة عيشه وكرامته.
أما السيد حسن نصرالله فقد تكلم يوم الجمعة الموافق 26-7-2019 ولم استمع لخطابه، لكنني قرأته منشورا في جريدة الأخبار اللبنانية، حيث جاء فيه التالي: (دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى معالجة موضوع العمالة الفلسطينية في لبنان بعيداً عن المزايدات، ومقاربة الموضوع ببُعديه الاستراتيجي والسياسي لأن ذلك لا علاقة له بالتوطين. وأشار إلى الاتهامات التي وُجهت الى حزب الله بتحريض اللاجئين الفلسطينيين للاحتجاج على قرار وزير العمل اللبناني، معتبراً أن هذه الاتهامات «مؤسفة فعلاً». وأوضح أن هناك فارقاً كبيراً بين العامل الفلسطيني والعامل الأجنبي لأنه ليس لدى الفلسطيني بلد للعودة إليه. وأضاف «يجب معالجة موضوع العمالة الفلسطينية بهدوء وبشكل إنساني وموضوعي وندعو الى وقف المزايدات»).
كلام السيد حسن واضح جداً لمن يريد فهمه ولن يكون واضحاً لمن لا يريد فهمه ولا فهم موقف حزب الله. فالسيد حسن لم يدخل في شرح المصطلحات التي استخدمها في حديثه. لكن بما أنه تطرق للبعدين الاستراتيجي والسياسي، ولقضية التوطين شماعة أعداء الفلسطينيين، فهو دخل في صلب الموضوع. البعض كان يريد من السيد أن يسترسل في شرح الموضوع مثلا أن يقول للجمهور اللبناني أن الفلسطيني المقيم في لبنان يصرف أمواله في لبنان. وهذا يدخل برأيي ضمن ما قاله السيد أن الفلسطيني في لبنان ليس لديه بلد يعود اليه. يعني هو مقيم هنا ويصرف أمواله هنا وأضف إليها الأموال التي تأتيه أو تحول له من الخارج وهي ليست بالقليلة ولبنان الرسمي يعرف ذلك تماماً وبالأرقام.
حركة أمل والأحزاب القومية واليسارية والوطنية وبعض الشخصيات العروبية، والبرلمانيين ورؤساء أحزاب وبلديات وجمعيات ومؤسسات، كذلك شخصيات دينية أعلنوا وقوفهم ضد القرار ومع تمييز أو إستثناء الفلسطينيين منه.
لا أعرف بالضبط ما هو موقف تيار المستقبل والحريري لكن رئيس بلدية صيدا محمد السعودي المحسوب على الحريري قال كلاماً راقياً وقوياً ضد القانون مما جعل أحد قادة التيار الوطني الحر يهاجمه بشدة. عملاً على ما يبدو بموقف التيار الوطني الحر، المعادي لحقوق الفلسطينيين في لبنان إسوة بالمقبور بشير الجميل.
فحزب الوزير جبران باسيل أيد علانية وبصراحة القانون، ودافع عن توجهات وقرار وزير العمل التابع لجبهة سمير جعجع. وهو أصلا لم يخفٍ في يوم الأيام رفضه لوجود الفلسطينيين في لبنان، وربما كما اسحق رابين الذي كان يتمنى أن يبتلع البحر قطاع غزة، هو أيضاً يتنمى اليوم قبل الغد أن يبتلعنا البحر.
على كل حال جماعة عودة عملاء (إسرائيل) الذي خرجوا طواعية مع الجيش الصهيوني المهزوم في الجنوب اللبناني. ونقصد هنا الانعزاليين في لبنان، الموغلين في دماء الفلسطينيين وفقراء لبنان، كلهم مع القرار وضد الفلسطينيين. ولا يشبههم في العداء للفلسطينيين سوى الجنود الصهاينة والمستوطنين.
رب ضارة نافعة فمواقفهم تلك وقانونهم الجائر وحد الفلسطينيين في لبنان، وأعاد لمخيماتهم التألق والتماسك والوحدة، تلك التي غابت عنهم لأكثر من ثلاثين سنة.
يبدو لي أيضاً أن القرار القواتي – المدعوم من التيار الوطني الحر، يستهدف الضغط على الحزب وأمل وتيار المقاومة، في موضوع السماح بعودة العملاء الى لبنان، لينضموا الى مجموعة العملاء الموجودة أصلا في بلاد الأرز. فهؤلاء الذين لم يعتذروا لشعبهم، لغاية اليوم عن تحالفاتهم مع العدو الصهيوني، يعتقدون أن بمقدور أي عميل ومجرم، عمل مع الاحتلال الصهيوني، وسفك دماء الشعبين اللبناني والفلسطيني يمكنه العودة الى لبنان بأمان وسلام. يعني يساوون بين المقاومين والعملاء، بين المقاومة والتعامل مع الاحتلال، بين الضحية والجلاد. وربما يعتبرون العمالة في حينها نوعاً من المقاومة لأجل سلخ لبنان عن عروبته. فمن يعتبر بشير الجميل شهيداً يمكنه اعتبار كل عميل وطنياً ومقاوماً وشهيداً.
يجب أن نأخذ بالاعتبار أن هذا الموضوع بالنسبة للقانون ومعاملة الفلسطينيين دقيق جداً جداً في المعادلة اللبنانية الهشة، لأنه قد يعيد لبنان الى الانقسام السياسي والطائفي. ولبنان حقيقة منذ أن صنعته سايكس بيكو واقتطفته من سوريا هو بلد طائفي ومنقسم على نفسه، أساسه هش وهش جداً .. يعني أي هزة يمكنها هزه كله من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال.
أما حزب الله يا من تعتبون عليه لا يحكم لبنان حتى تطلبون منه ومن السيد حسن ما تطلبونه. فلو كان حزب الله كذلك، وكما تصوره الآلة الإعلامية المعادية لحلف المقاومة، لما اضطر للتحالف مع أحد. فلا تركبوا الموجة الامريكية الصهيونية المعادية من حيث تدرون أو لا تدرون. ترديد ذلك يخدم الدعاية المعادية والمضادة، التي تهدف لإحداث شرخ ونزاعات بين الشعوب العربية وبالذات بين الفلسطينيين واللبنانيين. وهذا ما حرصت جماهيرنا في المخيمات الابتعاد عنه والتظاهر والاحتجاج بشكل حضاري.
نعم أخطأ حزب الله وأخطأت حركة أمل والقوى الوطنية والقومية والفصائل الفلسطينية بقبولهم بناء الجدار العازل في مخيم عين الحلوة، فهذه وصمة عار ستبقى تقبح جبين الجميع، مهما بحثوا لها عن أعذار. مثل أن الجماعات الإرهابية والتكفيرية في عين الحلوة لم تبقِ لنا خيارا آخر. هذا كلام فارغ بالرغم من أن تلك الجماعات في وقت سابق شكلت خطرا على المخيم والجوار.
بعض الناس يلومون أيضا فضائية الميادين، التي في البداية قامت بتغطية واسعة للأحداث في المخيمات، ومن ثم توقفت.. مما استفز متابعيها بالتأكيد. برأيي يبدو أنها أيضا توقفت تحت تأثير المستثمرين والممولين وسياستهم ومراعاة للوضع الداخلي اللبناني، وللمعادلة التي أسلفنا ذكرها. لكن يجب أن نعرف أنه حتى لو فرض الحصار والتعتيم على تحركات المخيمات، فالوسائل الالكترونية والتواصل اجتماعية كفيلة بنقل الحدث لكل الدنيا، وجيش الشباب والصبايا في المخيمات كفيل بالتغطية المستمرة.
في الختام أقول: لا توجد وسائل اعلام مستقلة في العالم العربي ويبدو أنه لم تعد هناك أحزاب وقوى سياسية تمتع بالاستقلالية.
نضال حمد في 27-7-2019
https://www.facebook.com/asdikaa.nidalhamad/videos/2419043208163446/?t=5