آفلون وتحوُّلات…ولصوص يمكِّنهم انهزاميون! – عبد اللطيف مهنا
نتنياهو مرتشٍ وفاسد. هذا هو ما توصَّلت إليه تحقيقات شرطة كيانه الاحتلالي وأوصت به لنائبه العام. ومن ثم، بدأ الإعلام تداول ما عده بداية العد التنازلي لمسيرة المتهم السياسية…ما يتهم به نتنياهو سبقه إليه عديد من قادة هذا الكيان وبدا وكأنما هو سمة لسياسييه. سبقه لهذا أولمرت وحكم عليه بالسجن وأُخلى سبيله العام الماضي، وقبل أولمرت أفلت شارون من ذات المصير بإلقاء ملف رشاويه وفساده على كاهل ابنه عومري فسجن بدلاً منه، وكان رابين قد أُكره على الاستقالة لاكتشاف امتلاكه هو وزوجته حساباً بالدولار في بنك أميركي، كما وأن الوزير ارييه درعي قد سجن لجناية رشوة يضاف إليها السرقة، ولم يتوقف الأمر عند الرشوة والسرقة، إذ أن واحداً كان في موقع يطلقون عليه “رئيس الدولة”، هو موشيه قصَّاب، قد اطلق سراحه قبل ما يزيد قليلاً على العام بعد حكم بالسجن لسبعة أعوام لقيامه باغتصاب مساعدته مرتين عندما كان وزيراً، وتحرُّشه باثنتين عندما اصبح رئيساً.
مثل هذه الأمور ليست بالمستغربة في كيان استعماري استيطانيٍ قام أصلاً على اغتصاب وطن الآخرين وسرقة ارضهم، وإذ مثل هؤلاء يديرونه وهو القائم على اللصوصية، فهم لم يرتقوا إلى سدة قراره، إلا لأنهم قد تميَّزوا في إدارة سياسة هذه السرقة. لكنما المشكلة هي في استعداد التسوويين، فلسطينيين وعرباً، لأن يعلقوا أوهامهم المزمنة والدائمة على كل ما ينعشها كرحيل نتنياهو المحتمل بعد أشهر، متناسين واحدة من حقائق هذا الكيان، والتي يوفرها له بؤس الراهنين الفلسطيني والعربي وتغوُّل العدوانية الأميركية، وهي أن ذهاب أي حاكم في هكذا كيان يخلفه بالضرورة آخر أكثر مغالاة في عدوانيته من سابقه، ذلكم لغياب ما يردع وتوفر ما يستحث، بحيث لو افترضنا أنهم جاءوا بغاندي من بينهم فلن يقل عدوانيةً عن بينت وليبرمان، بل لجعل واهمينا يترحمون على نتنياهو!
اتهام نتنياهو وتكذيب واشنطن لتواصله معها بشأن ضم مستعمرات الضفة، وصدور تصريحات أميركية تعتبرها “تعقِّد عملية السلام”، قد يجد فيه الواهمون ما يساعدهم على تبرير مواصلة مراهناتهم التسووية، وإن لم يتبقَ لديهم ما يتنازلون عنه، بعد اخراج القدس واللاجئين من بازار المفاوضات، حيث يقول وزير خارجية السلطة المالكي حول “صفقة القرن” مثلاً، إن “الصفقة حصلت مع الجانب الإسرائيلي، والإدارة الأميركية قررت اعتماد الجانب الإسرائيلي كموقف أميركي رسمي”…
وإذ لا من متغير في ثابت العلاقة العضوية بين اميركا واسرائيلها، مهما تغيَّرت الإدارات ومسميات قاطني البيت الأبيض، باستثناء أنَ ترامب لا يقل عدوانيةً عن كل من دخلوا السجن أو سيدخلونه من غلاتها في الكيان اللصوصي، فما هو المعروض على رام الله سوى الاستسلام؟!
كما وإذ لا من متغيِّر أميركي، فما من متغيِّر اوسلوي ايضاً. ما حدث في جنين مؤخراً من المؤكد أنه حتى جابوتنسكي لم يكن ليحلم به. ارسل المحتلون سيارةً بها جندي ومجنَّدة إلى داخل المدينة المعادية فيما يشبه الاختبار، ونقول ارسلوا وكاختبار، لأنه من غير المعقول أنها قد ضلت، كما يُزعم، وهي قد دخلتها عبر حواجز الاحتلال العسكرية. وبطبيعة الحال لم يتوان الأهالي في محاصر السيارة والقبض على المتسللين وتجريدهما من سلاحهما وإيساعهما ضرباً، فما كان من أجهزة السلطة إلا أن هبت للقيام بما تراه من مهامها وهو انقاذ جنديي الاحتلال، فأطلقت الأعيرة النارية لتفريق المواطنين وإعادتهما سالمين من حيث أتيا، وظلت تبحث عن سلاحهما حتى عثرت عليه واعادته للمحتلين!
في هذا الاختبار نجحت السلطة حتى عند كارهها ليبرمان، الذي كان يعتبرها “قائمة لأن إسرائيل تحمي أمنها وتحافظ على بقائها”. في هذه المرة أشاد ليبرمان بدورها، اعطاها شهادة حسن سير وسلوك، قال: “إننا نرى ثمار التنسيق الأمني، ينبغي الثناء على التنسيق الأمني، والثناء أيضاً على الشرطة الفلسطينية. يدرك الفلسطينيون أن التعاون الأمني مصلحة متبادلة ومشتركة، لذلك فنحن أيضاً نقوم بالحفاظ عليه، كما أن حقيقة قيام الجانب الفلسطيني بإعادة السلاح فجر اليوم، تؤكد أن التنسيق الأمني عميق ميدانياً، وآمل أن يستمر هذا الأمر”!
هشاشة الكيان الاحتلالي تتستر خلف تغوُّله وتتلطى خلف ترسانة فتكه الهائلة، لكنما ما يغطي عليها أكثر ويدفعها لمزيد من الفجور هو الانهزامية، وبوجهيها العربي والفلسطيني…هذه المشيحة عامدةً كي لا تلحظ مسألتين:
الأولى: إن هذا الكيان المفتعل قد بلغ حدود قوته وقدرته على الاحتلال والتوسُّع، ذلكم كان منذ الألفين حين انكفأ مدحوراً أمام المقاومة اللبنانية، مروراً بإفشالها لحربه العدوانية عام 2006، ففشل حروبه العدوانية الثلاث على غزة…إلى جانب كون راعيه ومتعهده وشريكه في كل عدوانياته على الأمة العربية، الولايات المتحدة، قد أضحت امبراطوريتها الكونية تدرج في بدايات طور أفولها، أو ما بات الآن حديث النخب الأميركية وقيد تداولها.
والثانية: إن اسقاط ميامين الجيش العربي السوري لل f16 العدوة هو مجرَّد بداية تأشير على تحوُّل استراتيجي له ما بعده، ليس على صعيد محور المقاومة ونهج المواجه فحسب، وإنما على الصعيدين الإقليمي والكوني.