أجهزة أمنية فلسطينية لخدمة الاحتلال
نضال حمد
قبل البدء في الحديث عن الأجهزة الأمنية (الفلسطينية) السلطوية في الضفة الغربية، وبالذات الأجهزة التي أعيد تشكيلها ضمن برامج وخطط الجنرال دايتون وزملائه الصهاينة ومع مستخدميه من جنرالات سلطة رام الله. لا بد من التأكيد أن تصرفات هذه الأجهزة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة حتمية لتطبيق اتفاقيات (السلام) التي فرضت على الطرف الفلسطيني أو قبل بها بإرادته، وفي النهاية لا فرق بين هذا وذاك، إذ تعددت الأسباب والموت واحد.
الضحية محامي الجلاد
عندما يظهر أحد ضباط تلك الأجهزة على تلفاز” إسرائيلي ” و يطلق تصريحات عدائية ضد جزء من أبناء شعبه ويتوعدهم بالقمع والإرهاب، يتوعدهم عبر القناة العاشرة الصهيونية ويستعرض عضلات قواته في مدينة الخليل، التي تستباح يوميا من قبل المستوطنين والمحتلين، في ظل صمت وهروب وفرار واختباء أرانب تلك القوات السلطوية، العاجزة، والتي لا تستطيع ولا تملك قرار المواجهة لحماية الشعب في مدنه وبلداته وقراه ومخيماته، بالمناسبة لقد حولوا الفدائي الفلسطيني المغوار والمضحي إلى راضخ وجبان، مثلهم تماماً … عندما يرى الإنسان جنرال (الدايتونة) يجلس ويتحدث بعنجهية على طريقة ( الشريف ) في أفلام الكاوبوي الأمريكية، طاقية وعليها شعار وطني ( ولا أقصد وطني فلسطيني)، ولباس كحلي غامق (يميزه عن لباس المقاومة الأخضر المعروف) كلباس السجانين وشرطة القمع في دول أخرى، ونظارات شمسية سوداء، ومسدس وكلبشات وعصا غليظة ..الخ .. يشعر الإنسان فوراً برغبة في التقيؤ. إذ ليس من المعقول أن يتحول الفلسطيني إلى أداة بيد الاحتلال كما حرص عجوز فلسطيني لاجئ في مخيم عين الحلوة الترديد على مسامع أحفاده الصغار.
ممنوع التضامن مع أهل غزة
يوم بدأت القوات الصهيونية نهاية سنة 2008 هجومها على الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة صعدت تلك الأجهزة من حملات القمع على الشعب الفلسطيني المحاصر في الضفة الغربية. فمنعته حتى من التظاهر السلمي للتعبير عن وحدة هذا الشعب ومصيره المشترك في مواجهة الاحتلال الصهيوني، حليف السلطة الفلسطينية (التسمية خطأ لأنها ليست سلطة الشعب الفلسطيني) في محاربة قوى المقاومة الفلسطينية سواء كانت من المعارضة أو من فتح نفسها، فهذه الأجهزة هي التي أنهت حالة كتائب شهداء الأقصى، أرقى حالة عرفتها فتح منذ ما بعد حصار بيروت سنة 1982 وحتى الانتفاضة الثانية. لأن الكتائب المقاومة، التي حرصت على حفظ أمانة الشهداء والجرحى والأسرى واللاجئين والمناضلين الفلسطينيين، أكدت على أن فتح الثورة والشهداء من دلال المغربي وبلال الأوسط وسعد صايل وجيفارا موعد ويحيى سكاف و محمد لافي إلى آلاف الشهداء الآخرين، وجدت لتقاتل من أجل تحرير فلسطين، لا لتكون أداة بيد الاحتلال الصهيوني، ومن اجل محاربة أهل فلسطين نيابة عنه.
أكثر من تنسيق أمني ..
تحرص الأجهزة الأمنية السلطوية الدايتونية على التنسيق الأمني الدقيق مع الطرف الصهيوني. ولا تفوت فرصة لإظهار حسن نيتها ورغبتها بالتعاون والتنسيق والعمل المشترك. تتصرف تماماً كما تتصرف قياداتها السياسية في عملية التفاوض والمباحثات مع الاحتلال. أما الأخير فيتعامل مع الأجهزة الأمنية السلطوية كما تتعامل قياداته السياسية مع المرجعية السياسية لتلك الأجهزة. مما يعني أن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية ستقضي الحياة تنسيق أمني واعتقالات واغتيالات كما قضاها وسوف يقضيها كبير المفاوضين الفلسطينيين ورفاقه مفاوضات.
إن الاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية بحق المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتباهيها بإفشال وإحباط مئات المحاولات لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال ومستوطنيه، وكشف مخابئ ومخازن أسلحة المقاومة، إن دل على شيء إنما يدل على ماهية وحجم التعاون والتنسيق الأمني بين المحتلين وسلطة القابعين تحت الاحتلال، الذين يعملون الآن في خدمة المحتل وبشكل علني سافر. والأخطر برأينا في هذا الأمر وفي هذه الأجهزة الحديثة، عملية غسيل الأدمغة التي تتعرض لها عناصرها الشابة. حيث تتم تعبئتها بشكل عدائي لكل من يؤمن ويمارس ويتحدث بالمقاومة، ولكل من يعارض السلطة وتوجهاتها السياسية والتفاوضية والأمنية. وقد أكدت التجارب أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتعاون بشكل تام مع الاحتلال. مثلاً في كل مرة تجري فيها عملية إطلاق سراح سجناء مقاومين من سجون السلطة، تقوم قوات الاحتلال إما باعتقالهم أو بتصفيتهم كما فعلت أول أمس.
ولا يمكن لأي عاقل أن يقبل رواية الجنرال (لولا الضميري ) وليسمح لي صديقي ورفيقي د. أسعد أبو خليل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا أن استعير تعبيره الشهير، ففي لبنان هناك جنرال (لولا) واحد، أما عند الفلسطينيين فهناك مجموعة جنرالات ( لول لات) .. والجنرال الناطق باسم الأجهزة الأمنية السلطوية، المعروف بعدائه الشديد للمقاومة وحرصه الأكيد على التنسيق الأمني مع الاحتلال، يعتبر واحداً من ألمع تلك ( اللولات) .. يقول (اللولا) الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية ” أن حماس أخذت على عاتقها تحمل مسؤولية سلامة المعتقلين المفرج عنهم”. وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية وفا :” أن المفرج عنهم وأهاليهم وقعوا “تعهدا بتحمل المسؤولية عن سلامتهم بمعرفة وحضور قيادة حماس”.
حتى لو كان هذا الكلام صحيحا فهو اعتراف بأن هذه الأجهزة الأمنية عاجزة عن حماية الشعب والأرض، ولا دور لها إلا ملاحقة المقاومين. ولا يجهل أحد أن التنسيق الأمني بين الأجهزة والاحتلال منه ما هو سري ومنه ما هو علني. ولا بد أن الأجهزة التي أطلقت سراح السجناء هي نفسها التي أبلغت الاحتلال بموعد إطلاق سراحهم مما سهل للاحتلال اعتقالهم. وردود فعل قيادات حماس لم تذهب بعيداً إذ أجمعت على هذه النتيجة.
عضو المجلس التشريعي عن حماس عمر عبد الرازق قال السبت الفائت في تعقيبه على تصريحات السلطة وأجهزة الأمن في الضفة الغربية المحتلة: “إننا لم نحصل على أي اتفاق أو تعهد لحماية المختطفين الخمسة مقابل الإفراج عنهم”، مؤكدًا أن “المسؤولية كاملة تقع على عاتق السلطة في حماية المواطن وحفظ القانون”.
القيادي في حماس إسماعيل رضوان قال في تظاهرة نظمتها حماس بعد ظهر يوم الجمعة المنصرم “ما كانت جريمة الاغتيال واعتقال المجاهدين لتتم لولا التنسيق والتعامل الأمني من قبل سلطة فتح”.
الحكم بقبضة حديدية
. جدير بالذكر أن وتيرة الاتهامات المتبادلة بين حركتي فتح وحماس ارتفعت مؤخراً على خلفية الاعتقالات لعناصر الحركتين في الضفة والقطاع، حيث تحكم كل منهما بقبضة حديدية وتضيقان الخناق على الشعب المحاصر أصلاً من قبل الاحتلال. ويحدث كل هذا في ظل انقسام فلسطيني سياسي وجغرافي بدأ يمتد شعبياً.. وفي ظل استسلام سلطة رام الله رسمياً لشروط الإدارة الأمريكية والاحتلال.. مقابل محاولات حمساوية حثيثة لفتح أبواب حوار مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وفي ظل استرخاء تام للمقاومة في غزة، وهدنة طويلة المدى غير معلنة من قبل السلطة هناك، خرقتها أمس عملية الكمين الذي وقعت فيه مجموعة الجنود الصهاينة شرق مخيم البريج.
أما حضور المقاومة كفعل يومي في القطاع أصبح استعراضيا أكثر منه حقيقة، وذلك منذ انتهاء العدوان الصهيوني على غزة بداية 2009.. وبعد أن بدأت حركة حماس تطرح مشاريعها للتهدئة مثل الهدنة الطويلة الأمد، التي تتبناها وتستمد شرعيتها من صلح الحديبية الذي أجراه الرسول مع اليهود في شبه الجزيرة العربية، وكذلك بصلح صلاح الدين مع الصليبيين. فيما الفصائل الأخرى على ما يبدو مرتاحة وتناسبها تهدئة حماس بالرغم من احتجاجات غير مرتفعة الصوت تأتي أحياناً من هنا وهناك.
* مدير موقع الصفصاف
01- 09, 2011