مات ماهر حمد وهو يصلي الفجر 1964-1999– نضال حمد

مات صديقي وقريبي ماهر محمد علي حمد وهو يصلي الفجر ومعه مات الهدوء وماتت الأخلاق والطمأنينة، الأيام الجميلة والطفولة البريئة. بقيت وحدها الذكريات تحثني اليوم على استحضارها. ها أنا أستحضرها مع ماهر الهادئ، الوسيم، الجميل، الخلوق ومع سيرته القصيرة.

في المخيم ولدنا وكنا صغيران وكانت علاقة القرابة هي العنصر الأقوى في اجتماعنا كصديقين وكان ماهر من الأطفال والفتية الهادئين، الوسيمين، الخلوقين والمهذبين. فيما بعد غزو لبنان صيف سنة 1982 فرقت بيننا الحياة الجديدة والعالم الجديد، البعيد. فسافرت أنا مثقلاً بجراحي ومُقعَداً على كرسي متحرك لتلقي العلاج خارج لبنان.. ولم أعد من سفري إلا بعد سنين. لأجد ماهراً انساناً آخراً غير الذي تركته في ذلك الوقت. وجدته تبدل كثيراً، حيث إلتزم دينياً وأرخى لحيته وحيث صار يتحدث بمنطق مختلف عن المنطق الذي ساد المخيمات في زمني أو في زمان ما قبل بروز الجماعات الاسلامية وتوسعها في أوساط الشباب بالمخيم. كل ذلك حدث بعد غزو لبنان صيف سنة 1982. وخلال 15 سنة من ذلك العام الذي جلب معه بداية نهاية ما كان سائداً في المخيمات الفلسطينية قبله.

ربما كان للشيخ هشام شريدي أبن عمته وأبن خالتي أنا أيضا، الشاب المتحمس والمندفع في ذلك الوقت، الذي أصبح شيخاً فيما بعد، وأسس ما يعرف الآن بعصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة تأثيراً عليه وعلى آخرين من عائلتنا وبلدتنا الصفصاف ومن مخيمي عين الحلوة والمية ومية بشكل خاص. كما أن ماهر تأثر بنتائج الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982 مثله مثل غالبية الشباب في المخيمات. مع أنه لم يكن منظماً في أي فصيل سياسي لكنه كان نصيراً لجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الامين العام الشهيد طلعت يعقوب. فرار جنرالات المصادفة في ذلك الوقت و”ألوية اوسلوستان في هذه الأيام”، من أرض المعركة في لبنان، ترك أثراً كبيراً في نفسه ونفوس الناس بشكل عام. وربما كان سبباً من اسباب الانتفاضة داخل حركة فتح فيما بعد الانسحاب من بيروت.. وربما لهذه الأسباب مجتمعة مع غيرها من الأسباب رأى ماهر كما آخرين أن الحل يكون بالاسلام. فألتحق مع الشيخ هشام، هذا الذي اغتيل فيما بعد ضمن الصراع بين الفتحاويين والاسلاميين في المخيم. كان ماهر على ما يبدو من شباب البدايات أو النواة الأولى لعصبة الأنصار. لكنه لم يعش طويلاً لأن الموت اختطفه في وقتٍ مبكرٍ وهو في ريعان الشباب. وشاءت الصدف سنة 1996 أن يعتقل كل من ماهر وشقيقه من قبل أجهزة أمن الدولة اللبنانية بتهمة الانتماء للعصبة الاسلامية. وبعد عناء في السجن وتكاليف مالية بهاضة للمحامين وغيرهم خرجا من السجن سنة 1998 لكن ماهر توفي بعد خروجه من المعتقل بعدة شهور. يبدو أن آثار السجن وتراكماتها عجلت بضعف قلبه ومن ثم بوفاته.

مات صاحبي وابن خالي ماهر وأنا بعيد عن المخيم وكل لبنان وبلاد الشام وشرق المتوسط .. ومثلما تفاجئ الكل بموته، أنا أيضاً تفاجأت وحزنت وصدمني نبأ الرحيل الصعب. لكن هناك من خفف من أحزان عائلته وأقاربه حين قال أن الذي يموت وهو يصلي يذهب مباشرة الى جنة الله. فكيف بشخص مثل ماهر كان مسالماً ومحباً وصادقاً ومؤمناً ومخلصاً وانساناً باراً. يساعد المحتاجين ويعين المعتازين ويضمد جراح المعذبين، يحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم.. والعلم عند الله فإن مصيره في جنات الخُلد والنعيم.

ماهر الوسيم والبشوش واللطيف والخجول كان الإبن البكر لخالي محمد – أبو ماهر- وأمي صاحبة القلب الكبير كانت ولازالت تحب شقيقيها، محمد الكبير وأحمد الأصغر منه سناً. لكن خالي أحمد الانسان الجميل والوديع والوسيم والمحبوب، صديق الكُل، أبو مجدي رحل عن عالمنا، لحق بماهر أبن شقيقه حين توفي في ليبيا قبل سنوات قليلة. أما خالي أبو ماهر فهو لازال في المخيم، في عين الحلوة ينتظر العودة الى الصفصاف مسقط رأس جدي علي حمد، والى “قديثا” مسقط رأس ستي فاطمة. كي يعيد معه الى هناك رفاتيهما من مقبرة المخيم ومقبرة صيدا الى مقبرتي الصفصاف وقديثا.

خالي أبو ماهر يحرص دائما على أن يزور والدتي.. يزورها بشكل دائم ودونما انقطاع بالرغم من كل الأمراض التي عصفت بجسده النحيل وبقلبه الكبير. من تلك الأمراض ما ناله بعد الوفاة المفاجئة لنجله ماهر، الذي توفي اثناء تأديته صلاة الفجر في بيت خالي بالمخيم، ربما في الغرفة التي مات فيها جدي ثم توفيت هناك جدتي. توفي العزيز ماهر قبل سنوات كثيرة، فغاب عنا تاركاً خلفه أطفاله الصغار، مثل الكتاكيت كانوا يلعبون ويلهوون في أحضان خالي وزوجته الخالة أم ماهر. الآن أصبحوا شبابا وصبايا وربما صار لبعضهم عائلة وأطفال.

أحزنني كثيراً رحيله وفقدان صديق وقريب كنت أحبه وأحترمه وقضيت سنوات كثيرة من طفولتي معه وبرفقته.

الرحمة والسلام والخلود لك يا ماهر.

نضال حمد

18-3-2021

مات صديقي وقريبي ماهر محمد علي حمد وهو يصلي الفجر – نضال حمد