فلسطين أهم من كل الفصائل الفلسطينية مجتمعة – نضال حمد
لا بد من الاعتراف أن شعبنا يعيش أياما صعبة وأنه بالرغم من وجود حالات كثيرة منيرة ومشعة ومضيئة تبعث على الأمل من الشهيد باسل الأعرج الى الشهيدة أشرقت قطناني وأحمد جرار وعرار ونعالوة وآخرين وأخريات، قدست فلسطين شهادتهم ونضالهم. بالرغم من كل هذه الحالات المنيرة إلا أننا نعاني من تراجع على كل المستويات، أهمها مستوى الوعي والاهتمام بالقضية من قبل فئة كبيرة من الفلسطينيين، مع أن هؤلاء هم أنفسهم الذين فجروا الانتفاضتين الفلسطينيتين المباركتين. وكانوا دائما وقود الثورة والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.
لقد فعلت الأوسلة والسلطة والحياة مفاوضات بالجيل الفلسطيني الجديد فعلها الاجرامي، الذي لا يغتفر. فمنذ عادوا الى فلسطين المحتلة ليجتمعوا هناك مع أقرانهم بعد توقيع اتفاقية اوسلو الاستسلامية، أخذوا يترجمون توقيعهم على أرض الواقع، فصارت مدارسهم تعلم التلاميذ والطلبة الفلسطينيين أن فلسطين التاريخية هي (اسرائيل) وأن فلسطين الأوسلوية هي المناطق التي شكليا تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ذات الحكم الذاتي الأكثر من محدود.
لقد زرعت الأوسلة السلطوية في عقول التلامذة الفلسطينيين جغرافيا صهيونية لفلسطين المحتلة. وزرعت في عقول بعضهم وأقول بعضهم لأنها لم تتمكن من زراعة ذلك في كل العقول.
كيف أصبح نضال الشعب الفلسطيني ينحصر في تحقيق اتفاقية اوسلو التي ابتلعت فلسطين ولازالت تبتلع ما تبقى منها؟. وكيف أصبح الكفاح بكل الوسائل المشروعة بما فيها الكفاح المسلح أمر غير مشروع في أعراف المستسلمين الفلسطينيين. وأن الكفاح المسلح في مواجهة الارهاب الصهيوني وهمجية المستوطنين والجنود الصهاينة المدججين بالسلاح أمر مرفوض ويعاقب عليه أي فلسطيني يؤمن به أو يقوم بترجمته عمليا ضد الاحتلال والاستيطان.
أم جرائم السلطة تكمن في التنسيق الأمني يعني بمعنى آخر خيانة شعب فلسطين ومحاربة ثواره ومقاوميه، فإن عجز الصهاينة عن اعتقال أو اغتيال المقاومين الفلسطينيين تقوم أجهوة السلطة الأمنية عبر التنسيق الأمني بفعل ذلك نيابة عن الاحتلال. على كل حال السلطة وجدت لهذه الغاية فقط لا غير. فهي تتلقى أجراً مقابل جرائمها وخيانتها. ويتنافس المسؤولين فيها على تقديم الخدمات مقابل المال والامتيازات.
يحدث هذا كله في ظل تراجع الوعي الوطني وشبه انعدام للحس الوطني لدى فئة هامة من الشعب الفلسطيني. وهنا تكمن الجريمة البشعة التي شارك الأوسلويون من الفلسطينيين في تحقيقها وتحويلها الى حقيقة، أرادت الصهيونية ومعها الذين يعارضون ويعادوون حقوق الشعب الفلسطيني حرف الحاضنة الجماهيرية وابعادها عن المنظمة والسلطة والفصائل. وللأسف حققوا الكثير من ذلك خلال ربع قرن من استسلام اوسلو وهزيمة المشروع الوطني الفلسطيني بأيدي العملاء والخونة والمهزومين والمستسلمين من الفلسطينيين. وبفضل المواقف المنافقة أو العاجزة للفصائل الفلسطينية التي هادنت المستسلمين وفي بعض الأحيان شاركتهم الجريمة.
فالفصائل الفلسطينية التي فقدت حاضنتها الشعبية بسبب ضعفها وعدم وضوح مواقفها ومهادنتها للقيادة المستسلمة، وتمسكها بوهم اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، المغتصبة والمستعمرة من قبل جماعة اوسلو، الذين تخلوا عن أهم أسس إنشاء المنظمة وميثاقها القومي والوطني ارضاءا للصهاينة وللادارة الأمريكية. وبعضها كانت مساهمة في شطب الميثاق و الترويج لقيادة خرجت عن الصف الوطني وأمتهنت الخيانة. لن يصلح حال تلك الفصائل إلا إذا أيقن مناصروها ومحازبوها أن فلسطين أهم من فصائلهم بكثير وأن تلك الفصائل ولدت لأجل تحرير فلسطين وأنها إن تخلت عن أهداف التحرير تكون انتحرت.
أردوا للجيل الجديد في فلسطين المحتلة أن يتعلم تاريخ وجغرافيا فلسطين كما أعده الصهاينة والأمريكان. بمعنى آخر كما يراه عباس وزمرته من السحيجة والمنتفعين والمهزومين والمستسلمين. الذين تبنوا الرواية الاستسلامية، ففلسطين بحسب نتنياهو والسلام مقابل السلام هي بضع جزر مقطعة الأوصال تتوزع على بعض الأراضي (كانتونات) مغلقة ومعزولة ومحاصرة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. و”القائد الضرورة الثابت على الثوابت” بحسب أتباعه والمتفعين منه، و”المنتصر” دائما بحسب زعمهم في المواجهات مع الذين لا يعيرونه اية اهتمام لأنهم يعرفون أنه ليس أكثر من موظف لديهم برتبة رئيس سلطة، ينفذ ما يريدونه. وإن رفض يمكنهم استبداله بمسخ آخر جاهز وحاضر دائما عند الطلب، وما أكثر أمثال هؤلاء في سلطة اوسلوستان.
منذ نشأتها عملت السلطة الفلسطينية على تشجيع التطبيع العربي والاسلامي والعالمي مع الصهاينة. أملا منها في الحصول على دعم مالي أكبر من رعاتها الاقليميين والدوليين. وظنا منها أنها بهذا تقدم خدمة للصهاينة الذين لا يعترفون بالخدمات بل بالوقائع على أرض الواقع. كما عارضت السلطة الفلسطينية مقاطعة الكيان الصهيوني وكانت دائما ولازالت ضد حركات المقاطعة، التي تمارس دورها في دعم الشعب الفلسطيني بتلك الطريقة. فنحن على يقين ونعلم بأن حركة المقاطعة لن تحرر فلسطين لكنها بالتأكيد عامل مساعد في محاصرة المحتلين الصهاينة وتعريتهم، على طريق العودة والتحرير.
كيف ساهمت السلطة الفلسطينية في تشويه الوعي الفلسطيني؟
كيف دمرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية المشروع الوطني الفلسطيني؟
كيف أصبحت العمالة أمر ضروري لبقاء السلطة؟
كيف أصبحت الخيانة أمر طبيعي في ظل السلطة الفلسطينية؟
كيف حولوا المناضلين الى منتفعين ومنسقين أمنيين ومنحرفين وحتى عملاء وخونة؟
كيف عملوا على شيطنة المقاومين والمناضلين الذين لازالوا يؤمنون بفلسطين كل فلسطين؟
كيف تمت أوسلة الفصائل الفلسطينية التي تقول أنها ضد اوسلو واخواتها؟
كيف اغتالوا حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية؟
كيف استمروا دون عقاب ومحاسبة حتى يومنا هذا؟
كيف يتخلص شعبنا منهم؟
كل هذه الأسئلة بحاجة لأجوبة وبرنامج عمل لمواجهة الواقع المزوي والصعب. وكل هذا يقع على عاتق شعبنا ونواته الثورية التي أصبحت أكثر من اي وقت مطالبة بالتحرك الجاد لاعادة وهج القضية ولاستعادة الحاضنة الشعبية صيانة للقضية الفلسطينية ومن أجل ضمانة استمراها وانتصارها. لا يعقل أن نبقى متفرجين على سيرك الخيانة والعمالة والتفريط بمقدسات وثوابت قضية فلسطين. لأن فلسطين أهم من منظمة التحرير الفلسطينية ومن كل الفصائل والجماعات والأحزاب والجبهات والحركات الفلسطينية مجتمعة.
نضال حمد
28-11-2020
فلسطين أهم من كل الفصائل الفلسطينية مجتمعة – نضال حمد