ابونوال المثال – بقلم نضال حمد
في طفولتي كنت وبعض أقراني نهمس لبعضنا عن العم أبو نوال. لماذا؟
لأن الرجل الذي حرص طوال حياته على لبس الحطة والعقال تيمناً بالأهل والأجداد وعادات وتقاليد قرى الجليل الفلسطيني المحتل. العم ابراهيم جبر فرهود – ابو نوال – كان فقد ساقه قبل النكبة في الصفصاف بفلسطين المحتلة. لكنه لم يفقد حبه لفلسطين وللحياة من أجل تحريرها والعودة اليها. كما كان رجلاً عصامياً وانساناً صابراً، واصل رحلة الحياة وصمد حتى النهاية. لازلت أذكر عكازته وعقاله وحطته وبسمته وكلماته. وأذكر والدته الحاجة نعمة حمد وزوجها الحاج المرحوم جبر فرهود بلباسه الجليلي التقليدي، رحمهما الله.
أولاد الحارة التحتانية للشارع الفوقاني حيث بيوت أهالي الصفصاف والرأس الأحمر مازالوا يتذكرونه. فقد كان معروفاً للجميع في الحارة. منزله بالقرب من منزلنا ومنزل شقيقه العم الراحل فؤاد جبر فرهود – أبو محمد. هناك كان يملك دكاناً صغيراً يبيع فيه مواداً تموينية وسكاكر والخ. أهالينا حرصوا على ان نذهب نحن الأطفال لشراء ما يحتاجونه للبيت من دكان أبو نوال. فهو الجار والقريب والرجل المكافح الذي تمرد على إصابته وعلى فقدانه الساق، وواصل منذ النكبة رحلة الحياة من جديد كي يعود الى حيث دفنت ساقه في أرض الاجداد والآباء في الصفصاف ركن جبل الجرمق.
كبقية الأطفال والأولاد في الحارة كنت أحس بقشعريرة وخوف من أبي نوال عندما كنت أراه بدون طرفه الصناعي وعلى ساق واحدة أو حين كنت ألمح طرفه الصناعي أي ساقه الخشبية مركونة في إحدى زوايا الدكان أو الدار. يومها كنت أتردد في دخول الدكان للشراء، لكن خوفي من عقاب الأهل كان يقوى على خوفي من رؤية الساق الخشبية أو مشاهدة العم أبو نوال بلا طرفه الصناعي.
مع الأيام كبرنا نحن الأطفال فيما غيب الموت القريب والجار وصاحب الدكان. فرحل الرجل المكافح، ليدفن جسده في مقبرة أهالي عين الحلوة أما روحه فسافرت الى حيث دفن بعض جسده في الصفصاف.
غاب أبو نوال ولكن القصة لم تنته مع غيابه، ففي الأيام الاخيرة من الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982 واثناء دفاعي مع رفاقي الفدائيين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب عن مخيمي صبرا وشاتيلا اثناء المجزرة، تعرضت لاصابة من صاروخ دبابة ميركفاه صهيونية فقدت على اثره ساقي اليسرى بشكل كامل ,اصبت بجراح مختلفة.
بعد أن صحوت من غيبوبتي في المستشفى البيروتي وحين لم أجد ساقي التي أردت تحسسها، تذكرت أبو نوال، الجار والقريب والرجل صاحب الساق المبتورة، والكوفية والعقال، صاحب النفس الطويل والنظرات الثاقبة.
أما أنا فمنذ ذلك اليوم قررت بيني وبين نفسي أن أكون صلباً وقوياً مثله، وأن أحب الحياة وانتصر على قسوتها وأعيش حياتي كأن شيئا لم يكن.
نضال حمد – 2-1-2015
اوسلو