كنعان النشرة الإلكترونية – في هذا العدد: عادل سمارة – أحمد الخميسي – ثريا عاصي – ايمان زيادة
كنعان النشرة الإلكترونية
Kana’an – The e-Bulletin
السنة الخامسة عشر ◘ العدد 3722
14 كانون الثاني (يناير) 2015
في هذا العدد:
■ نحن شغلية في فرنسا وهم غزاة في وطننا، عادل سمارة
■ شارلي إبدو.. ضمير أوروبي، أحمد الخميسي
■ الحرب الثانية! ثريا عاصي
■ ملاحظات على زيارة عيد الميلاد، محمد سيف الدولة
■ قراءة في كتاب:
- · ما وتسي تونغ: الاسطورة الصينية،ايمان زيادة
● ● ●
نحن شغلية في فرنسا وهم غزاة في وطننا
عادل سمارة
لا يبدو ان تناول حادثة الإرهاب في فرنسا سيخف سريعاً. والأهم ، لا يبدو انها، رغم شدتها سوف تُحدث تحولا في السياسة الرسمية لفرنسا ولمختلف الأنظمة المعادية للعروبة والإسلام ومنها أنظمة يحكمها عرب ومسلمون.
لعل الخطير في الأمر هو تصوير هذا الإرهاب كأن له اب واحد، وهذا ليس شأن أي مولود! ، فأي مخلوق يحتاج إلى أبوين. حتى الان ظل التركيز على كون الإرهابيين الذين قاما بالعملية هم عرب/مسلمون. لا أحد تقريبا يقرأهم كفرنسيين. كنتاج فرنسي فعلي. وإن حصل فيتم ردَّهم إلى ما قبل قرن من الزمان حيث اصولهم من المغرب العربي وتدريبهم حديثاً على الإرهاب في المشرق العربي، إذن هم برأي هؤلاء لا صلة لهم بفرنسا أللهم لكونهم يحملون جنسيتها. وهكذا انتهى العزاء الرسمي لفرنسا بتسجيل الواقعة بان عربا إرهابيين قتلوا فرنسيين.
عمال في القطاع الأسود وهم غزاة
هؤلاء الإرهابيون هم فرنسيون، شاءت العنصرية هناك أم أبت. وهم في حقيقة الأمر مدفوعين بردة فعل على النظام السياسي والاقتصادي والثقافة الفرنسية قبل الثأر للرسول عليه السلام. من يعرف ذوي الأصول العربية في الغرب والمنتمين لتيارات الدين السياسي يدرك أن للكثير منهم ممارسات شخصية فردية لا علاقة لها بتعاليم الإسلام، اي أنهم كثيرا ما يخالفون تلك التعاليم، مما يؤكد أن ردة فعلهم نتاج وضعهم.
لكن الأهم من هذا كله فالعرب وتحديداً عرب المغرب العربي لم يذهبوا إلى الغرب ومنه فرنسا ، وإنما اساساً طُلبوا أو جُلبوا على يد الراسمالية الفرنسية الي افقدتها الحرب الإرهابية الغربية الأولى كثيرا من قوة العمل. وتم تشغيل هؤلاء في الأعمال السوداء والشديدةعلى الجسد، إعادة بناء الطرق وسكك الحديد والتنظيف. هناك في فرنسا اشتغلوا ولا يزالون محققين لراس المال الفرنسي اضعاف ما يجنونه من أجر وهو ما يسمى “القيمة الزائدة” التي تُسحب من جهدهم ولا يحوزون عليها. هم باختصار ضحايا استغلال جسدي اقتصادي وضحايا احتقار ثقافي قومي. وبكلمة ادق هم اوضح نموذج على اللاسامية غير المسجلة وغير المعلنة. اللاسامية التي احتلها اليهود، وجردوا العرب من ساميتهم. حيث صارت حكرا عليهم. وبينما، باستثناء الفترة النازية، تمت لليهود بما يقارب السيطرة على المجتمعات الغربية، تتم ممارسة اللاسامية ضد العرب ومن قبل اليهود ايضاً. وهكذا فقدت الأكثرية السامية موقعها واحتله جزء من الأقلية اليهودية، فليس جميع اليهود ساميي الأصول. (ربما دراسات الراحل عبد الوهاب المسيري هامة هنا في تحديد الأصول من حيث الطول واللون وقياسات الجمجمة…الخ).
وفي الجانب الآخر، فإن الغربيين وخاصة الفرنسين في الوطن العربي هم غزاة ومحتلين. ليسوا قوة عمل لا ماهر ولا يدوي. هم يمثلون الاستهداف الغربي للوطن العربي منذ الراسمالية التجارية التي ولدت الاستعمار فالصناعية التي ولدت الإمبريالية إلى الراسمالية المعولمة التي تعتمد ما يسمى الاقتصاد الجديد مقرونا أكثر من المراحل السابقة باالسلاح.
الغالبية الساحقة من الغربيين هم جنود في القواهد العسكرية وخبراء مخابرات لتدريب جلاوزة الأنظمة العربية على التعذيب والتحقيق، وممثلي وخبراء شركات للنهب…الخ.
ولو حاولنا إجراء عملية (كلفة – فائدة) فإن ما يجنيه وخاصة ما يحوله العمال العرب في الغرب، إلى وطنهم الأصلي، مع أن هذا يتضائل مع توطن الجيلين الثالث والرابع في الغرب مما يقود إلى تدني تحويلاتهم، لكن كل هذا لا يمكن مقارنته مع النهب الهائل الذي يضع الغرب الراسمالي يده عليه من ثروات الوطن العربي وهذا معنى استهداف الوطن العربي من الغرب.
بكلام آخر، فالفارق بين عمالنا في فرنسا، وبين الفرنسيين في الوطن العربي، هو اقتصادي وكذلك أخلاقي. هم يربحون أكثر، وهم غزاة بينما نحن شغلية.
ليس هذا كل ما يتعلق بالمشكلة، ولكنه على الأقل محاولة لتبيان أن تلك المظاهرة الرسمية الكبرى في باريس بعد العمل الإرهابي هي تكريس مناخ خلق الإرهاب، هي كمن يقول، لن أرفع حذائي عن عنقك!
ليس الإرهابيون ثوريين، فما فعلوه في فرنسا هو مجرد مزاح مقارنة بما يفعله إرهابيون عرب في وطنهم وأهلهم. وحتى في هذا، فإن المركز الراسمالي الغربي قد احتل حرب الغُوار ليحولها إلى حرب إرهاب ولهذا حيث آخر.
● ● ●
شارلي إبدو.. ضمير أوروبي
د. أحمد الخميسي
قامت أمريكا أوروبا ولم تقعد بعد قتل اثني عشر من العاملين في صحيفة ” شارلي إبدو” الفرنسية. وقف مجلس الأمن دقيقة حدادا على أرواحهم. توجه الرئيس أوباما شخصيا إلي السفارة الفرنسية للعزاء. قدم معظم القادة العرب أحر التعازي. واستنكرت معظم وسائل الإعلام الجريمة وصولا إلي المطالبة بتنظيم مظاهرات التضامن مع فرنسا ضد الإرهاب! وشارك عشرات من قادة العالم في مظاهرة فرنسية تنديدا بالإرهاب. وأنا شخصيا أرحب من صميم قلبي بأن تقوم الدنيا ولا تقعد إذا أريقت قطرة دم واحدة، أواقتلعت شجرة أو حتى دهس طائرعلى الطريق. وكل كائن حي جدير بكل ذلك الاهتمام وبما هو أكثر. إلا أن ماجرى يحتاج إلي نقاش أبعد من رفض الجريمة والتعاطف مع ضحاياها. في ذلك المجال يثور سؤال عن ملابسات الحادث والجهات التي تقف خلفه. فقد أعرب عدد من المراقبين الفرنسيين عن دهشتهم من أن صحيفة” عشرون دقيقة” نقلت الخبر بعد وقوع الحادث بثلاث دقائق! وأن وسائل إعلام إسرائيلية حددت هوية الفاعلين بعد خمس عشرة دقيقة من الهجوم! هل تحتاج أمريكا والغرب إلي تأجيج حملة ضد الإسلام لتبرير تدخلها العسكري الإجرامي في سوريا والعراق وليبيا؟ . يطرح موقع ” ويكي ستريك” هذه الأسئلة وغيرها. فلماذا لانجدها مطروحة عندنا؟.
السؤال الثاني يتعلق بمقاس الضمير الأوروبي المضبوط على قدمي جريدة ” شارلي إبدو” ولا يتسع لأوجاع لآخرين. وحسب تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين الدولية فقد قتل من الصحفيين العرب فقط عام 2014 أكثر من ثلاثين صحفيا. في سوريا قتل تسعة عشر صحفيا. في غزة سبعة صحفيين. في العراق عشرة صحفيين. ولم يقف مجلس الأمن ربع دقيقة حدادا على أحد. وعندما قتل في غزة في يوليو العام الماضي أكثر من خمسمائة طفل فلسطيني لم تهتز شعرة من ذقن الهيئات الدولية.
السؤال الثالث: هل يدخل الاستهزاء بمعتقدات الناس في باب حرية التعبير؟ أليست شارلي إبدو هي الصحيفة ذاتها التي أعادت في فبراير 2006 نشر الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الكريم؟ وهي التي نشرت في 2011 عددا خاصا بعنوان الشريعة تضمن مختلف العبارات التهكمية على الرسول الكريم؟ وزعمت أن الرسول (صلعم) هو رئيس تحرير ذلك العدد؟! وعادت في 2012 فنشرت صورا ساخرة في الموضوع نفسه؟ وفي 2013 نشرت إصدارا خاصا من رسوم كاريكاتورية زعمت أنها تصور حياة الرسول الكريم؟. ومع أن الكثيرين يدعون أن الصحيفة تتهكم على كل الديانات إلا أنني لم أجد لها رسوما ضد اليهودية مثلا؟!. عام 1937 نشر إسماعيل أدهم مقالا بعنوان” لماذا أنا ملحد” أعلن فيه إلحاده، ولم يسيء فيه بحرف لا إلي الإسلام ولا المسلمين ولا لغيرهم. هناك فارق بين حريتك في إعلان موقفك وأنا مع تلك الحرية، وبين الاستهزاء بالآخرين وبمعتقداتهم بدعوى حرية التعبير. وقد أشار الكاتب ديفيد بروكس فى مقال بصحيفة «نيويورك تايمز إلي المعنى ذاته قائلا إنه لو أرادت الصحيفة الفرنسية خلال السنوات العشرين الماضية أن تصدرفى حرم جامعى أمريكى لاتهمها الطلاب بتبني الحقد ولكانت الإدارة أغلقتها”.
السؤال الرابع: هل ينبغي علينا أن ندافع عن الإسلام ونبرئه من أولئك المجرمين؟ أم أن علينا على العكس أن نوضح للأوربيين والأمريكيين أن الأعمال الفردية تعبر عن أصحابها وليس عن العقيدة؟ ولو كان الأفراد تعبيرا عن العقائد الدينية لكان علينا أن نشن هجوما على المسيحية بعد ما رأيناه من فظائع الضباط الأمريكيين في معسكر أبي غريب بالعراق! لا ينبغي أن نتعامل بنفسية المتهم، لأن المتهم الحقيقي هو الضمير الأوروبي الذي يولول لمقتل 12 صحفيا ولا يهتز لحظة لمئات من الأطفال السوريين الذين يتجمدون من قلة الغذاء والبرد. يجب أن يكون خطابنا إلي الغرب بصيغة : أفق أيها الضمير!
+++
أحمد الخميسي . كاتب مصري
● ● ●
الحرب الثانية !
ثريا عاصي
إن هبـّة الفرنسيين ردا على الإعتداء الذي استهدف في باريس مكاتب صحيفة أسبوعية دفاعا عن نظام الجمهورية في بلادهم وجوهرته «الحرية»، تستحق التقدير والاحترام، كونها تبطن عراقة وطنية إلى جانب دروس وعبر تدعونا إلى أن نمعن النظر فيها. فقد يساعدنا ذلك على فهم ما يجري في بلادنا منذ أربع سنوات فضلا عن إستقراء الأحداث وصولا إلى استبيان الإتجاهات المحتملة مستقبلا، التي يمكن أن يأخذنا نحوها الجرف الذي يحملنا؟
في جبل محسن 9.1.2015، طرابلس ـ لبنان، إنتحاريان يفجران قنابل بحوزتهما في مقهى. جاء في بيان الذين تبنوا العملية الانتحارية، ما يسمى جبهة النصرة، أنهم دبّروا الأخيرة انتقاما «لأهل السنة في سوريا ولبنان». أنا لا أعرف نسبة اللبنانيين الذين يقبلون أن يتميزوا من غيرهم في 2015، بما هم «من أهل السنة»، يستتبع ذلك انه لا علم لنا عن رد فعل «أهل السنة» تجاه الجريمة التي ارتكبها من يدّعون أنهم يقاتلون حماية ونصرة لهم. هل سيتظاهرون؟!.
أصدرت «القاعدة» في اليمن بيانا مماثلا تزعم فيه أن العملية الإرهابية في باريس، إنما الغاية منها هي الإنتقام لنبي المسلمين، بسبب «الرسوم المسيئة» التي نشرت لعشر سنوات خلت، في الصحيفة الفرنسية الهجّائية. نبي المسلمين لا تسيء إليه الرسوم! الاّ في فهم الجهلة والماكرين..
إرتفعت أصوات كثيرة في أوساط المهاجرين من أصول عربية، إدانة للاعتداء على الصحيفة الفرنسية، وتنديدا في الوقت نفسه بمبادرة بعض «الوجهاء» من أصدقاء السلطة الحالية، إلى دعوة «المسلمين» للانضمام بصفتهم مسلمين، إلى التظاهرة ضد الإرهاب، ليدللوا بذلك على أنه «ليس كل مسلم ارهابيا»! تضمنت خطة الارهابيين أيضا الإعتداء على متجر «يهودي»!
ما يثير القلق حقيقة هو الصدى العالمي لهذه الجريمة. كل يوم يطلع علينا أبطال الثورة المعتوهة في سوريا، بشريط مصور عن تنفيذ حكم الاعدام في آن واحد، على صفٍ من الأشخاص، أو عن بتر يد أو جلد متهم بأنه مدخن أو عن رجم إمرأة!. إلى حد ان الناس بحسب اعتقادي اعتادوا على رؤية الانسان المتوحش.
من البديهي أنه من الصعب في هذا السياق، تفسير اختلاف الموقف الفرنسي، على وجه الخصوص، والغربي بصورة عامة، حيال الجريمة عندما تضرب في سوريا من ناحية، وعندما تضرب في باريس أو لندن.. أو سفارة غربية من ناحية ثانية!.
غرابة المواقف بحسب المكان والضحية، تتفاقم. فتصل إلى حد الذهول. عندما تسمع مسؤولين فرنسيين يقولون: «أَعلن الإرهاب الإسلامي الحرب على فرنسا، على حضارتنا». تتذكر تصريحات سابقة لنفس المسؤولين عن إرسال السلاح إلى «المعارضة المعتدلة»، عن معسكرات التدريب، وعن ضرب سوريا، عن تحركاتهم المحمومة… ألا يعني هذا كله أن فرنسا وحلفاءها أعلنوا الحرب على سوريا؟!
إتهم الأميركيون في 11 أيلول 2001 جماعات القاعدة. قالوا آنذاك أن العراقيين هم الذين أرسلوا هذه الأخيرة إنتقاما من الحصار. يوجد في فرنسا اليوم مستشارون مقربون من السلطة يقولون بأن الإرهابيين الذين إعتدوا على مكاتب الصحيفة الفرنسية، تعلموا فنون الإرهاب في سوريا. ذلك يتطلب من وجهة نظرهم حربا على سوريا!. يقولون أيضا أن الوضع في ليبيا يتطلب هو أيضا، حربا ثانية.
الحرب بواسطة الإرهاب تستلزم حربا ضد الارهاب! تظاهر الناس ضد الإرهاب. أخشى ما يخشى أن يـُعدّ القادة الذين تظاهروا معهم، لحرب ثانية على سوريا!.
:::::
“الديار”
● ● ●
محمد سيف الدولة
· لا بأس أبدا فى أن يقوم كبار رجال الدولة بزيارة الكاتدرائية المرقسية فى احتفالات عيد الميلاد، طالما يؤدى ذلك الى ادخال الرضا والسعادة الى قلوب قطاعات كبيرة من اخوتنا المسيحيين، حتى وان كنا نعارض النظام ونختلف معه حتى النخاع.
· ولكن “كل البأس” من كل هذا النفاق والمبالغة والتضخيم الاعلامى الزائد عن الحد للزيارة، وتناولها وكأنها عملا اسطوريا غير مسبوق، ومبادرة متفردة، وعبقرية فذة، ونفحة من السماء. ففى ذلك اساءة بالغة للجميع، لمصر وللمسلمين والمسيحيين معا. وكأن حال المسيحيين فى وطنهم قبل هذه الزيارة شديد البؤس، وكأنهم يعيشون معزولين مهمشين محتقرين غير معترف بهم. الى ان نزل عليهم منقذهم الاوحد من السماء لا ليعطيهم كامل حقوقهم، وانما ليتعطف عليهم “بزيارة” ليس اكثر وليس اقل.
· ومن ناحية اخرى فانه لا يصح ولا يليق المتاجرة والتوظيف السياسى لمثل هذه المناسبات الكريمة، سواء على المستوى الداخلى او الخارجى. فلقد تم توظيفه داخليا بمنطق ((نحن افضل من الجميع فلقد فعلنا ما لم يفعله أحدا من قبلنا))
· أما على المستوى الخارجى فلقد قالها السيسى صراحة ((عايزين العالم يشوفنا))، وكأنه يرغب فى شحن رصيده لدى الغرب متفاخرا بانه معبود المسيحيين وحاميهم، وهو أمر جارح للكرامة الوطنية التى تكره وتمتعض وتتشكك فى أى مشروعية يهبها الخارج للحكام والأنظمة.
· والحقيقية ان توظيف كل شئ فى حياتنا فى الصراع السياسى والاستقطاب الحاد الضارب فى اعماق المجتمع المصرى اليوم، هو جرثومة بغيضة ومكروهه ومرفوضة وضارة بالجميع. وأصبحت عادة نراها كل يوم. وآخرها كان فى الاحتفالات بذكرى حرب اكتوبر.
· والحقيقة أيضا اننا جميعا نحرص على تبادل التهانى مع اصدقائنا من المسيحيين فى اعيادنا او اعيادهم بدون ان يشعر اى منا بأنه يفعل شيئا استثنائيا او زائدا او متفردا او يستوجب التباهى به امام الاخرين او الدعاية له أو التنويه عنه. كما أن كبار رجال الدولة لم يكفوا أبدا عن تبادل التهانى والزيارات على امتداد الزمان.
· ومن ناحية اخرى فان التوظيف السياسى المضاد للزيارة ايضا غير مقبول وغير لائق من قبل معارضى النظام، الذى قاموا بالتشهير بالزيارة من حيث ان فيها انحيازا الى المسيحيين على حساب المسلمين، وعقدوا المقارنات بين الروح الايجابية للزيارة وبين روح الهجوم والنقد فى خطاب المولد النبوى الشريف. وتمادى البعض فى التعبير عن غضبه بتوجيه النقد الى الزائر والكنيسة معا.
· هذا رغم اننا لا يجب ان نحاسب الاخوة المسيحيين على مواقف النظام، ويجب ان ندرك انهم مثلهم مثل المسلمين بينهم اختلافات فى الانحيازات والانتماءات والمواقف السياسية، وفيهم المؤيد والمعارض، الحر والمنافق. وهم ايضا مثلنا تماما مخترقون من اجهزة الدولة العميقة. ومؤسساتهم الدينية تماثل مؤسساتنا من حيث انها جزءا لا يتجزأ من النظام.
· كما انه ليس دقيقا الحديث على أن هناك اجماعا مسيحيا يبارك العصف بالتيار الاسلامى. وحتى لو افترضنا صحته، فهو يستحق الفهم والتحليل والمعالجة اكثر مما يستدعى الاستياء. فلا يمكن ان تستوى الامور لتيار ترفضه وتخشاه غالبية المسيحيين، مهما بلغت درجة شعبيته لدى المسلمين.
· وهناك ايضا من أفتى بان الزيارة محرمة ومرفوضة شرعا، الى آخر هذا اللغط “الطائفى” الذى يخرج الى السطح مع كل مناسبة مسيحية.
· والطائفية هى النقيض المباشر للوطنية، فان كانت الطائفية تعنى وضع الجامعة الدينية فى مواجهة الجامعة الوطنية وفوقها، فان الوطنية تعنى الانطلاق من مبدأ الانتماء المشترك الى الوطن كحقيقة موضوعية ثابتة تاريخيا ودستوريا ومقبولة دينيا وسائدة عالميا. والوطن بالتعريف هو الارض “المشتركة” التى استقر عليها الشعب عبر التاريخ ودافع عنها ضد المخاطر والغزوات الخارجية، فاختص بها دونا عن غيره من شعوب الارض، وانتج عليها حضارة خاصة اهم عناصرها هى وحدة اللغة والتاريخ والمصير ووحدة الظروف المشكلات والإمكانيات.
· ولا يوجد وطن فى العالم يقتصر على اصحاب ديانة واحدة، كما انه لا يوجد وطن عالمي موحد لاصحاب اى دين واحد، سوى ما ينادى به الكيان الصهيونى من دولة لليهود فقط.
· ولو اختلط الامر على أحد، فأراد التعامل مع مسيحى مصر كأقلية دينية، وأراد اخضاعهم لمعايير دين الأغلبية وليس لمعايير وطنية او دستورية، فما عليه الا ان يطبق ذات القاعدة على الاقليات المسلمة فى بلاد العالم فى فرنسا او امريكا او الهند او الصين. وعليه ان يطالب للمسيحيين هنا بمثل ما يطالب به للمسلمين هناك. فان أراد دليلا من الشرع، فليراجع “الصحيفة” التى كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم لتنظيم العلاقة بين شعب المدينة (يثرب) من المسلمين واليهود فى وطنهم المشترك.
· وفى الختام خالص التهانى للجميع وكل عام والمصريين بخير بمناسبة العام الجديد، وكل عام والمسلمين بخير بمناسبة المولد النبوى الشريف وكل عام والمسيحيين بخير بمناسبة أعياد الميلاد .
● ● ●
قراءة في كتاب:
ما وتسي تونغ: الاسطورة الصينية
ايمان زيادة
يتساءل كثيرون عن احوال الصين؟ وأسباب تقدمها؟ حيث وصف البعض المجتمع الصيني بأنه مجتمع لا يرحم ومتغير يخرج عن التعقيد والإفراط في الترف. يعيش لأنه يريد ان يبقى على قيد الحياة.
شغل ماو تسي تونغ اهتمام العديد من الدارسين وكتبت حوله مؤلفات كثيرة، سواء أراد العالم أم لم يرد فإن ماوتسي تونغ كان يمثل الصين بل كل الصين. ولعل السؤال الذي يتبادر في الذهن هو: هل كان الصينييون مسرورين لأنه كان لديهم زعيم هو ما وتسي تونغ؟ وهنا نتساءل مع المتساءلين: هل كان صالحا للصين وللعالم أجمع؟ وماذا كانت مهماته ومسؤولياته؟ هل كان ديكتاتوراً أو مصلحا اجتماعياً؟ وهل لا زال الصينيون يقدسونه بعد أن توفى؟ هل يمكن الحديث اليوم عن الماركسية اللينينية بدون ماو تسي تونغ؟ ولماذا هناك الكثير من الجدل بما قدمته التجربة الماركسية اللينينية؟. أسوق هذا الكلام بعد أن فرغت من قراءة كتاب جورج مدبك “ماو تسي تونغ” وجذبني نحوه لقراءة اهم ما جاء بهذا الكتاب وعمل عرض له عن القصة المجهولة لحياة ماو تسي تونغ.
ولكن نعود لنسأل ويسأل معنا الآخرون من كان ماو تسي تونغ؟ وهل ظل ذلك الرجل العصامي الذي خرج في عام 1910 من مزرعته ومن مدرسة القرية؟ كيف اعتنق الماركسية في عام 1920؟ وكيف أصبح في عام 1960 زعيم الصين بعد أن تقدم في العمر؟ ولماذا كان يمضي معظم أوقاته في المدينة المحرمة. لا يخرج من منزله هناك إلا نادراً ويحكم من هناك بلداً يعتبر أكبر بلد في العالم من جهة عدد السكان؟
المؤلف: جورج مدبك
عنوان الكتاب: ما وتسي تونغ
دار النشر بيروت: دار الراتب الجامعية: 1992
عدد صفحات الكتاب:1-85.
حاول المؤلف: جورج مدبك في هذا الكتاب وصف(ماوتسي تونغ) بالرجل الفذ، النابغة، العصامي، محاولة لتحليل شخصية هذا الرجل التي أثرت على الصين بشكل خاص وعلى العالم أجمع بشكل عام، وتحركاته داخل الصين البلد الذي يعج بالتناقضات.
نبذة عن ماو تسي تونغ:
لقد حاول الكاتب جورج مدبك تلخيص حياة ماو تسي تونغ وخطاباته، ونشاطاته السياسية، والفنية منذ ولادته لغاية مماته. ولد ماو عام 1893 وعندما بلغ السادسة كان عليه ان يعمل في المزرعة ينقل الحطب، دخل إلى مدرسة القرية عندما بلغ السابعة. ومع مرور السنوات رحل ماو إلى مدينة تشانغ تشا لتلقي الدروس الثانوية. ومع ذلك اكمل ماو تعليمه فأصبح من الأشخاص المثقفين المؤهلين لتسلم الوظائف الحكومية. وفي عام 1908 كان عمر ماو خمسة عشر عاماً علم أن الامبراطور والامبراطورة توفيا. لم يكن ماو في ذلك الوقت من اعداء الملكية وكان يعتبر أن الامبراطور وموظفي الدولة الكبار ورجال الحاشية أشخاصاً أذكياء وصالحين يخدمون الامة وينفذون الإصلاحات الضرورية للشعب. في عام 1919 كان ماو تسي تونغ قد بلغ السابعة والعشرين من عمره يعمل في مكتبة عامة، وفي عام 1925 بدأ ينظم نقابات العمال في كانتون، وفي عام 1930 قاد فريق القناصة وهو يرتدي القبعة السوفياتية. كان ماو عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني منذ عام 1928.
انهمك ماو في دراسة التاريخ المعاصر والجغرافية وأعجب بشخصيات تاريخية كثيرة ومن أبرزها: نابليون، والإمبراطورة كاثرين قيصرة روسيا، والقيصر بطرس الأكبر، المتتبع لاخبار ماو تسي تونغ وجد أن هذا الأخير لم يتحدث عن حياته الشخصية والخاصة. وظل متعقبوا أخباره يرجعون في تقاريرهم عنه منذ عام 1936 إلى المقابلة الصحفية التي أجراها معه أدجار سنو أحد المراسلين الصحفين الأميركيين في الكهف الذي اتخذه ماو مسكنا له في مدينة شنسي. يعتبر ماو أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني ومؤسس الجيش الأحمر والعدو اللدود للمالكين الاقطاعيين وللبورجوازيين، لقد لاقى حتفه ماو تسي تونغ على جبهة القتال في فوكيين اثر اصابته بالتهاب رئوي.
حياة ماو تسي تونغ السياسية:
أن أول عمل سياسي لهذه الشخصية النابغة تمثل في كتابه مقالة يطالب فيها بعودة صن يات شين الذي كان يدعو مواطنيه إلى الثورة وعلق هذه المقالة التي كتبها بخط يده وصنع منها عدة نسخ ألصقها على جدران المدرسة فكان هذا التصرف أول عمل سياسي عام لهذا الشاب اليانع. لقد شاهدت فيلم “مبادئ الثورة من مذكرات رئيس جمهورية الصين (صن يات شين) وما لاحظته تأثر ماو بهذا الأخير، يستعرض هذا الفيلم مشاهد لكثير من الثوريين الصينيين الذين تخلوا عن حياتهم لأجل جمهورية الصين من أجل إنجاح الثورة وتحقيق اهدافها التي تتمثل في تأسيس بلاد مستقلة للشعب الصيني، بلاد ترفع شعار القومية، والديمقراطية، والإعانة، ولتحقيق هذه المبادئ الثلاثة تم طرح جملة تساؤلات في هذا الفيلم من أبرزها: ما المقصود بالثورة؟ وماذا تعني للشعب الصيني؟ تم الإجابة على هذا السؤال في الفيلم بأن الثورة تعني السعادة الأبدية لجميع انحاء العالم، وتحول المصانع، المصارف، والطرق الحديدية ومملوكة من قبل الصينيين لإفادة الناس، هذا ما هدف اليه رئيس جمهورية الصين الأول (صن يات شين) من أجل ان يكون الشعب الصيني شامخاً في الشرق هذا هو معنى الثورة. يبدو واضحا تأثر ماو تسي تونغ في هذه الشخصية(صن يات شين) الأمر جعله يعتنق مبادئ الشيوعية والتغيير من أجل تقدم الصين وتطورها .
بدأت الانتماءات الثورية للمبادئ الأساسية للشيوعية لماو تسي تونغ تظهر على السطح عبر دفع المواطنين إلى الثورة وتغيير النظام الصيني الذي كان قائما انذاك. في عام 1911 انفجرت قنبلة في مدينة هانكو ونفذ حكم الإعدام فوراً بعدد من الثوار. وتوسع نطاق التمرد وانضم ماو إلى صفوف الجيش الجديد وبعد أن كان تلميذاً أصبح أستاذاً. بدأ حياته الثورية بخط شعارات “حرروا الصين،” واطردوا آل ماندشو وزعوا الأرض على الفلاحين. قال ماو في مارس آذار 1927 حول الثورة ما يلي: “إن الثورة ليست حفلة عشاء ولا عمل أدبي انها عمل عنيف تقوم به بلا رحمة طبقة للقضاء على سلطة طبقة أخرى.” “ومن أجل تنفيذ ثورة يجب ان يوجد حزب ثوري وبدون حزب مبني على المبادئ الثورية الماركسية اللينينية من المستحيل قيادة الطبقة العاملة والجماهير الشعبية إلى النصر في معركتكم ضد الامبريالية.”
ماو الماركسي:
لقد حاول الكاتب في هذا الكاتب الاستناد إلى ما كتبه كثير من الباحثين قبله بإن انضمام الصين إلى الماركسية قصة معقدة اراد المؤرخون تبسيطها إلى أخر الحدود من خلال تحديد تواريخ والاستناد إلى كتابات الذين اعتنقوا هذا المبدأ السياسي. كتب ماو في شتاء 1920 “لقد بدأت أتآثر بمبادئ ماركس وتاريخ الثورة الروسية” وبعد عام 1920 اهتم ماو بالمانيفستو الماركسي وبأعمال وكتابات كاوتسكي وتاريخ الاشتراكية حيث وجد في الشيوعية أيديولوجية أكثر مما وجدها أسلوبا للحكم أثبت فعاليته في روسيا، ووجد فيها نظاما فعالا لتنظيم الجماهير التي تطالب بتحسين أحوال العمال والكادحين. ومع زيادة تعمق ماوتسي تونغ بالشيوعية ازداد قناعة بأن كل شيء يجب أن يتغير في الصين.
قم ماو بدور هام جداً في تأسيس الحزب الشيوعي الصيني واشترك في المؤتمر العام للحزب في شانغهاي عام 1921، شهد ماو العضو النشط والمسؤول في الحزب عن النشاطات الثورية تعاون الحزب مع الكومنتانغ (الحزب البرجوازي الوطني) الذي أسسه صن يات صن ثم اندماج الحزب مع هذا الحزب الأخير. حيث فرضت موسكو هذا الاندماج لأنها كانت تسعى إلى دفع الشيوعيين إلى القيام بهجمات ضد شانغهاي وغيرها من المدن الصناعية وقام الشيوعيون بمثل هذه الهجمات حتى عام 1927، وخلال المؤتمر العام الثالث للحزب الشيوعي أبعدت المسألة الزراعية التي أثارها ماو في الاجتماع نتج عن ذلك فشل مشروع إقامة حكومة مؤتلفه التي طالب بها الشيوعيون.
لقد لاحظت ان مؤلف الكتاب تسرع في استحضار اسم ستالين، في الحديث عن الحزب الشيوعي الصيني، وعن الجيش الأحمر الذي أنشاه الحزب، ارتباطا بالنموذج السوفيتي. حيث ذكر ان الزعيم الروسي ستالين اعتقد انه من غير الممكن أن تنجح الثورة الفلاحية في الصين في الوقت الذي كانت الثورة العمالية تترسم خطاها. لقد كانت التجربة السوفياتية في ذهن الكاتب اثناء كتابة هذا الكتاب عبر محاولة تسليط الأضواء على تأثر ماو ماوتسي تونغ بستالين والتجربة السوفياتية ومحاولة نقل هذه التجربة إلى الصين، ويبدو هذا الأمر واضحا في كافة نصوص الكتاب. تميز عام 1927 بإخفاقات عدة للحزب الشيوعي الصيني تمثلت في إبعاد ماو تماماً عن ادارة الحزب واعادة إلى منصبه في إدارة الحزب الشيوعي الصيني. لجأ ماو فيما بعد إلى المنطقة الجبلية سوتغ كانغ شان التي تبعد حوالي 300 كيلو متر عن حدود مقاطعة هونان، ارتفع عدد أفراد الحزب الشيوعي في هذه المنطقة إلى حوالي 3 الآف مقاتل وكان هؤلاء نواه ما سوف يعرف في المستقبل بالجيش الأحمر الذي قاده ماو تسي تونغ، والجنرال تشوتو إلى النصر في عام 1949 وهكذا تأسست أول قاعدة ثورية في الصين.
يستعرض جورج مدبك حالة ماو والجيش الأحمر في ذلك الوقت مشدداً على النظام الديموقراطي المتبع فيه فقال كانت القوات تتألف من حراس حمر ومن ميليشيا عمالية وفلاحية. تم تسليح قوات الميليشيا برماح صغيرة وبنادق وكان افضل سلاح بين أيدينا الدعاية التي كانت تولدها العناية بالأسرى وبالجرحى بعد أن اطلق سراح هؤلاء. منذ عام 1949 بدأ ماوتسي تونغ باستخدام أساليب مختلفة لاجتذاب الجماهير.
يتساءل البعض عما إذا كان الشيوعيون الصينيون، بعد وصولهم إلى السلطة في البلاد، سيتبعون أسلوب الشيوعيين الروس ويقيمون ديكتاتورية البروليتاريا وحكومة الحزب الواحد، يقول ماو: أن الديمقراطية الجديدة تختلف في المبدأ عن الدولة الاشتراكية المبنية على ديكتاتورية البروليتاريا ولا شك ان نظام الصين الديمقراطي الجديد سوف يقوم تحت إدارة البروليتاريا والحزب الشيوعي. ولكن خلال تنفيذ مرحلة الديمقراطية الجديدة هذه لا يجب أن يكون في الصين نظام ديكتاتورية الطبقة الواحدة وحكومة الحزب الواحد.
تحدث ماو في بداية مهنته العسكرية عن الاستراتيجية العسكرية. وضع ماو نظرية استلهم في إعدادها أساتذة الاستراتيجية في العالم واستند بشكل خاص على تجربته في مواقع القتال ويمكن تلخيصها كالتالي: “عدم الهجوم إلا اذا كان عددنا ثلاثة مقابل واحد وإذا كان العدو هو الاقوى وانهاك قواه واستخدم كافة الحيل والخدع العسكرية الممكن تنفيذها.”
سيطر الاصلاح الزراعي على افكار ماو واعتبره حبل النجاة لملايين الاشخاص، وفي عام 1958 هنأ ماو نفسه بعد أن رأى انتشار موجة الاشتراكية في البلاد. ابدى ماو أسفه لأن رفاقه لا يوافقون على سياسة تدعو إلى إحداث تناغم بين وتيرة التطور الزراعي والوتيرة السريعة للتطور الصناعي لم يأخذ هؤلاء الرفاق التجربة السوفيتية بعين الاعتبار بمعنى ان التصنيع لا يمكن عزلة عن التعاون الزراعي وهنا يبرز تأثر ماوتسي تونغ بالتجربة السوفيتية. كان ماو على اقتناع بأن تطبيق الشيوعية لا يتم الا بتنظيم الفلاحين وفق المصلحة المتبادلة عبر تعاونيات شبه اشتراكية في تعاونيات كبيرة تتبع بالكامل النظام الاشتراكي. في الطريق إلى الشيوعية عبر الغاء ملكية قطع الأراضي الزراعية التي كان قد وزعها في السابق على الفلاحين الفرديين إلى الملكية الجماعية. ان الفارق بين التجربة الصينية والسوفياتية هو البيئة، فالمجتمع الصيني فلاحي لذلك كان تركيز ماو على الفلاحين اكثر حينها لذا كان على ماو فهم الواقع. هذا هو الفارق بين من هو الأسبق الوعي ام الواقع المادي، بمعنى ان الواقع المادي يفرض شروطه.
ماو والزعامة السوفيتية:
نعود ونسأل ويسأل معنا كثيرون عن علاقات ماو مع ستالين؟ قيل وقتئذ إن ستالين كان يكره ماو لأن ستالين أراد من ماو أن يستند على العمال وليس على الفلاحين. بينما كان ماو يكرر باستمرار أن ستالين صديق الشعب الصيني. أوصى ماو منذ عام 1927 بتنفيذ الاصلاح الزراعي لمحاربة الفقر الناتج عن الضرائب وايجار الأراضي الزراعية، ولاقت سياسة ماو هذه ترحيبا من قبل الحمر مما ادى إلى اجتذاب أعداد هائلة من الاعضاء الجدد لحزبه الفتي. اعلن المؤتمر الأول للسوفيات الصينيين في عام 1931 قيام الجمهورية السوفياتية الصينية وانتخب ماو ستي تونغ رئيسا لهذه الجمهورية.
حاول ماو تطبيق مبادئ الشيوعية من إلغاء نظام استغلال المزارعين في كل منطقة يدخل اليها. فصادر عقارات، وأراضي المالكين الكبار، والاقطاعيين ووزعها على الفقراء من الجنسين الذين تزيد اعمارهم عن السادسة عشر. أصبحت الأراضي العامة والمؤسسات الرسمية ملكاً للدولة. ألغيت الديون المتوجبة على الفلاحين للمالكين. في عام 1931 تم إنشاء نظام مصرفي شيوعي وقدرت أموال الدولة وقتئذ بحوالي12 مليون دولار. وهكذا شيئا فشيئاً أقام ماو تسي تونغ إدارة منظمة للجمهورية الجديدة: مصرف إصدار للعملة الصينية، حملت العملة الجديدة صورتي لينين وماركس.
ماو تسي تونغ والزحف الطويل:
تطرق الكاتب لقصة ماو تسي تونغ والزحف الطويل، لقد خلق ماو أسطورته وعظم بالشعر والنثر الزحف الطويل تحدث معاونوه عن حياته البسيطة التي عاشها رغم كونه يحكم مئات الملايين من البشر. اعتنق ماو الماركسية التي كانت النظرية الوحيدة المتوفرة أمامه فارتبط بها ولم يتخلى عنها أبداً مقابل أي ثمن. “لقد كان الزحف الطويل نذيراً أعلن للعالم أجمع أن الجيش الأحمر هو جيش الابطال وإن الامبريالين امثال تشيانغ كاي تشيك لا يساوون شيئاً.” بعد انقضاء أكثر من 55 سنة على بداية الزحف الطويل، هذا الحدث الذي قلب موازين القوى في الصين وأسس قواعد إنشاء دولة عظمى. كان ماو يقود فرق الجيش الأحمر، أنصب الاهتمام السياسي لماو على وضع استراتيجيات وخطط المعارك ونشر آراؤه السياسية بين أتباعه وجنوده. اقام ماو في كهوف مدينة يان غان لمدة أربع عشرة سنة. والسؤال الذي يستحق الطرح هنا: كيف امضى ماو هذه الفترة الطويلة من حياته في ذلك الكهف في ميدنة يان غان؟. في عام 1936 ثار شيانغ كاي تشيك عندما علم وهو في عاصمة حكمة نانكين أن قواته قد انسحبت أمام هجمات اليابانيين وانضمت إلى قوات الجيش الأحمر لمواصلة القتال ضد العود الياباني. والتاريخ يحكى ان في عام 1937 تدخل اليابانيون في ضاحية بكين فردت عليهم قوات شيانغ. لقد توحدت الصين في المقاومة وتم توقيع اتفاق بين ماو وشيانغ ثبتت بموجبة المصالحة بين الزعيمين وقال ماو في عام 1937 “من أجل أن تشترك الأمة بكاملها في حرب المقاومة ألغينا بإرادتنا اسم “الحكومة الثورية للعمال والفلاحين” وأبدلنا اسم الجيش الأحمر باسم الجيش الثوري الوطني وغيرنا سياسة مصادرة أراضي المالكين وخفضت إيجارات الأراضي الزراعية.”
يصف الكاتب كيف قام شيانغ كاي تشيك بمحاربة الشوعيين حيث منعت قواته تحرك الشوعيين في المناطق التي تسيطر عليها قواته أكثر من نشاطها في محاربة اليابانيين. وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1945، شعر ماو تسي تونغ بانحياز الأميركيين إلى جانب شيانغ كاي تشيك ونظام حكمه. رفضت الحكومة الأمريكية تزويد ماو تسي تونغ بالمال الضروري لاستيعاب القوات الصينية المؤيدة لليابان في الجيش الوطني. وعندما طلب ماو من السفير الأمريكي الموافقة على تمثيل الحمر في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي تم خلاله إنشاء منظمة الأمم المتحدة رد عليه السفير باستكبار بأن الحزب الشيوعي لا يشكل أمة. ويبدو واضحا محاربة الولايات المتحدة للأفكار الشيوعية ولافضلية الذات الاستعمارية الغربية على الآخر الشعوب الآسيوية. وهكذا اشتعلت نار الكراهية والغضب تجاه الأميريكين في قلب ماو تسي تونغ، هذه النار التي لم تطفئها أبداً سنوات ما بعد الحرب. استفاد شيانغ كاي تشيك من المساعدات العسكرية والمعونات المالية التي قدمتها له الولايات المتحدة خصوصاً في مجال نقل القوات إلى منشوريا التي أخلاها اليابانيون بموجب معاهدة الاستسلام.
لكن الأميركيين بدأوا يشعرون بتزايد النفوذ الشيوعي في البلاد فحاولوا إجراء مصالحة بين ماو وشيانغ فارسل الجنرال مارشال ولكنه فشل في مهمته وصرح عند عودته إلى بلاده “لقد خسرنا الصين” كما أن الصين كانت ملكاً للولايات المتحدة الأمريكية وخسرتها. ويذكرني ذلك بالتدخل الأمريكي في العراق وافغانستان، حيث كتب بريجنسكي يقول منذ أن بدأت القارات في التدخل سياسيا منذ خمسمائة عام كانت أور- آسيا هي مركز القوة العالمية ومفاتيح السيطرة على هذه المنطقة الواسعة من العالم هو آسيا الوسطى تسعى الولايات المتحدة جاهدة لاحكام السيطرة على العالم، ويبدو ان هذا الأمر كان واضحا فترة الحرب الباردة نظرا لخوف الولايات المتحدة من تزايد النفوذ الشيوعي بالصين أنذاك. وفي عام 1947 قرر شيانغ تنفيذ ضربة موجعة للحزب الشيوعي وضرب ماو تسي تونغ في معقله في عاصمته يان غان. واصدر ماو تعليمات بممارسة حرب العصابات ضد شيانغ وانتصر على هذا الاخير وأصبح ماو سيد الصين بلا منازع.
لقد لاحظت ان مؤلف الكتاب ربط اسم الاسطورة الصينية ماو تسي تونغ بتجربة الماركسية اللينيية من خلال استعراضة لخطابات ماو وتأثره بالتجربة السوفيتية حيث ذكر ماو “إذا اردنا أن نرى الصين دولة غنية وقوية يجب ان نكون مستعدين للقيام بجهود خلال السنوات القادمة لنستلهم التجربة المتقدمة في الاتحاد السوفياتي.”
لقد كان ماو الرجل المسيطر على السياسة الخارجية للصين، واتسمت العلاقات الصينية- الروسية بطابع الصداقة إلا أن التدخل السوفياتي في مضيق فورموزا وعلى ضفاف نهر أمور، وحول منطقة كازاخستان آثر كثيرا على العلاقات الصينية – السوفياتية فترة حكم ماو. لقد كان لماو فضلا كبيراً في تطوير قطاع الصناعة في الصين لكي تصبح ضمن الدول العظمى الاكثر قوة وحضوراً في العالم على الرغم من سياسته التي تميزت بعزل الاقتصاد الصيني عن الاقتصاد العالمي. فترة حكم ماو أصبحت الصين تملك صناعات متطورة لإنتاج السيارات، والطائرات، والسكك الحديدية وبذلك أصبحت الصين تدخل بقوة على مسرح السياسة الخارجية وبفضل سياسة ماو أصبح للصين في الوقت الحاضر ثقلها الدولي المؤثر على نطاق العالم أجمع. أن تأثير الصين المعنوي على مجريات الأمور في الشرق الأوسط لا يمكن تجاهله على الاطلاق.
في عام 1920 بدأ ماو تسي تونغ يدرس مبادئ الماركسية اللينينية وبالأخص مفهوم العالم وعالمية التناقض والطبيعة الخاصة للتناقض وتعريف المضادات والصراع فيما بينها، ومكان العداء في سلسلة من التناقضات ووصل إلى الإستنتاج إن قانون التناقض هو القانون الأساسي للفكر وإنه يعارض مباشرة المفهوم الميتافيزيقي أي التجريدي. رفض ماو الميتافيزيقية وأعجبته الجدلية. قال ماو حول التناقض ما يلي “توجد التناقضات بين الحكومة والجماهير ويؤدي هذا التناقض ضمنياً أي التناقض بين مصالح الدولة والمصالح الجماعية والمصالح الخاصة أي بين الديموقراطية والمركزية وبين الرجال في الحكم والرجال الحكومين وإلى التناقضات التي تولد بفعل الممارسات البيروقراطية لبعض المسؤولين في علاقتهم مع الجماهير.” ما لاحظته ان منتقدي ماو ينكرون وجود طرف رئيسي وطرف ثانوي ضمن التناقض الأساسي ويعلنون معارضتهم لتعيين ماو لطرفي التناقض. وهم لا يدركون ان المادية الديالكتيكية لا تنظر لطرفي التناقض دون تحديد دور كل منهما بالنسبة الى الآخر، ولذلك نراهم يلصقون النعوت دون سند ويقفزون من قضية إلى أخرى.
لقد وضح مدبك كيف انصب تأنيب ماو على الكتاب والفنانين الذين لا يعرفون طبيعة ونفسية العمال والفلاحين والجنود والمحاربين فعلى سبيل المثال ذكر ماو: “عندما كنت في المدرسة كنت اعتبر المثقفين أنظف اشخاص في العالم واعتبرا العمال والفلاحين قذرين. ولكن بصورة تدريجية بدأت أعرف خلال المعارك طبيعة العمال والفلاحين وفهمت عندئذ بأن من المحتمل ان تكون ايدي العمال والفلاحين قذرة وأقدامهم متسخة ولكنهم يظلون انظف من كافة المثقفين البرجوازيين. لذلك قررت أن أجد حلا نهائيا لعلاقات حزبنا مع جماهير الشعب.” حيث اعتبر ان الادب والفن الثوريين هما نتاج انعكاس حياة الشعب في ضمير الكاتب الثوري. ولذلك يجب ان يكون الفن والادب على مستوى أرفع مما هما عليه الآن. حيث استشهد ماو باقوال لينين عندما قال إن الأدب يجب ان يصبح من القضية العامة للبروليتاريا.
الخلاصة:
ما لاحظته ان المؤلف كان غائبا اثناء النص لقد كان النص عرض تاريخي لحياة ماو تسي تونغ منذ ولادته ودخوله الميدان السياسي، واهتماماته الشعرية، والفنية، لغاية مماته. لم يكن النص تحليلي بقدر ما كان وصفي تاريخي لخطابات، ومقالات، واقوال ماو تسي تونغ. وعلى الرغم من السرد التاريخي لخطابات ماو تسي تونغ في مختلف الميادين: السياسية، التاريخية، الشعرية، الفنية. إلا ان هذا العرض للكتاب المرفق ببعض ملاحظاتي حوله لا يقلل من اهميته لأنه يجعل القارئ يشعر ان الأسطورة الصينية(ماو تسي تونغ) يعيش بالكلمات التي كتبها من فترة طويلة.
في اقل من جيل حول ماو تسي تونغ الصين من أمة متخلفة إلى سلطة عالمية، وبعد عدة مجازفات أصبح ماو قائداً للصين فقد قفز قفزتة عظيمة في تحويل البلاد وجعلها بلاداً متفتحة وثالث أكبر جيش على الأرض، مغيراً ميزان القوى في العالم. وقد صدق هتلر عندما قال الصين عملاق نائم فلا توقظوه. التاريخ لم يتوقف عند انهيار الاتحاد السوفياتي، وما هي إلا عدة سنوات حتى بدأت تظهر قوى جديدة على الساحة الدولية، منها من تتحدى الإدارة الأميركية، ومنها من أخذت تفرض نفسها على الساحة الدولية، ومن هذه القوى: ظهرت الصين كقوة اقتصادية صاعدة بتسارع قوي، وهي مصنفة الآن كثاني أقوى اقتصاد على المستوى العالمي . فهى احدى الدول العظمى التي احتلت مقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي، وتعتبر القوة الاقتصادية الرائدة في عالم اليوم، ما المطلوب من الصين حالياً للحفاظ على هذه القوة؟ وما مدى تأثير افكار ماو تسي تونغ على ريادة وتطور الصين؟ وهل يمكن الحديث عن الماركسية اللينينية بمعزل عن ماو تسي تونغ؟ وهل من المتوقع ان تصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى عالميا في السنوات القادمة؟ وهل تشكل الصين قوة عظمى في القريب العاجل بما يمكنها من إزاحة الولايات المتحدة الأميركية المتربعة على عرش قيادة العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن؟
______
تابعوا مجلة “كنعان” الفصلية على الرابط التالي:
http://kanaanonline.org/
تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على:
- · “كنعان” بالعربية:
http://kanaanonline.org/
- · “كنعان” بالانكليزية:
http://kanaanonline.org/
- · “فيس بوك” Facebook:
http://www.facebook.com/pages/
- · “تويتر” Twitter:
http://twitter.com/#!/
- · موقع “كنعان” من عام 2001 الى 2008:
http://www.kanaanonline.org/
- الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري “كنعان”.
- · عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى “كنعان”.
- · يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان “كنعان” الالكتروني: mail@kanaanonline.org
- Please write to us or send your contributions to: mail@kanaanonline.org.
- To subscribe to our mailing list, please send a blank e-mail message to arabic-join@kanaanonline.org.
- To unsubscribe from our mailing list, please send a blank e-mail message to arabic-leave@kanaanonline.org.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها وليس عن رأي موقع الصفصاف.