الاعلام (الإسرائيلي) في بلاد العرب
يعمل مراسل القناة التلفزيونية “الإسرائيلية” الثانية أيتاي آنجيل في الكويت بكل راحة وبلا إزعاج وكأنه في بلده الثاني, كذلك ينطبق الحال على الصحافيين “الإسرائيليين” في شمال العراق حيث الأمارات الكردية المستقلة والخارجة عن سلطة بغداد وحيث السيطرة الفعلية تعود لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والتركية .
وهذا بطبيعة الحال شيء مؤسف ومحزن لأن الشعب الكردي العريق الذي قضى العمر مكافحاً ومناضلاً من أجل الحرية والمساواة وقدم على هذا المذبح آلاف الضحايا والشهداء، يوافق بكل بساطة على دور السمسار الذي يمنح أعداء الأرض والإنسان والشعوب وحقوق الأمم ومنها الحقوق الكردية كما الفلسطينية, أراضٍ وقواعد للتجسس على العالمين العربي والإسلامي.
نعتقد أن المصلحة الكردية على المدى البعيد تتطلب انسجاما وتوافقا مع الموقف العربي الداعي لرفض الوجود “الإسرائيلي” وكذلك الأمريكي في شمال العراق وفي دول الخليج العربي. لأن مصير الأمة الكردية معلق أيضا في مهب التغييرات التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية فرضها على العالمين العربي والإسلامي. وأمريكا تريد للأكراد دورا معاديا للعرب في حربها من أجل تغيير العالم العربي ونشر الإخطبوط الصهيوني والغربي في كل بلادنا المشرقية وبالذات وفي المقدمة منها بلادنا العربية.
المراسل “الإسرائيلي” آيتاي آنجيل الذي يواصل بث تقاريره من الكويت بعد التحرير يواصل إرسال تقاريره يوميا ولا يبخل على المشاهد “الإسرائيلي” بتقارير مصورة مع الكويتيين من المدنيين والعسكريين. يعمل هناك بكل حرية وكأنه في بلاده أو في بلاد صديقة وليس في قلب الوطن العربي الكبير وعلى مقربة من الأماكن الإسلامية المقدسة في السعودية.
لا أحد يدري لماذا وبناء على أية قوانين كويتية سمح للصحافي “الإسرائيلي” المذكور بالدخول إلى الكويت والعمل هناك. فالقوانين الكويتية المعلنة تمنع دخول “الإسرائيليين” إلى البلاد ولا تسمح للأعلام “الإسرائيلي” بممارسة أي عمل صحافي وإعلامي من على أرض الكويت. قد تكون الكويت غيرت قوانينها ونحن لا ندري، من يدري؟
بعد كل هذا العجب العجاب والغرابة الأكثر غربة من العذاب في منافي التشرد وتحت رؤوس الأسنة والرماح والحراب… وبعد مهزلة الجامعة العربية وقمتها الأخيرة التي خرجت ببهدلة تليق برؤساء دول العرب العتيدة، لا يستطيع الإنسان العاقل سوى قراءة الفاتحة على الجامعة العربية وعلى أنظمتها وميثاقها المشترك والشرف الرسمي العربي المنتهك. فهؤلاء الرؤساء والزعماء يخرجون من القمة بقرارات تقول أنهم ضد الحرب ويمنعون التعاون مع الذين يريدون المحاربة، لكنهم بنفس الوقت يفتحون أبوابهم وبلادهم وقواعدهم للغزاة ويجهزون لهم كل ما يلزمهم، يقومون بهذا كله دون سؤال شعوبهم وبرلماناتهم المنتخبة أو المعينة عن الموضوع. فهل هذه دول ترتقي الى مكانة الدول التي تحترم نفسها؟
فالذي لا يحترم شعبه لا يمكن أن يجد من يحترمه. قد يقول أحدكم أن هؤلاء في قمتهم الأخيرة في شرم الشيخ ، مصنع الانحطاط والهزائم العربية الجديدة ومعمل الاستسلام العربي الجماعي. قد اتخذوا قرارات جيدة في الشأن العراقي، نعم أخذوا قرارات أفضل مما كان متوقعا منهم، لكن لا يمكن لدول وممالك وأمارات ومشايخ وسلطنات وجمهوريات تجتمع تحت مظلة الجامعة العربية أن تقول غير ما قالته في بيان القمة الأخيرة، التي عقدت في شرم الشيخ بدلا من البحرين. فالموقف الذي أتخذ كان تلبية للضغط الشعبي العربي والعالمي وللضغط الأوروبي ممثلا بالذين يعادون الحرب وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا. لكن ظهر جليا بعد ساعات أن الموقف المذكور ليس أفضل من القرارات السابقة التي اتختها القمم العربية الماضية. مجرد حبر على ورق وورق يصلح أن يستخدم كورق للتواليت. أصبح الآن واضحا أن كلام القادة العرب الذي يقال في الليل سرعان ما تمحوه شمس النهار.
هكذا بلاد يديرها هكذا حكام تستحق أكثر من الذي يحدث لها وتستحق أكثر من مراسل “إسرائيلي” يبث تقاريره من قلب الوطن العربي. وهكذا دول تستحق هكذا مصير فالدول التي لا تحترم شعوبها لن تجد من يحترمها أو يلتفت لمصيرها وما الذي يحدث في العراق والكويت وفلسطين سوى صورة مصغرة عن واقع حال عربي كئيب ومعيب، واقع محزن ومفجع ومظلم لا يبشر بالخير ولا بمستقبل أفضل.
نرى أنه من المفيد لكرامة الكويت وطنا وشعبا أن يميز في تعامله مع الصحافيين بين حرية الصحافة والتطبيع، إذ لا يوجد مبرر آخر للصهاينة والاعلاميين الصهاينة غير التطبيع ، هذا ما يدل عليه وجود المراسل أنجيل في الكويت منذ فترة.
وإن كانت الحكومة الكويتية تريد التطبيع فلتفعل لكن عليها أن لا تفعل ذلك بطرق ملتوية، فالقطار الأمريكي “الإسرائيلي” سائر ولن يتوقف سوى للركاب الذين حجزوا مقاعدهم في مقطوراته. نعتقد أن غالبية الحكام العرب حجزوا مقاعد لهم في القطار المذكور، فهل حجزت الجامعة العربية بشكل جماعي بطاقة لها في قطار الذل والخنوع؟
هذا السؤال ستتم الإجابة عليه قريبا جدا…
نضال حمد
10/03/2003