السابع والعشرون من نيسان يوم عزيز على قلبي ويذكرني بقوافل من الشهداء والجرحى والأسرى. كما يذكرني بقوافل من الناس الذين عشت معهم الأيام والأسابيع والشهور والسنين والأوقات “الحلوة والمرة” كما نقول في المخيم. فكان إن أصيب أحدنا بجراح في جبهات القتال وساحات المعارك وميادين النضال والمواجهة هب الآخر لإنقاذه ولافتدائه بدمه وبحياته. هكذا كُنا وعِشنا كأننا جسد واحد وروح واحدة. جمعتنا جبهة التحرير الفلسطينية وتجربة النضال والكفاح تحت راياتها وفي ظل قياداتها. فكنا الرفاق الأوفياء لقائدنا الشهيد طلعت يعقوب – أبو يعقوب- أو نافذ يعقوب – أبو طارق -. ولم نخذله أو نتخلى عنه كما فعل بعض الذين اختاروا السياحة الوطنية بدلاً عن المهام النضالية ومواصلة المسيرة الفدائية. أولائك الذين انقلبوا وتساقطوا بحجة القرار الفلسطيني المستقل “بدعة القيادة المتنفذة” في ذلك الزمن الفلسطيني الصعب، من حصار بيروت الى حصار طرابلس الى حرب المخيمات، ففك حصار حسني مبارك ونظام كمب ديفد، والالتحاق بعرب أمريكا، فأوسلوستان مرورا بكل المحطات على الطريق الى التخلي عن فلسطين والاعتراف بكيان العدو والاحتلال، ثم القبول بسلطة مسخ مهمتها حماية أمن المستوطنين والاحتلال وملاحقة ومحاربة مناضلي شعبنا وثورتنا وقضيتنا ومقاومتنا.
السابع والعشرون من نيسان يوم يذكرني بالمناضلين الشرفاء الأحياء والشهداء، ليس أولهم الرفيق القائد الرائد والمتواضع والمبدئي والفدائي الشهيد طلعت يعقوب، ولا آخرهم الرفيق القائد المبدئي، الفدائي، ابن المخيم يوسف المقدح – أبو نضال الأشقر – الذي يحمل الآن أمانة رفاقه الشهداء والأحياء، ومن بيت متواضع في مخيم عين الحلوة يقود مع رفاقه المنتشرين في مخيمات شعبنا وأينما وصلت ووطأت أقدامهم في جهات الأرض، في الشرق والغرب وفي بلاد العرب والروم والعجم، من تبقى منهم-ن في هذا الزمان الصعب، زمان تساقط الأوهام والمتوهمين وأشباه الفدائيين والمناضلين. زمان الردة والمرتدين والمتسلقين على أضرحة الشهداء، تجار الدماء الذين بعدما أفلسوا وطنياً وسياساً أصبحوا لا يتوانون عن فعل أي شيء قبيح وحقير وخسيس وصولا الى اعتلاء منصات مؤتمرات العدو الصهيوني لحماية أمنه القومي، مثلما فعل الهرتسلاوي (نسبة لمؤتمر هرتسيليا للأمن القومي الصهيوني) وغيره من الهرتسلاويين الأوسلويين، عدة المرحلة الأوسلوية للقيادة الفلسطينية التي تغتصب المنظمة والقرار، والتي عملت بعد أوسلو على تفريغ حركة فتح وأخواتها من محتواهن الوطني وبعدهن القومي وعلى وأد منظمة التحرير الفلسطينية وهي حية.
هذا اليوم يذكرني برفاق ورفيقات رحلوا ورحلن على درب العودة وحرية شعب فلسطين وتحرير فلسطين كل فلسطين. دفاعاً عن الوجود الفلسطيني في كل الوطن العربي من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط. رفاق ورفيقات سقطوا وسقطن شهداء وشهيدات في معارك الدفاع عن المخيمات الفلسطينية والثورة والبندقية المقاتلة في لبنان بالذات وقبل ذلك في الأردن. وفي معارك مع العدو الصهيوني وحلفاؤه في لبنان وغير لبنان. وآخرين سقطوا وهم يفضحون نهج الاستسلام والسقوط والخروج عن ثوابت شعب فلسطين منذ بداياته في سبعينات القرن الفائت.
هذا اليوم يذكرني مرات جديدة برفاق ورفيقات وأصدقاء وصديقات واخوة وأخوات كما لاحظتم منذ سنين وأنا أوثق سيرهم-ن وأدون تاريخهم-ن وأكتب عنهم وعنهن. مع العلم أنني في زمن وباء كورونا وفي السنة الثانية منه ومع العزل والابتعاد عن الناس، قررت أن أخصص جل وقتي لتكثيف الكتابة عن الشهيدات والشهداء. لذا في الفترة الأخيرة ومننذ بداية العام الجاري كثفت من كتاباتي عنهن وعنهم لإحياء ذكراهم وذكراهن وبغية تسجيلها وتدوينها وحفظها للأجيال القادمة.
في هذا اليوم أتذكر الكثيرين ممن رحلوا ورحلن بالذات.. ولا أنساهن لأن النسيان ليس من عادات الأوفياء والمناضلين المبدئيين الملتزمين والشجعان. فأنا لا أنسى من فديتهم-ن بدمي وفدوني وفدونني بدمهم-ن. سوف يبقون معي رفاق ورفيقات وأصدقاء وصديقات واخوة وأخوات، في ذاكرتي ومراحل حياتي حتى مماتي. وأنا نيابة عن نفسي التي لا أمون على غيرها من البشر أعاهدهم-ن أن لا أبدل تبديلا وأن أواصل مسيرة كُنا بدأناها معاً وتعاهدنا على إكمالها حتى نهايتها تحت شعار إما النصر وإما الشهادة ولأجل تحرير الأرض والانسان.