أبو جمال حمد الحلقة الرابعة – من ذكريات وحكايات مخيم عين الحلوة
عن الأعمال الشاقة بصيدا بداية النكبة وعن إلتفاتة طيبة من والديّ الأخوين أحمد عرسان واللينو.
بعد اللجوء الى مخيم عين الحلوة كانت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيم صعبة للغاية ولم يكن العثور على أشغال بالأمر اليسير، إلا إذا كان عملاً في الأشغال الصعبة والأعمال الشاقة… ولأن أهالينا كانوا بحاجة لتوفير لقمة العيش في خيامهم بالمخيم، فقد كانوا يضطرون للعمل في أي شغلة وغالبيتها كانت أشغالاً مرهقة وشاقة مقابل قليل من المال.
أبي وعمي كان عليهما في ذلك الوقت العصيب من الزمن الكارثي الفلسطيني بالتوقيت الفجاعي المخيمي، مساعدة والديهما الطاعنين في السن. فتوجها للعمل عند أحد الاقطاعيين اللبنانيين في مدينة صيدا، الذي كان يملك بساتيناً من الحمضيات بالإضافة لأراضي بور صخرية وترابية شاسعة تحتاج لمن ينظفها من تلك الصخور والحجارة والأشواك والخ.
لقد عمل عند الإقطاعي الصيداوي عدداً آخر من الفلسطينيين من المخيم منهم على صعيد المثال لا الحصر والد الصديق أحمد عرسان عيسى من صفورية وشقيقه والد الأخ (اللينو). كان الجميع يعملون على إزالة الحجارة الكبيرة والصخورالصغيرة من الأرض البور الشاسعة، بغية إستصلاحها لكي تصبح فيما بعد صالحة للزراعة أو لأمور أخرى.
في المكان الذي عمل فيه والدي أبو جمال حمد مع عمي أبو حسين حمد لسوء حظهما كانت الحجارة هناك صلبة جداً وكبيرة وثقيلة واحتاج منهما تنظيف الأرض تلك لوقت طويل، ولم يستطيعا وحدهما القيام بكل ذلك فالعمل في مثل ذلك الوضع كان يحتاج لأثنين إضافيين لأنهائه بسرعة. على مقربة كان يعمل الشقيقان عيسى من صفورية ولحسن حظهما كانت قطعة الأرض التي عملا بها مريحة وحجارتها غير ثقيلة وسهلة النقل.
اقتربت الشمس في ذلك اليوم الشاق من الغروب فيما أبي وعمي لازال أمامهما الكثير للقيام به. فقد كان يتحتم عليهما تنظيف الأرض من الحجارة قبل غروب الشمس وإلا لن ينالا أجرهما. عندما أنتهى الأخوين عيسى من عملهما لاحظا مشكلة الأخوين حمد أي أبي وعمي، فتوجها فوراً أليهما وعاوناهما وساعداهما على تنظيف ما تبقى من الأرض. لتتم المهمة وينجزوا ألأاربعة معاً العمل قبل الغروب.
والدي وعمي لم ينسيا تلك المساعدة الكبيرة ولا الالتفاتة الانسانية والأخوية الكبيرة من الأخوين عيسى. بقي والدي يحدثنا عنها في مناسبات عديدة كلما استحضر ذاكرته وكلما طلبنا منه نحن أولاده، الحديث عن تلك الحقبة من الزمن، زمن النكبة وبداية اللجوء في المخيم.
هكذا كان شعبنا وهكذا كان أهل مخيمنا عائلة واحدة كبيرة… يقطنون في بناية ضخمة كل عائلة من بلدة من بلدات المخيم كان لها في البناية طابقاً خاصاً، تقطنه عائلاتها وعلى كل طابق كانت هناك مجموعة من الشُقق، يسكنها أفراد العائلة. في كل شقة كان هناك غرفاً عديدة وفي كل غرفة كان هناك متسعاً للآخرين، فبيوت الفلسطينيين كما مطابخهم وقلوبهم وقلوب أهاليهم المشردين واللاجئين في المخيمات، كانت تتسع للجميع.
رحم الله والدي وعمي والشقيقان عيسى إذا كانا متوفييّن أم لازالا حييّن، فالرحمة تجوز على الجميع.
نضال حمد – موقع الصفصاف
13-12-2021