صقر تونس وفلسطين صالح الغرسلاوي .. وداعا رفيقي – نضال حمد
الشخص الذي يظهر في الصورة هو الرفيق الفدائي العربي التونسي الصقر الكادح
هكذا اختار لنفسه اسما حركياً يتماشى مع المرحلة، مرحلة العنف الثوري والكفاح المسلح ووراء العدو في كل مكان.
فقط فجر اليوم ومن على صفحة الأسيرة المحررة، المناضلة الكبيرة ميسرة عطياني، عرفت أنه مضى .. شاهدت صورته فأربكتني لأنني طالما بحثت عنه ولم أعثر عليه. من ميسرة علمت أن اسمه الحقيقي صالح الغرسلاوي وأنه توفي في تونس يوم الثامن من الشهر الجاري ..
نهاية سبعينيات القرن الفائت كنا معاً في الجنوب اللبناني، حيث كانت الشمس ولازالت تشرق من الجنوب.
عشنا معا شهور عديدة في مواقع المواجهة مع العدو الصهيوني وجيش سعد حداد العميل، الذي أصبح فيما بعد يعرف بجيش العميل انطوان لحد. في ذلك الوقت كانت قواعد الفدائيين الفلسطينيين تعج بالفدائيين العرب وبالذات من سوريا والعراق ولبنان وتونس والمغرب، حتى أنه كان هناك فدائي واحد من الامارات العربية المتحدة.
التحقوا بالثورة الفلسطينية ايامنا منهم بعروبة فلسطين، وبأن المعركة مع الصهاينة هي معركة الأمة العرية وليست فقط معركة شعب فلسطين. وايمانا منهم بأن المعركة لتحرير فلسطين يجب أن تمر بتحرير أوطانهم من الطغم الحاكمة والمرتهنة للاستعمار الغربي ولأموال السعودية.
في المواقع التي عرفناها وعشناها في جنوب الجنوب ودعنا رفاق شهداء فلسطينيين وآخرين عرب، جمعتهم فلسطين وراية بعض يسارها الثوري، الذي كان ثورياً بامتياز. لم يِضِعوا ولم يَبِعوا ولم ينحنوا ولم يسقطوا ولم يساوموا. كانوا قامات وهامات عالية شامخة طاولت السماء. يسقط الشهيد فيقبض على رايته شهيد آخر وتستمر المعركة. الثورة تستمر والايمان يزداد ترسخاً.
كانت تلك المواقع أكبر وأجمل وأمتن وأصدق من هيئة الأمم المتحدة ومن الجامعة العربية ومن مجموعة الدول الاسلامية ومن كل المؤسسات والهيئات الدولية، لأنها كانت تجمع كل ثوريي وأحرار وشرفاء العالم عرب وأجانب. كانت تجمع الفلسطيني والعربي والكردي والايراني والارتيري والجنوب افريقي والبنغدلاشي والباكستاني والاوروبي والأمريكي اللاتيني وغيرهم من أمم العالم. كان شعار الجميع، النضال الأممي الواحد لأجل الحرية والعدالة والمساواة والاستقلال ورفض التبعية والظلم والقمع والاحتلال. فالثورة الفلسطينية في زمان بيروت والجنوب اللبناني كانت كما الميناء الكبير تجمع كل السفن الثورية.
بعد الخروج الفلسطيني من بيروت عقب حصارها سنة 1982 تشتت الشمل وسافرت الثورة وسافر معها كل هؤلاء تقريباً. ومنذ ذلك الوقت لم يبقى لي من زمن الجنوب سوى الذكريات والمحطات المضيئة وأسماء حركية لرفاق كثيرين لم أكن أعرف اسماءهم الحقيقية. ولازلت أجهل أسماء غالبيتهم، خاصة لأحياء منهم. أما الشهداء منهم فقد عرفت أسماءهم الحقيقية يوم استشهدوا ويوم وضعت أسماءهم على ملصقاتهم.
فجر اليوم عرفت الاسم الحقيقي للصقر التونسي الكادح، “صالح الغرسلاوي”. كما كنت عرفت اسم جيفارا العراقي ابن مدينة العمارة يوم استشهاده سنة 1979. واسم أحمد أمين قائد الفدائيين في القطاع الأوسط أيضاً يوم استشهاده. واسم أبو الرائد الأشقر القائد الميداني الفدائي السوري يوم استشهاده. لكنني كنت أعرف الأسماء الحقيقية والحركية لبعض الرفاق من الشهداء الفلسطينيين، الفدائيين الثوريين الميدانيين، رافق تلك المرحلة من زمن الفداء والعطاء، مثل القائد الهمام ماهر اليماني والقائد الميداني زاهر السعدي – هاني الشبل – لأن زاهر كان صديقي وابن مخيمي عين الحلوة وزميلي على مقاعد الدراسة في مدرسة المخيم. والشهداء عبد حمد وعبد الرحمن حمد وعامر خليل وكلهم اقربائي ورفاق عمري وطفولتي وحارتي ومدرستي ومخيمي.
هذه الصورة (للصقر الكادح – صالح الغرسلاوي) التقطتها سنة 1979 في أحد المواقع في الجنوب اللبناني. والعود الذي يحمله الصقر هو عود الفنان الفدائي التونسي محمد علي. الذي طالما أنشد وأنشدنا معه أجمل الأغاني والأناشيد الثورية.
زرت تونس عدة مرات في عهدي بورقيبة وبن علي القمعيين البوليسيين. لم أبحث عن أي من الرفاق التونسيين لأنني لم أكن أعلم ماذا حل بهم وهل عادوا الى تونس بعد الرحيل عن بيروت سنة 1982. كذلك خوفاً عليهم من المخبرين الذين كانوا ينتشرون في كل مكان من تونس الخضراء. آخر زيارة لي الى تونس كانت سنة 2007 ومنذ ذلك الوقت كنت أسأل نفسي دائما ما الذي حل بالرفاق. لكنني فيما بعد الربيع العربي عثرت على الفدائي الفنان محمد علي – صاحب العود الذي يحمله الصقر في الصورة – بالصدفة في الفيسبوك.
وداعا يا صقر تونس وفلسطين ونحن على العهد ولن نبدل تبديلا.
نضال حمد
12-10-2020