*”أبوكاليبس ناو” الاسطورة السينمائية الحربية الفريدة:
“القيامة الآن” لكوبولا/3/2019/(1979):
باسل مهند النابلسي/كاتب سينمائي
*”أبوكاليبس ناو” الاسطورة السينمائية الحربية الفريدة:
*التحفة السينمائية تتجدد للمرة الرابعة بنسخة 2019 الجديدة الطويلة الكاشفة لتفاصيل جديدة شيقة!
*معلومات مجهولة ومقتطفات مشهدية لافتة:
*أمريكا لا تعتبر فالمفروض أن اعادة عرض الشريط تنفر من الحروب وليس العكس!
*تراوحت ميزانية الفيلم من 14 الى 31 ونصف مليون دولار وتجاوزت فترتي الانتاج والتصوير والمونتاج فترة الستة اشهر المقررة لتصل لأكثر من ثلاث سنوات.
*الفيلم مشتق عن رواية جوزيف كونراد الشهيرة “قلب الظلام”، وقد عانى “مارتين شين” من جلطة قلبية خلال التصوير، وأعطي مارلون براندو حوالي 3 ونصف مليون دولار لاجمالي 15 دقيقة من التصوير فقط!
*أما الكولونيل كورتز في الفيلم فهو شخصية حقيقية، وكان اسمه الحقيقي “أنتوني خوشيبني”، وقد تم ارساله بالسر لتدريب جيش خفي للمخابرات في مناطق القبائل في لاؤس لمواجهة “الفيتكونغ”، وتماما كما في الفيلم فقد قطع عدة رؤوس في مواقع الخصم وعلقها للتخويف النفسي (كما فعلت داعش وما زالت)!
*تم تعليق الرؤوس المقطوعة على دعائم في مدخل المنطقة، وتبين ان المسؤول كان ينهب الجثث البشرية من المقابر ويبيعها للقائمين على الفيلم…
*كان المفروض ان يكون المخرج الأصلي للفيلم جورج لوكاس، وكان يسعى لتصوير فيلم نهاية العالم كفيلم وثائقي عن جحيم حرب فيتنام بحجم تصوير 16 مم مع جنود حقيقيين، لكنه انشغل كثيرا بفيلمي “حرب النجوم وامريكان جرافيتي”، واضطر لترك المشروع فاعطي لكوبولا.
*يمكنك الاستمتاع بمشاهدة اعادة الاصدار لعام 2001، وهي النسخة الوحيدة المتاحة تجاريا، فقد أضاف لها كوبولا 49 جقيقة الى وقت التسجيل الأساسي، واستخدمت تقنيات تلوين خاصة، حيث تطلب الأمر وضع طبقات جديدة من “النيجاتيف” لتشبييع الألوان وتغميقها وتوضيح الخطوط السوداء والمساحات اللونية، مما تطلب قطع النيجاتيف الأصلي للفيلم، وقد وافق كوبولا مرغما على ذلك لتحسين النسخة الاولى الصلية للاصدار (1979).
*احتجت الرابطة الأمريكية للانسانية على طريقة اظهار ذبح الجاموس المائي في الفيلم!
*أبدع محرر الصوت بتسجيل أصوات احدث أصوات البنادق والرشاشات والقذائف العسكرية على نظام دولبي الصوتي الجديد لاصدار نسخة ال 70مم، ثم ركب قناتين للصوت خلف الجمهور، وثلاثة وراء الشاشة لاحداث التاثير الصوتي المطلوب…
*استندت مراجع الفيلم الوثائقية لأعمال السينمائي الألماني “فيرنر هيرتزوغ” وللشاعر ت.اس .اليوت وللمؤلف الموسيقي مايكل هير …وقد كانت الجملة الرئيسية (التي بدت كشعارا للفيلم): “احب رائحة النابالم في الصباح” أصلية تماما.
*تم التصوير في الفيليبين/ وأقرض فيردناند ماركوس الرئيس طائرات الهليوكوبتر للتصوير، وكان عليه سحبها أحيانا للقتال الفعلي ضد جيش المتمردين في الجنوب!
*ملخص نقدي موجز:
اصدار جديد وحصد الجوائز العالمية…
*نال هذا الشريط علامة مرتفعة جدا على مقياس الطماطم الفاسدة النقدي العالمي وصل ل98% ولخص بانه يمثل ملحمة جريئة ذات رؤيا، وبانه برع بطريقة اعادة انشاء شخصيات تلك التجربة “الكابوسية” بشكل ملموس واقعي، وبأنه تضمن لقطات حابسة للأنفاس ببعد عاطفي مؤثر وكأنا نحضر مسرحية تفاعلية فريدة. كما يعد بانه عمل سينمائي عظيم جديد لكوبولا، وربما أفضل افلام حرب فيتنام: بتجاوزه للتعبير عن الأماكن المظلمة للروح الانسانية، كما بدا كفيلم معادي للحرب كاشفا وحشيتها بلا هدف في ظل غياب القيادة العسكرية المسؤولة “ذات الرؤيا”، مع مشاهد عدة تدين الطبيعة والبشر والظروف، حيث تتعرض الناس البريئة للوحشية والتعذيب والتشويه والقتل ربما المجاني احيانا!
*نجح الاصدار الجديد 2011 وعرض بدور العرض البريطانية، واعطي تقييم خمسة نجوم كبديل لاصدار عام 2001، وووصف باختصار بأنه أعطى “انف كامل حساس للنابالم” (وكالعادة تم تجاهل هذه الاصدارات الحديثة القيمة في البلاد العربية النايمة في العسل وبكم كبير من الأفلام التجارية التافهة، كما تم تجاهله بنوادي السينما النخبوية التي تغرقنا أحيانا بافلام متقادمة بلا عمق ومغزى عن حيوات هامشية تافهة بلا معنى، وتبقى عموما بعيدة عن روح العصر وتجلياته الملحة).
*قوبل عرض مهرجان كان بالعام 1979 بتصفيق مطول ووصف الفيلم بأنه قدم “حرب فيتنام” ذاتها كما حدثت دون رتوش وتزويق ومبالغات درامية، وفاز بجدارة جائزة السعفة الذهبية لأفضل فيلم مناصفة مع فيلم الألماني فولكر شلوندروف “طبلة الصفيح” مما استدعى سخرية الجمهور لضعف المقارنة، وقد لخص كوبولا معاناته أثناء انتاج الفيلم بكلمات معبرة قليلة: لقد حصلت على الكثير من المال والمعدات وخسرت الكثير وشيئا فشيئا كنا جميعا نتجه للجنون!
*أخيرا في ابريل 2019 قام كوبولا بعرض “أبوكاليبس ناو” بشكله الأخير (للمرة الرابعة تقريبا) للاستعراض الأربعين لمهرجان “تريبيكا” السينمائي الدولي، حيث تجاوزت فترة العرض الثلاث ساعات بقليل، وقطع حوالي العشرين دقيقة من المادة المضافة بنسخة الريدوكس الشهيرة، وتشمل هذه المشاهد المحذوفة أجزاء من مشاهد المزارع وقراءة “كورتز” لمجلة التايم وغيرها، وقد فاز الفيلم بحوالي 12 جائزة اجمالية عن الاخراج والممثل المساعد (لفريدريك فوريست مع ترشيح روبرت دوفال للاوسكار)، وكذلك التصوير والصوت، وقد تضمنت جوائز سعفة كان الذهبية والجولدن جلوب والاوسكار. هكذا فقصص التحف السينمائية وظروف صناعتها وانتاجها واخراجها لا تنتهي مع عرضها وانما تبقى تتجدد على مر العقود وخاصة ان واجه انتاجها صعوبات وتحديات كبيرة وبقي مخرجها وفيا وشغوفا كما بحالة كوبولا وليس كما نشاهد الآن من التفاهات والتعليقات مع قلة المعاناة وعدم الجدية حيث نلاحظ أن معظم الممثلين يتفاعلون بسخرية واستهزاء ولامبالاة مع أحداث أفلامهم وكذلك المخرجين ، علما بأن تاريخنا السينمائي العربي فقير نسبيا بمثل هذه القصص وملابساتها مع وجود عدد لا يستهان بها من التحف السينمائية العربية القديمة والحديثة، والتي تم نسيانها مع التقادم واللامبالاة ووفاة صناعها وافتقاد النقد السينمائي العربي عموما لمؤرخي السينما الشغوفين المتخصصين الموضوعيين “غير المتحيزين”!
*مقتطفات لافتة من أحداث الفيلم: حجز ومحاضرة وقتل وهروب!
*فهناك محاولة فاشلة لقتل ويلارد بواسطة رمح، لكن هذا الخير يخنق الرئيس ويدفنه في النهر، ثم يكشف عن مهمته.
*وعندما يصلون لموقع مجمع المعبد”أنجور” المهجور منذ فترة طويلة، يشاهدون جثثا ملقاة ورؤوسا مقطوعة!
*يستقبل ويلارد وكل من الشيف ولانس مصورا صحفيا امريكيا يشيد بعبقرية كورتز، وأثناء تجوالهم يشاهدون جنودا امريكان في جيش كورتز المنشق، فيعود ويلارد ثم يغادر الشيف على متن القارب، ويأمر بالاقدام على غارة جوية مرتين على الموقع مسبقا اذا لم يعد ويلارد ولانس…
*في المخيم يبدو ويلارد مهزوما وضعيفا امام كورتز في معبد مظلم حيث يتم احتجازه لعدة ايام، وخلال هذه الفترة يقتل كورتز الشيف، مما يعيق انطلاق الغارة الجوية المتوقعة على الموقع، فيتم اطلاق سراح ويلارد الذي يتجول بحرية في المجمع، ويحاضره كورتز عن نظرياته عن الحرب والحالة الانسانية والحضارة والعبث الوجودي والمغزى الحقيقي للحرب، منددا بقسوة خصومه وعنادهم “الفيت كونغ”، لكنه يبدو كذلك معجبا بشجاعتهم وعنادهم ووحشيتهم القتالية، ثم يناقش معه موضوع عائلته ويطلب من ويلارد ان يخبر ابنه عنه بعد وفاته…
*وفي تلك الليلة، وعند قيام “مونتانارد” بذبح جاموس مائي، يدخل ويلارد لغرفة كورتز المنشغل بتسجيل صوتي، ويهاجمه بمنجل، فيصيبه بجرح قاتل، فينطق كورتز بألم “مسرحي” “الرعب…الرعب”! ويموت، فيرى كل من المجمع ويلارد وهو يغادر هاربا، حاملا مجموعة من كتابات ومتعلقات كورتز، فيقود لانس ويلارد الى القارب المنتظر ويبحرون بعيدا هاربين مذعورين…ثم نسمع في المشاهد الأخيرة كلمات كورتز الأخيرة تتردد مداها في انحاء المجمع بشكل مخيف ساحري بالفلاش باك…حيث يبدو كل شيء وقد تحول الى اللون الأسود القاتم!
*البعد الرومانسي الغرائبي لشخصية كورتز ومشاهد جديدة سيريالية ووحشية:
*فقد استخدم شعر ت.اس.اليوت بقوة وتناغم قبل وفاته بفترة وجيزة، وتحديدا جزء من قصيدة “الرجال المجوفون”…ثم نشاهد على مكتب كورتز كتابات من الطقوس الرومانسية، ذاكرا اليوت كمصدر رئيسي للالهام بقصيدته الشهيرة “أرض النفايات”، وخصوصا المقطع من قلب الظلام الذي ينتهي بكلمات كورتز النهائية. حيث يصف المصور الصحفي قيمته الخاصة لكورتز بقوله: “كان ينبغي أن اكون زوجا من المخالب الخشنة الملتوية عبر ارضيات البحار الصامتة”!
*تستعيد النسخة التي صدرت في العام 2001 مشاهد جديدة مدتها 49 دقيقة من تصوير الفيلم الأصلي، فنرى قاربا يمر ببطء من الذيل العملاق لقاذفة البي52 الضخمة، ونتأمل مزرعة مطاطية لعائلة فرنسية استعمارية، تشكل رصيفا لبقايا استعمار الهند الصينية الفرنسية، ونسمع قراءة هادئة لقصيدة بودلير…ثم:
*هناك مشاهد قتالية اضافية تصور قبل ان يلتقي “كيلجور” مع ويلارد، تتضمن مشاهد فكاهية يسرق فيه ويلارد لوح كيلجور لركوب الأمواج للبحث عن المانغو، ثم مشهد منفرد لكورتز وهو يقرأ مقالا بمجلة تايم عن الحرب، محاطا باطفال كمبوديين بائسين منصتين، مع مشهد سيريالي لقرود هائمة في الأنحاء مع قاربين ورياح تعصف بالشراع كاشفة عن “فيتكونغ” عاريا مسمرا الى ذراع شراع القارب، مكشوف الجسد ومشدود الشعر وكأنه تعرض بوحشية للجلد والاخصاء قبل أن يقتل بضراوة!