أأنتم بلا إنتماء نهائيّاً؟ – رشاد أبوشاور
ولست أنتظر الجواب على سؤالي الموجه كما هو واضح إليهم، أقصد إلى مثقفين يدّعون أنهم مشغولون بالأسئلة العميقة التي لا تنشغل بكّل ما هو مباشر وآني!.
عرفت هؤلاء وأسئلتهم التضليلية منذ كنّا في بيروت، بينما المعركة محتدمة مع من يحاصرون بيروت، من صبّوا عليها صواريخ فراغية جعلت الفراغ، بالأصح التفريغ من الهواء في البناية يبتلعها، علما أنها بناية من ستة طوابق بمن فيها..وتطمسها عميقا في التراب وتدفنها في الرمل وكأنها لم تكن!.
عدونا هو هو، لم يتغيّر، والعدو أم ي ر..كا صاحبة تلك الصواريخ، ومن يسقطها على الأبنية والناس: الكيان الصهيوني المحمي والمموّل والمسلّح بكّل الأسلحة التي تبيد الفلسطينيين بخاصة والعرب المقاومين بعامة.
في تلك الأيام، أيّام معركة بيروت 1982، تقدّم عدد من الصحفيين والكتّاب والمثقفين الفلسطينيين بخاصة، والعرب بعامة، ممن كانوا في بيروت، وانهمكوا معا في الكتابة لجرية ( المعركة) التي صدرت يوميّا، وكان هناك من يوزعونها على محاور القتال ويوصلونها تحت النار فيتلقفها المقاتلون الصامدون وجها لوجه مع حشودات جيش العدو الذي كان يتربّص ببيروت.. بيروت الغربيّة، فبيروت الشرقية كانت صديقة لقوات ال ع د..و التي كان يقودها (الجنرال شارون) الذي عرفنا في تلك الأيّام أنه يصعد على سطح فندق (الكسندر) ليتأمل بيروت الغربية وهي تحترق بنيران مدافع وصواريخ (جيشه) التي كانت تزوده بها أمري..كا التي تدّعي أنها( وسيط) نزيه، في حين أنها كانت تتلهف على هزيمة المقاومة في بيروت (الغربيّة)، المقاومة الفلسطينيّة واللبنانية التي تواصلت حتى رحيل المقاومين الفلسطينيين وتوزيعهم في بلاد العرب التي يحكمها من لم يقدّموا شيئا لبيروت الغربية وعربها الفلسطينيين واللبنانيين..باستثناء الجيش العربي السوري (اللواء 85)، والجيش الذي تقدم وعبر الحدود وخاض معارك قاسية مع جيش الاحتلال في الجبل وباتجاه الجنوب اللبناني…
وجد في بيروت كتّاب كثيرون، قلة انحازت للمقاومة وكتبت للمعركة، وانحازت لإذاعة الثورة الفلسطينيّة، وإذاعة صوت لبنان العربي المرابطية اللبنانية، واختفى كثيرون، أو لاذوا بالهرب عن طريق بيروت الشرقيّة! وأولئك منهم من كانوا يدّعون الثورية والتقدميّة واليسارية، وفي اختبار بيروت المقاومة سقطوا سقوطا يليق بالكاذبين المدعين.
في 7 تشرين أوّل لم نسأل أنفسنا عن هوية من فجّروا الطوفان، طوفان الأقصى، لأننا انتظرناه، وأملنا أن نراه يحدث ونحن أحياء خاصة وقد تقدمنا في العمر، وامتلأت قلوبنا بالمرارة ونحن نرى ما فعله التوقيع على اتفاق أوسلو في حدائق البيت الأبيض يوم 13أيلول 1993..والذي خدع العرب الفلسطينيين بالرعاية الأمريكيّة، ثم بالتضليل المتواصل والخداع الأمريكي، و..التسكين ببعض الوعود الوهمية والمساعدات التافهة، بينما جرافات ومستوطنو الكيان الص..هي..وني وبحماية جيشه تبتلع الأرض الفلسطينيّة، والناس مشدوهون في حيرة فهم وضعوا في حصار وحالة تيه، وكثير من (دول) العرب تُغلق عليهم ولا تمنحهم الأمل والتنفّس..وامتّد زمن الحيرة والتيه والضياع حتى فجر ال7.. من.. تش..رين، و..فجأة أيقظ الطوفان الشعب العربي الفلسطيني الذي يقاوم منذ اجتاح الاحتلال البريطاني فلسطين حاملاً (وع..د بل..ف..ور) لتنفيذه بقهر الفلسطينيين الذين لم يتلكأوا بقتاله حتى عام 1948..حيث أُوقف القتال وطورد أبطال فلسطين، والجموا إلى أن أنبثقت م.ت.ف..وأطلقت الرصاصة الأولى الموقظة يوم 1/1/ 1965…وبدأ فجر فلسطيني جديد..نعرف مآلات تبديده والغرق في متاهة الأوهام.
المثقفون الفلسطينيون كان لهم دور، ومنهم من استشهد، أو جُرح، وكتبوا شعرا ونثرا ..وبرز منهم من لا يمكن أن يُنسوا، وفي المتاهة بعد بيروت، وتشرّد ما بعد بيروت، لمع منهم من انخرطوا في الانتفاضة الكبرى التي امتدت حتى(أو..س..لو)..والتيه الذي ابتلع انتفاضة أذهلت العالم، وأيقظت الوطن العربي على إبداعات زمن الحجارة!.
أصوات قليلة حذّرت من أوهام ( أُوسلو) ووعود أمي..ركا الخُلّب والتي امتدت حتى بزغ فجر طوفان الأقصى والذي ملأ نوره سماء العالم، وأيقظ ضمائر من لم يحتملوا جرائم الكيان الص..هي..وني المتوحش، فانفجرت الجامعات غاضبة في ولايات أم..ير..كا، بداية من نيويورك، وبخاصة جامعة كولومبيا، ثم لتمتد إلى واشنطن..وأبعد منها في كل ولايات أميركا متحدية القمع رافعة شعارا مبدئيّا: دولة فلس..طين..ية من الن..هر إلى الب..حر..وليس هذا بالشعار المتطرّف، ولكنه شعار مبدئي منصف لفلسطين وشعبها رافض للص..هي..وني..ة ولعنصريتها..وها هو ينتشر في جامعات العالم، والجامعات مراكز الثقافة، ومشاريع للمستقبل الإنساني الأخلاقي الذي ينصف البشر جميعا، ويرفض الهيمنة والمسخ والقهر والوحشية والعنصرية.,وهذه بعض صفات الإمب..ري..الية الأم..ريك..يّة المرتعبة من طوفان الأ..قص..ى..الطوفان المجتاح للعالم، وهو ما لم يكن متوقعا بعد عقود من تخدير الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وتهميش فلسطينيي الشتات.
فناّنون، مفكرون، كتّاب..كبار، أمريكيون وأوربيون، وأساتذة جامعيون، يعلنون انحيازهم لشعب فلسطين لحريّته وحرّية وطنه فلسطين، ويدفعون ثمن انحيازهم..بينما حالة صمت تسود جامعات (دول) العرب..إلاّ قليلاً، والمثقفون والكتاب والفنانون غائبون متبلدو الإحساس..فإلى متى حالة الهوان والتفاهة والتساوق مع مشيئة حكّ..ام دول لا هوية لها ولا انتماء؟!.
أتراكم كنتم تنتظرون من مؤتمر قمّة( المنامة) الذي يكمل بؤس مؤتمر قمة (الرياض) العربي الإسلامي أن يدفع بجيوش تنقذ فلس..طي..ن وشعبها من الوحشية الص..هيو..نيّ..ة والانحياز الأمريكي الذي يضخ المال وكل أنواع الأسلحة بإشراف رئيس أميركا الص..هي..و..ني بايدن لمزيد من ذبح الفلسطينيين؟!
هم في حقيقة قمتهم يتمنون (نهاية) الطوفان الذي يتهدد كياناتهم التاب..عة أمريكيّا، المتصالحة المطبعة صهيونيّا، وعنهم تصدر بيانات تافهة مخزية لهم تُعبّر عن تواصل خذلان شعوب الأمة..والتآمر على فلسطين قضية العرب الأولى التي طالما تآمروا عليها.
أمّا أنتم أيها ( المثقفون) فتواصلون غيابكم، كأنكم تأخذون منومات تخدّر وعيكم وتغيّبكم، بحيث لا تسمعون ولا ترون ولا تفعلون..واأسفاه!.
فلسطين تمضي إلى مجدها، من جنوبها تأتيها النجدة مّمن انطلقوا في مقاومت..هم من بيروت عام 1982 وهاهم يواصلون بضراوة، هم الذين اكتسحوا الاجتياح واقتلعوه حتى أقصى الجنوب ورموا أدوات الاحتلال في حضنه مرذولين مهانين، وها هم بمقاومتهم يفرّغون كل مستعمرات الشمال ويحولون سكّانها إلى( لاجئين) في بلاد ليست لهم..وفي أقصى بلاد العرب اندفع اليمنيون وأغلقوا البحر.. الأ..حمر وحرموا ميناء أم الرشراش(إيلات) الفلسطيني من وصول سفن شحن البضائع للكيان الغاصب..ومن العراق تنطلق صواريخ المجاهدين لتقصف في الجولان، وفي عمق فلسطين.
أكل هذا لا يحرك وعيّكم، وانتماء نسيتم روعته وعظمته وكبرياء من يعتنقه؟!.
هل ستواصلون تضييع الفرصة التي انفتحت لكم، والتي تمنح كل من يعتنقها ويعمل بهديها احترام شعبه وأمته..تمنح للمثقف المنتمي السائر في مقدمة شعبه وكلمته ودمه على كفّه كما لو أنه غزّاوي حقيقي..ينتمي لفلسطين التي باتت قضيّة الإنسانية فتمتلىء نفسه بالكبرياء والفخر..فهذا ما تمنحه فلسطين لكّل من ينتمي لها، بأي لغة يهتف لها، وإلى أي بلد وأمة ينتمي..وفلس..ط..ين اليوم قضيّة البشريّة جمعاء..ألستم من هذا العالم؟!.
رشاد أبوشاور
*22أيار2024 يوم الأربعاء