جمعة الناجي ناضل بالسلاح وبالقلم – نضال حمد
الأخ والرفيق والصديق أبو الناجي، ذاك الفدائي العتيق مثل حارات وأزقة القدس وبيت لحم ونابلس والخليل. الفدائي الذي ظل فدائياً نقياً طاهراً وعلماً حتى اختطفه الموت في الثامن من آذار – مارس قبل 3 سنوات. غاب جمعة الناجي البشوش، المبتسم، المتفائل، النابض بالأمل، العاشق لفلسطين، المنتمي لعروبته، المناضل ببعد أممي وبثقافة مقاوم مشتبك. ربما عادت روحه الى العباسية بلدته الواقعة في قضاء يافا المحتلة. غاب جسده لكنه بقي مع إخوته ورفاقه وأحبته حاضراً كما كان كل صباح وكل مساء بدايةً في أريحا ثم في عمان وبيروت ودمشق وتونس الخضراء وأخيراً حيث كانت النهاية في القاهرة.
جمعة أبو الناجي، المناضل العريق والمقاوم الذي امتشق السلاح وسار مع الثورة منذ بداياتها الأولى.. ومع فتح وعاصفتها منذ انطلاقتها، فكان كادراً متقدماً وقائداً متواضعاً سواء في الميادين وعلى الجبهات أو عندما عمل سفيراً لمنظمة التحرير الفلسطينية في افغانستان.
هذا البطل الفلسطيني الوحدوي، المتمسك حتى النهاية بالثوابت كان من أبرز فدائيي ومقاتلي وكوادر وقادة فتح. رفض الأوسلة والذهاب مع الذين تأوسلوا الى فلسطين المحتلة. عاش بعد الخروج من بيروت سنة 1982 في تونس متنقلا بينها وبين مصر حيث كانت تقيم عائلته.
رفض جمعة الناجي أن يتحول من فدائي قضى عمره في النضال والكفاح الى مقاول أو وقائي يعمل في حراسة العدو والاحتلال والاستيطان. حافظ على شرف الانتماء وقداسة الولاء في زمن عز فيه الرجال في حركةٍ كانت تعج بالرجال الجبال.. في منظمةٍ كانت مثل الميناء تجمع كل سفن فلسطين وامتداداتها العربية والأممية… فكيف يقبل بالسقوط والمهانة والمذلة وهو الذي آمن بشعار هيهات منا الذلة، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة كما تعلم من الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر.
كان جمعة الناجي من أوائل الفدائيين الذين آمنوا بالبندقية المقاتلة وبالكفاح الشعبي المسلح وبالعمل الفدائي المقاوم وبالعمليات الفدائية، وكان من أوائل فدائيي العاصفة الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال الصهيوني في قلب فلسطين المحتلة. تشهد له التجربة الفدائية والكفاحية الغنية، وتشهد له البندقية المقاتلة ولهجة العنف الثوري المنطلقة من فاهه كما لو أنها تنطلق من فوهات البنادق ولغة التحرير الكامل المنبعثة من الخيام والمخيمات.. كما ويشهد له مناضلو وأوفياء وشرفاء شعبنا.
في تأبين الراحل جمعة الناجي تحدث صديقه الروائي والأديب الفلسطيني الكبير رشاد أبو شاور عن العلاقة التي جمعتهما نضالاً ومواقف وانتماء لكامل تراب فلسطين. تلك العلاقة التي إمتدت لقرابة خمسة عقود نضالية كاملة، توزعت على جغرافيا الأمة العربية.. قال رشاد: “كان الراحل مثقفاً، صلباً، وميدانياً وصاحب مبدأ، وكان يسير على طريق فلسطين بوضوح تام، وقد تصدى لكل الحجج والمبررات التي دعت إلى التقاعس وترك خندق الثورة. لم يرتبك ولم يبدل قناعاته عندما هبت رياح التسوية، وظل ثابتا على عهد فلسطين… جسّد الراحل بسالة المثقف الجمهوري والميداني، وظل منافحا عن عروبة القضية الفلسطينية”.
تعرفت الى الصديق أبو الناجي قبل أن التقي به وجهاً لوجه في تونس بداية الألفية الثانية. فقد كان متابعاً لكتاباتي ولموقعي الصفصاف، ربما أن هذا الموقع عبر كثيراً ولازال يعبر عن مواقف حقيقية للفتحاويين لسبب أو لآخر لا يستطيعون اشهارها.. عن مواقف العاصفاويين الحقيقيين، الفدائيين الأوائل والمناضلين المتمسكين بالثوابت، الذي عملوا وصدقوا وضحوا بكل شيء لأجل تحرير فلسطين. والذين رفضوا ويرفضون التسوية الاستسلامية والسقوط المذل لقياداتهم سواء الفتحاوية أو في منظمة التحرير الفلسطينية. صحيح أن كثيرين من كوادر فتح لم يتمكنوا من الذهاب بمواقفهم أكثر من اعلان الرفض. لكن الراحل جمعة الناجي كان واضحاً في موقفه ورفضه ودافع عن قناعته وموقفه. الرفيق أبو الناجي كان يرسل في بعض الأوقات مشاركاته للنشر في موقع الصفصاف. كما كان كاتباً ومثقفاً وطنياً تعرفه الصحافة والأحزاب والقوى السياسية والنقابية والحزبية في تونس، حيث عاش وعمل منذ الرحيل عن بيروت بعد حصارها سنة 1982.
في تونس تعارفنا والتقينا وجهاً لوجه برعاية الرفيقين أبو ابراهيم “ياسين معتوق” وأبو ابراهيم “عبد القادر السيد“، رفيقا التجربة الثورية والكفاحية في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية ومع قائدها الرحل طلعت يعقوب، الذي هو صديق حميم لجمعة الناجي منذ ولدا في العباسية قرب يافا قبل النكبة بأربع سنوات، ومنذ عاشا النكبة وكانا معاً في مخيم “عقبة جبر” قرب اريحا في فلسطين المحتلة. وللتاريخ يجب القول أن جمعة الناجي كان يكن احتراماً كبيراً للرفيق أبو يعقوب. ذا ما عرفته خلال لقاؤنا الأول في تونس ومن بعد في لقاءات أخرى. إذ بعد اللقاء الأول توالت اللقاءات في سنوات لاحقة واستمرت الاتصالات الى أن فجعنا بخبر وفاته.
جمعة الناجي كان يحترم رفاقه وإخوته وبنفس الوقت كان لا يقبل الغلط ولا يوافق عليه. كما لم يكن يقبل بالتسحيج والاستزلام والتشبيح. كان فدائيا جمعته بالآخرين قضية فلسطين وهي كانت له الميزان في العلاقات وكل الحياة.
قرأت في وسائل الاعلام كلمات معبرة وجميلة للقاص ناجي الناجي (نجل الراحل جمعة الناجي)، تحدث فيها عن والده بوصفه أباً وصديقاً ورمزاً للأمل ..: “تعلمنا من جمعه الناجي كيف نكون جسورين حتى اللحظة الأخيرة. بوصلته كانت دائماً تشير إلى فلسطين، وكان استثنائياً بالتزامه بالقضية ومحبة الناس”..
جمعة الناجي بدأ حياته فدائياً سنة 1966 يعني أنه كان من طلائع العمل الفدائي ومن نواة فتح والثورة الفلسطينية المعاصرة، التي اغتيلت في أوسلو سنة 1993. ظل متمسكاً بالمنطلقات الأساسية لفتح وللعاصفة وللثورة، كفاح، مقاومة، عودة وتحرير.. ورفض للمشاريع الاستسلامية والتفريط بالقضية. عبر عن ذلك في أحاديثه ولقاءاته وخطبه وكلماته ومقالاته وكتاباته.
لطالما رددت وقلت: يا لهذه الفتح العظيمة عندما انحرفت قيادتها لم نرى فيها إلا قليلين رفعوا أصواتهم معارضين سواء في القيادة الأولى أو بين الكوادر. من هؤلاء وفي طليعتهم كان جمعة الناجي، فقد كان واحداً من هؤلاء الرافضين للانحراف الذي في النهاية قاد أصحابه الى الخيانة.. لقد مات أبو الناجي وهو في قرارة نفسه مقتنع ويعرف أن ما حصل منذ اوسلو وحتى وفاته كان خيانة، بالرغم من أنه لم يسمه كذلك.
الراحل أبو الناجي شغل مواقع نضالية عديدة منها سفير فلسطين في افغانستان. ثم مديراً لدائرة آسيا وإفريقيا في منظمة التحرير الفلسطينية. كما أنه عمل في الدائرة السياسية للمنظمة في تونس مع الأخ فاروق القدومي – أبو اللطف- حتى اغلاقها بالشمع الأحمر من قبل السلطة الفلسطينية و رئيسها في رام الله المحتلة.
توقف قلب جمعة الناجي عن 74 عاماً في الثامن من آذار – مارس 2018 في القاهرة. حيث كان يتلقى العلاج في آخر أيام حياته… وحيث كان بالقرب من عائلته. توقف قلبه في يوم المرأة العالمي فأنطوت بموته صفحة حياة مشرفة ومشرقة للمناضل الوطني الكبير “جمعة ناجي محمد اسماعيل – أبو الناجي –”، أحد أبرز كوادر فتح ومنظمة التحرير والثورة الفلسطينية.
الصديق جمعة الناجي من مواليد بلدة العباسية قضاء يافا تماما كما صديق عمره وطفولته وشبابه، الرفيق القائد الشهيد طلعت يعقوب أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية. فكلاهما من مواليد نفس السنة وفي نفس البلدة. توفي أبو يعقوب يوم 17-11-1988 في الجزائر ودفن في دمشق، وتوفي أبو الناجي يوم 8-3-2018 في القاهرة ودفن هناك… ونحن نعاهدهما أن نعيدهما الى العباسية في فلسطين المحررة.
12-3-2021
جمعة الناجي ناضل بالسلاح وبالقلم – بقلم نضال حمد