عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، 78 سنة والثورة مستمرة – نضال حمد
في ذكرى إعدام أبطال الثلاثاء الحمراء وثورة البراق المصادف اليوم 17-6-2021 أعيد نشر هذه المقالة التي كنت كتبتها بنفس المناسبة في سنة 2008 . تم اعدام الابطال في 17-6-1930
مرت قبل أيام قليلة ذكرى إعدام الأبطال الثلاثة محمد جمجوم، فؤاد حجازي وعطا الزير. حيث جرت وقائع الإعدام شنقاً على أيدي جلادي الانتداب البريطاني، مستعمري ومحتلي فلسطين، يوم 17 حزيران 1930. كما شهدت عملية الاعدام تسابق بين الأبطال الثلاثة على الصعود أولاً الى المنصة. كانوا على قناعة تامة بأن ثمن الحرية وطرد المحتلين البريطانيين وعصابات الصهاينة اليهود سوف يكون غالياً . وسوف تكون قيمته هي قمته في الشهادة، التي تليق بالتضحيات التي قدمها ويقدمها شعب فلسطين لأجل عروبة الأرض والانتماء والمكان. كل ذلك من أجل تطهير فلسطين من رجس الصهاينة ومن البريطانيين. فحكاية الشهداء الثلاثة ستبقى واحدة من أروع حكايات وأساطير الصمود والعطاء والنضال الفلسطيني المستمر منذ نحو مائة سنة.
في تلك الفترة الزمنية كانت فلسطين تغلي وتنتشر فيها رياح الثورة الشعبية على الانتداب الاستعماري أي الاحتلال البريطاني.تم اعتقال الأبطال الثلاثة بعد هبة البراق التي شهدتها القدس الشريف وعموم أراضي فلسطين.ففي تلك الأيام قام الشعب الفلسطيني بالزحف من كل المدن والقرى للدفاع عن مقدساته في القدس، حيث كانت عصابات اليهود الصهاينة تظاهرت بمساعدة البريطانيين حتى وصلت منطقة المسجد الأقصى وأخذت تعزف نشيد الحركة الصهيونية المعروف بالهاتكفاه. كان ذلك في 14 / 15 آب 1929 في ذكرى ما يزعمون أنه تدمير هيكل سليمان. وصل هؤلاء الصهاينة الى حائط البراق الذي يسمى هذه الأيام حائط المبكى. قاموا بشتم العرب وبالذات المسلمين منهم الذين كانوا ينتظرون في اليوم التالي 16 آب – أغسطس 1929 حلول ذكرى المولد النبوي الشريف.
عقد المسلمون العزم وفاءا لدينهم وقيمهم وأرضهم ووطنهم ورسولهم ومقدساتهم أن يدافعوا في يوم المولد النبوي الشريف عن الأقصى والصخرة والحائط. فهبت جموعهم من الجليل والخليل وكل فلسطين لمنع اليهود الصهاينة من الاستيلاء عليه. لكن شرطة الانتداب البريطاني كانت لهم بالمرصاد حيث تصدت لهم وقمعتهم واعتقلت 26 شخصاً منهم حكمت عليهم بالاعدام فوراً. لكنها عادت وتراجعت عن قرارها فخففته الى السجن المؤبد بحق 23 شخصاً فيما أبقت حكم الاعدام ونفذته بحق الأبطال الثلاثة عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي.
البطل الشهيد فؤاد حجازي كان انساناً وطنياً مثقفاً ولد في مدينة صفد عروس الجليل الأعلى. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدرسة الاسكتلندية. ثم أنهى دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت. وكان من الرجال الفعالين في قيادة الثورة بمدينة صفد أثناء أحداث البُراق. وهو أصغر الأبطال الثلاثة. قال حجازي الذي صعد أولاً الى حبل المشنقة لزواره قبل تنفيذ حكم الاعدام : “إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئاً من كابوس الانكليز على الأمة العربية الكريمة فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا لكي يزول هذا الكابوس عنا تماماً “. كما ترك حجازي وصية مؤثرة وبليغة نشرتها جريدة اليرموك بعد استشهاده بيوم واحد وجاء فيها: “إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وإبتهاج، يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة. إن هذا اليوم يجب أن يكون يوماً تاريخياً تلقى فيه الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية” .
أما البطل محمد خليل جمجوم: فقد ولد في مدينة الخليل، هناك تلقى تعليمه المدرسي الابتدائي. حيث عاش الانتداب وبدايات الاحتلال منذ طفولته وعرف بمقاومته ورفضه للإحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني. لذا تقدم دائماً المظاهرات التي كانت تخرج محتجة على الانتداب البريطاني وعصابات اليهود الصهاينة وسرقتهم واغتصابهم لأراضي العرب الفلسطينيين. عرف عن البطل محمد جمجوم جرأته وشجاعته وإقدامه على نيل الشهادة لأجل وطنه وشعبه وأمته، ففي يوم الإعدام زاحم محمد جمجوم رفيقه عطا الزير ليأخذ دوره في الإعدام، فكان لهذا البطل الفلسطيني الكبير ما أراد.
يقول المؤرخون أن البطلين محمد جمجوم وفؤاد حجازي استقبلا قبل ساعة فقط من تنفيذ الحكم بهم بعض الزوار الذي أخذوا يعزونهم ويشجعونهم فكان رد محمد جمجوم : ” الحمد لله أننا الذين لا أهمية لنا نذهب فداء الوطن لا أولئك الرجال الذين يستفيد الوطن من جهودهم وخدماتهم” وطلب مع رفيقه فؤاد حجازي “الحنَّاء” ليخضبا أيديهما كعادة أهل الخليل في أعراسهم”.
الشهيد الشجاع والجسور عطا الزير ولد في الخليل، استطاع من خلال بعض التعليم فك الحرف و الإلمام بالقراءة والكتابة بشكل بسيط. فقد كان عاملاً كادحاً عمل في عدة مهن يدوية. كما اشتغل في مجال الزراعة حيث كان إبناً وفياً للأرض التي أنجبت بنفس الوقت رفيقيه فؤاد ومحمد.
يقال أن عطا الزير كان ذو بنية جسدية قوية، تمتع بالجرأة والأقدام والجسارة. وكان بنفس الوقت وطنيا ملتزماً بعروبته، لم يخشى في ذلك أحداً. شارك في الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الخليل ضد هجرة الصهاينة إلى فلسطين. فكان أول المتقدمين للدفاع عن مقدسات وأرض فلسطين في القدس والخليل وكل فلسطين.
إن الشعب العربي الفلسطيني الذي أنجب هؤلاء الثلاثة وقدمهم قرابين على مذبح الدفاع عن وحدة العرب أمة وأرض ووجود. لازال حتى يومنا هذا يقدم النماذج المضحية والمعطاءة لأجل الحرية والحياة والاستقلال، على درب الثورة المستمرة. إن شعباً أنجب هؤلاء ومازال ينجب أمثالهم لا بد منتصر.
عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، 78 سنة والثورة مستمرة – نضال حمد
20-06-2008
نضال حمد
* مدير موقع الصفصاف