أزمة إدارة التوحش في المنطقة ومتاهاتها – المحامي محمد احمد الروسان
في جلّ المسألة العربية وعمقها، ليس هناك شيء اسمه سياسة إقليمية نتاج المكونات العربية التي تعيش في المنطقة الشرق الأوسطية، في ظلّ حالة سرطانية تتموضع في انتشار مدروس للقواعد الأمريكية، على طول وعرض جغرافيا الوطن العربي ومجالاتها الحيوية، بل هناك مخططات ومنفذون لها، أي وكلاء وهم بمثابة بروكسي على تطوير وتعميق العلاقات بين مكونات الأمة الواحدة، لا بل جزء سرطاني من ذات الحالة الأنفة.
وبعبارة أكثر عمقاُ، ليس هناك سياسة عربية مستقلة، بل سياسة أمريكية برامجية، وما يجري في المنطقة تطبيق للسياسات الأمريكية ليس أكثر ولا أقل من ذلك، وذاكرة البعض منّا كعرب مثقوبة، ويعتقد هذا البعض بأنّ ذاكرته المثقوبة ليست إلاّ إبداعات خارقة يصعب على من حولهم فهمها وحلّ ألغازها، لضيق مداركهم العقلية من وجهة نظرهم.
السيد وزير الخارجية المصري أعلن أنّ السياسة المصرية متطابقة مع السياسة السعودية إزاء المسألة السورية! حسناً كيف ذلك يا معالي الوزير؟ ألا يعتقد السيد الوزير أنّ ما يجري الآن في المنطقة، هو تفكيك للدول القومية مترافقاً ذلك مع التطبيع القسري؟(يحسب الكثير من المراقبين والباحثين، أنّ الدور المصري في الحدث الاحتجاجي السياسي السوري غير مريح حتّى اللحظة، وأنا معهم إلى حد ما)، وتاريخيّاً الرياض هي المحرّك لاتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 م، وبالتعاون مع المغرب أيام الرئيس محمد أنور السادات.
التساؤلات هنا: في أي سياقات سياسية وعسكرية يجيء الإعلان عبر صحيفة بلومبرغ الأمريكية، عن لقاءات اللواء محمد أنور ماجد عشقي ضابط الاستخبارات السعودي السابق مع رودي غولد أحد كبار مساعدي النتنياهو؟ هل هي استكمالاً لذات اللقاءات السابقة بين الجانبين وغيرهما في عمّان مؤخراً، والتي فضحتها الصحافة العبرية بالتنسيق مع مجتمعات المخابرات الأسرائلية ووكالة الأمن القومي الأمريكية ذات السبعة عشر جهازاً، وأشرت إليها في لقائي مع قناة الميادين في 24 – 5 – 2015 م؟ هل كان الإعلان عنها بعد اتفاق الجانبين لغايات عديدة في نفوسهم، وفي ظل العدوان البربري البعض العربي على اليمن العروبي؟
ولأنّه في الحروب وعقابيلها، تتحرك الجغرافيا على وقع إيقاعات ومديّات المعارك، وأزيز الرصاص وهمس ووشوشات التراب وعتاب البنادق، ولأنّ الضمير العربي في نزهة خارج الوطن، وأنّ الأعلام المظلّل والمظلّل ليس غبياً، بل هو واثق بغباء متابعيه، ولأنّ البندقية التي لا ثقافة خلفها تقتل ولا تحرر، ولأنّ الديكتاتورية من منظور البعض العربي المتهالك المتصعلك تعني: أن تجعل المثقفين والمفكرين يصمتون، علينا أن لا نلتفت إلى تصريحات هنا وهناك، لبعض غلمان بعض الحكومات العربية ونؤكد على التالي:
ليس هناك سياسة في العالم العربي وإنما حوس(خبّيزه)وكفى أو مثل: is like frying eggs with fart، ومن يحسب غير ذلك ويعتقده فهو واهم ويبني قصوراً زمرديّة في الهواء، الشيء الفاعل في عالمنا العربي هو(حوس خبّيزه ببصل)، هناك تطبيق للسياسات، وأي تصريح سعودي أو مصري فيما يخص سورية قلب الشرق وسيّدة الجغرافيا وأجمل النساء العفيفات، ليس سياسة وأنه لا يخرج عن إطار تطبيق للسياسة الأمريكية، والتي تقود معركة الناتو في سورية ليس لإسقاط النسق هناك، بل والوجود الروسي في المتوسط(في المعلومات، أنّ البلدربيرغ الأمريكي يوجّه ويسعى وعبر دواعش البنتاغون الأمريكي ذات التفقيس الجديد، وعبر صعاليك جيش الفتح(صعاليك القاعدة يأجوج ومأجوج العصر)، وبعد السيطرة على جسر الشغور وادلب المراد لها أن تكون موصلاً سوريا،ً إلى فتح عمليات عسكرية مركبة عبر نموذج الحروب غير المتماثلة باتجاه الساحل السوري، وهي أعقد أنواع الحروب تدمج بين حروب العصابات وتكتيكات الحرب النظامية، باتجاه إيجاد منفذ بحري لمجتمعات الدواعش على المتوسط لضرب الوجود الروسي هناك، وعبر فتح جديد لمعارك في كسب، والأخيرة بمثابة قرم سورية، وكذلك عبر الوصول إلى الدلتا في مصر، لإيجاد منفذ آخر لها هناك).
من له علاقات منّا بخلايا التفكير، في الداخل الأمريكي المحتقن الآن، بسبب الصراعات الخفية غير المعلنة بين مكونات الدولة الأمريكية لأكثر من ملف، يعرف أنّ الولاء للولايات المتحدة الأمريكية(الأمبراطورية الرومانية الجديدة عبر دولة كوردستان إسرائيل ثانية)أخطر من معاداتها، فالعداء لها له مخاطره، والتحالف معها يقترن دائماً وأبداً بالمصائب والدمار، فهل تعي نواة الدولة الأردنية ذلك ومثيلاتها من شقيقاتها الكبرى والصغرى؟
يقول كيسنجر المعروف برمز الواقعية السياسية real politic في كتابه الذي لم ينشر بعد world order: واشنطن الآن تناقش نفسها بنفسها حول العلاقة بين مصالحها وموقعها من نشر الديمقراطية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة ويضيف: متى أصلاً كانت أمريكا تقيم وزناً للمثل والقيم الأنسانية اذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية؟ ويضيف أيضاً: كل مغامرة قام بها الغرب في الشرق الأوسط لعبت فيها السعودية دوراً ايجابياً تمويلاً وتغطيةً، امّا علناً أو من وراء ستار ومنذ الحرب العالمية الثانية تحالف السعودية العربية مع الغرب.
ويقول: النظام السعودي نظام ثيوقراطي ارتكب خطأ استراتيجي قاتل عندما اعتقد قادة النظام لوهلة ما ومحددة أنهم يستطيعون مواصلة دعم الأسلام الراديكالي والحركات الأسلامية في الخارج بدون ان تصل آثارها للداخل السعودي الملتهب، والذي ينتج التنظيمات والحركات المتطرفة الساكنة حتّى اللحظة، حيث لم تعد الأخيرة على تخوم السعودية بل في الداخل وفي غرف النوم.
انّ الصراع في الشرق الأوسط الآن صراع ديني سياسي جغرافي في آن واحد ونتائجه: أرخبيلات الدول الفاشلة، حيث أمريكا تقتضي مصالحها الأبقاء على أنظمة متناقضة لتسهل السيطرة عليها، فهي لا تريد فعلاً عودة سنيّة قويّة الى مراكز الحكم في المنطقة.
الجميع عاد ويعود كرهاً أو حبّاً الى الثابتة السورية والمسنودة من الروسي والصيني، في أولوية محاربة الأرهاب المصنوع في أقبية الغرف السوداء لمجتمع المخابرات الأمريكي، والمصنّع بعضه في بعض الدواخل العربية المجاورة بسبب ظروفها الأقتصادية الخاصة، وغياب العدالة وحقوق الأنسان والبطالة والفقر والجوع، هذا الأرهاب المدخل الى الداخل السوري من جهات الأرض الأربع، حيث الجميع عاد الى الثابتة السورية او ان شئت الثلاثية السابق ذكرها.
سورية وحزب الله وايران حاجة اقليمية ودولية، لمحاربة فيروسات الأرهاب التي أنتجتها واشنطن في مختبراتها البيولوجية الأستخباراتية، من دواعش وفواحش وقوارض وزواحف(الأعراب الصعاليك، الذين قال فيهم الله تعالى في كتابه: الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً، وأجدر أن لا يعلموا كتاب الله، صدق الله العليّ العظيم)، وأي جبهة اقليمية ودولية لضرب تلك الفيروسات تحتاج الى تسويات سياسية تسبقها في بؤر الخلافات وملفاتها.
في حين تعمل واشنطن ومجتمعات مخابراتها ومن تحالف معها، على دعمها للأتجاهات الأسلامية الأنفصالية في روسيّا، مناطق الشيشان داغستان وقوميات أخرى(القوزاق) في كازاخستان، فهي ترى أنّ في دعمها لأي طرف اثني يتجه داخل روسيّا للأنفصال، سيؤدي الى اشغال موسكو بنزاعات داخلية، فتضعف قدراتها على التحرك على الساحة الدولية، ونفس هذا السيناريو تريد فرضه على الصين وفي دعم اثنية الأيغور المسلمين وغيرها في الشمال الصيني.
وحتّى لا نغرق في التفاصيل ونتوه بالمعنى التكتيكي والأستراتيجي، لا بدّ أن نطرح ما تعرف باسم نظرية المنطق في السياسة جانباً، مع تناسي علم الرياضيات السياسية وقواعد التفكير السليم في تفكيك المركب وتركيب المفكك، مع تناسي الغوص في التحليل بشكل عامودي وأفقي، لأنّ الأشياء والأمور والمعطيات لم تعد كما يبدو عليها أن تكون، وجلّ الأزمات ان لجهة المحلي، وان لجهة الأقليمي، وان لجهة الدولي، صارت أكثر تعقيداً وترابطاً، والتفاعلات والمفاعيل لمعظم الممارسات الدولية لم تعد تخضع لقانون أو قيم أو أخلاق.
بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، اذا أردنا أن نفهم ونعي بشراسه فكرية أبعاد ومعطيات ودلائل المؤامرة علينا في المنطقة والعالم، ووضع قاعدة بيانات وداتا معلومات لها، علينا أن نفكر جميعاً بعقلية المؤامرة نفسها، ومن يعتقد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية جاءت الى المنطقة لمحاربة الأرهاب، فهو لا يكون الاّ متآمر أو جاهل أو متخلف عقلي وذو جنون مطبق لا متقطع.
هناك استراتيجية أمريكية جديدة في تشكيل حلف دولي(الناتو) واقليمي(سني) من دول ما تسمى الأعتدال العربي، لابل دول الأعتلال العربي لمحاربة الأرهاب في سورية والعراق، وهذه الأستراتيجية أصلاً تتعارض مع مفهوم ومقتضيات محاربة الأرهاب من جهة، وتنقض نظرياً رؤية كيسنجر للحروب الدينية السنيّة الشيعية والتي اعتمدتها الأدارة الأمريكية كخيار بعيد المدى، لضرب العمق الأستراتيجي العربي لأيران في أفق عزلتها ومحاصرتها ثم تفجيرها من الداخل عبر مفاوضات خمسة زائد واحد، ونقل مجتمعات الدواعش والفواحش والقوارض إلى مناطق السنّة في الداخل الأيراني.
أمريكا تستولد استراتيجية جديدة أيضاً اسمها(ادارة التوحش وأزمتها)في البلقان وآسيا الوسطى، فخرج علينا زعيم القاعدة أيمن الظواهري من كهفه بعد سبات، حتّى أنّ شكله صار مثل الكهف الذي يسكنه، وبشّر الأمة بميلاد فرع جديد للقاعدة في شبه القارة الهندية(بنغلادش، كشمير، الهند، باكستان) وعلى الحدود مع ايران، وهذا آثار ثائرة روسيّا والهند والصين(أعضاء دول البريكس)، لأدراكهم أنّ أمريكا قرّرت نقل ادارة التوحش من الشرق الأوسط الى منطقة آسيا حيث تهديدات داعش لروسيّا.
واشنطن تدرك أنّه يستحيل في هذه المرحلة المبكرة من عمر الصراع في المنطقة من تفجير حرب سنيّة شيعية شاملة، على ضوء نتائج المحاولات الجنينية الفاشلة التي اختبرتها في لبنان وسورية والعراق، والآن تحاول في الأردن عبر الفتنة بين الشرق الأردني(الكح)والشرق الأردني ذو الأصول المختلفة، حيث جلّ السفلة من صنّاع القرار الأمريكي يريدون ادخال داعش وتصنيع مثيلاتها في الداخل الأردني، وتحريك الخلايا السريّة النائمة والتي لا تنام ولا تنكفىء أصلاً، كل ذلك عبر اشراك عمّان سرّاً أو علناً في محاربة مجتمعات الدواعش، كي يصار الى نشر الفوضى في الداخل الأردني لجعل الملف الأردني كملف مخرجات للملف الفلسطيني، ضمن رؤية محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من عرب ومسلمين صهاينة.
انّ داعش وجبهة النصرة وغيرهما، هي احدى مخرجات السياسة الأمريكية في المنطقة، تم انتاجها وحواضنها في الدواخل العربية بتوظيفات واستثمارات الفقر والظلم والجوع والقهر والبطالة والفساد وغياب العدالة وحقوق الأنسان.
وعندما قالت: “اسرائيل” أنّ ايران صارت جارة لنا والسعودية قالت: انّ طهران تسعى لمحاصرتها وتحجيمها الدور وتقليص نفوذها في العالم العربي والأسلامي، فهم الحاج حسين باراك أوباما أنّ الخطر هذه المره تجاوز الأدوات، ليتحول الى تهديد استراتيجي داهم على أمن بلاده القومي والمتمثل في ثلاثية النفط واسرائيل والكرد.
المقاومة حق شرّعته السماء وسار عليه العرف البشري ونظّمه القانون الدولي، لذا تعتبر واشنطن دي سي أنّ حركات المقاومة في المنطقة خطر استراتيجي على مصالحها واسرائيل، في حين أنّ مجتمعات الدواعش والزواحف والقوارض الأرهابية خطر تكتيكي يمكن التعامل معه وادارته، في حين أنّ أمريكا تعد بنفس الوقت لمخططات تتفرغ من خلالها للنظام المصري ولمصر، ومؤشرات الطريق التي ستؤول إليها وما يحظّر لها عبر ليبيا، وعبر المجتمع السيناوي في الداخل المصري، بالتحالف من جديد مع الأسلام السياسي هكذا تقول الملعلومات لدينا.
وتتحدث المعلومات، أنّ المشروع الذي تعمل عليه مصر والسعودية وبعض آخر من عرب، ازاء سورية يتمثل عبر ضرب الدواعش من خلال التحالف الدولي، ثم اجبار النظام السوري بقبول حكومة ائتلاف من السلطة وحلول جلّ الخونة لتدير مرحلة انتقالية، تنتهي بتحويل سورية العلمانية المنفتحة والمتجانسة الى نظام معاق قائم على المحاصصة الطائفية، كما في العراق المراد احتلاله من جديد عبر محاربة الدواعش، ولبنان المصادر الى حين، مع محافظة سورية على الدولة والمؤسسات بما فيها الجيش، على أن يقبل الرئيس الأسد الرحيل الى منفاه الذهبي الأختياري.
للولايات المتحدة الأمريكية متاهاتها الأستراتيجية العميقة، حيث كانت المتاهة الأولى لها في الأفغانستان وما زالت، ثم العراق وما زالت وعبر الدواعش والأنبار تعود من جديد، فسورية الأصعب والأشد وما زالت، والآن المتاهه الأوكرانية وعقابيلها التي تتدحرج ككرة الثلج، الى المتاهة العرضية في شبه القارة الهنديّة حيث تتفاعل من جديد.
فأم المتهاهات العامودية والعرضية الأستراتيجية الدولاتية الأمريكية، هي المتاهه السورية الأصعب والأعمق والأشد، والنتيجة فيها تحدد مصير المتاهات الأخرى وشكل العالم الجديد.
انّ جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ الأمريكي)هو صاحب هذه المتاهات وصانعها، فيستغل حالة الأستعصاء الدولي والأحتقانات الشاملة كنتاج للحدث والمسألة السورية، وما خلّفته من سحب دخانيّة سوداء عميقة قد تستمر لسنيين عديدة، من شأنها أن حجبت وتحجب عيون العالم عن ساحات أخرى من المعمورة، لا تقل أهميتها الأستراتيجية عن أهمية سورية أو أهمية الحدث الأوكراني الحالي مثلاً، من أجل تحقيق عمق مصالحه ومكتسباته كحكم أممي، وربط اقتصاديات العالم من جديد بالأقتصاد الأمريكي، للخروج من الأزمة الأقتصادية الأمريكية الحالية، والتي في حالة استمرارها وتفاقمها، أن تقود الى افلاس الولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك سارع الكونغرس مؤخراً بالسماح لأدارة أوباما بالأقتراض المالي بدون سقف محدد، وهذا لن يمنع الأفلاس المالي في أمريكا وانما سيؤجّله، وتحتاج واشنطن الى مصادرات لاحقة ستجري لأموال الدول الخليجية المخزّنة في خزائن المال الأمريكية، بسبب دعمها للأرهاب وما شابه، عبر مشاريع قوانين قادمة من نواة هذا (البلدربيرغ) الى بيت التشريع الأمريكي. لذا سارعت الرياض وعبر التشريع لقوانين مكافحة الأرهاب في الداخل السعودي والخارج السعودي، مع سحب لبعض الملفات ووضعها في عهدة آخرين، واجراء لديناميات مراجعات سعودية شكلية ازاء الحدث السوري، لا أوهام في الموقف الجديد للرياض، فليس هناك تحول سعودي نوعي في مقاربة الحرب على سورية، الخلاف الأمريكي السعودي في الملف السوري خلاف على الأولويات، وعلى الأدارة كمفهوم لهذه الأولويات.
وتتحدث المعلومات المسرّبة من بعض مؤسسات المجتمع المدني الغربية التي تعنى بالرصد الأستخباري وتحليل ما ترصده لصالح عدد محدد من أجهزة أمنية ترتبط معها وتمولها، لمواجهة الخصوم من الأجهزة المماثلة في ساحات أخرى في خارج أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أنّ العديد من مجتمعات المخابرات في منطقة جنوب أسيا ومنطقة جنوب شرق أسيا، بالأضافة الى أجهزة مخابرات دولية متشعبة لدول هي في حقيقتها دول عظمى، لكنّها تتصرف على أنّها دول اقليمية، أجرت مؤخراً الكثير من جلسات العصف الذهني السياسي والمخابراتي، وتحليل الكثير من المعلومات المجموعة رصداً وتحليلاً حول خط العلاقات الهندية الأمريكية وما وراء هذه العلاقات، من علاقات سريّة على خط العلاقات الصهيونية – الهندية مع بحث محفزات الرؤية الأستراتيجية الأمريكية، باتجاه الهند بشكل خاص ومنطقة جنوب وجنوب شرق أسيا بشكل عام، واسقاطات هذه الرؤية الأمريكية على جل مواقف واشنطن، ان لجهة الصين، وان لجهة الباكستان، وان لجهة الفدرالية الروسية، وان لجهة ايران( رغم اتفاق جنيف النووي الإيراني وتفاهمات لوزان)وان لجهة الهند ومجالها الحيوي، حيث أفغانستان جزء من هذا المجال الحيوي الهندي.
كما تم االتطرق بعمق واسهاب كبيرين لعلاقات الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط وتأثيره على سلّة المحفزات الأمريكية ازاء نيودلهي، وتداعيات ذلك على التوازنات الأستراتيجية لجهة أقاليم مناطق جنوب وجنوب شرق أسيا، وان لجهة الجغرافية الأممية ككل، والى ماذا يسعى محور واشنطن – تل أبيب من أهداف ورؤى في شبه القارة الهنديّة، بوصفه ذراع موثوق من أذرع جنيين الحكومة الأممية ( البلدربيرغ).
وتشي نتائج جلسات العصف الذهني لتلك الأجهزة المخابراتية، بأنّ واشنطن تحديداً ترمي من وراء التحالف الأستراتيجي مع نيودلهي، الى استخدام وتوظيف وتوليف الأخيرة في متتالية عمليات احتواء الصين التي تتصرف كدولة اقليمية قويّة رغم انّها دولة عظمى، وفي ذات الوقت احتواء ايران لجهة ترتيبات مصالحها الأستراتيجية في أسيا الوسطى وفي الحد من النفوذ الروسي هناك.
كما تشي النتائج أيضاً، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وضعت في حسابها الخطّة(ب)في سياستها لأحتواء الباكستان، في حالة أن تغير النظام السياسي في اسلام أباد باتجاه واشنطن وبشكل معاد ومعارض، كما تشي النتائج تلك أنّ هناك دور قوي وواضح ومؤثر للدولة العبرية(اسرائيل)، وعبر أدواتها في الداخل الأمريكي ومنها( الأيباك)، لجهة دفع الولايات المتحدة الى بناء تحالفات استراتيجية مع الدولة الهنديّة، دون الأخذ بالحسبان وعين الأعتبار أثار ذلك، على خط العلاقات الأمريكية الصينية، وخط العلاقات الأمريكية الروسية، وخط العلاقات الأمريكية الباكستانية.
بعبارة أخرى وأكثر وضوحاً من الآنف ذكره نقول: أنّ من شأن التعاون الأمريكي الأستراتيجي مع الهند، أن يلحق ضرراً فادحاً بسلّة محفزات التعاون الأمريكي الصيني الشامل السياسي، الدبلوماسي، الأقتصادي، المخابراتي، العسكري، وحتّى باطار الثقافي الفكري، وأثره الشامل على القطاعات الأخرى.
لكن للدولة العبرية(إسرائيل)وعبر أدواتها – جماعات ضغطها داخل المجتمع الأمريكي وادارته الحاكمة، ذهبت باتجاه استبدال رؤية أو عقيدة التعاون على خط العلاقات الأمريكية – الصينية، برؤية أو عقيدة المخاطر، أي دفعت جماعات الضغط الأسرائيلي ونجحت حتّى الآن في مسعاها، باتجاه أن يكون القرار الأمريكي المركزي ازاء تفضيل التعاون والتحالف المطلق مع الهند وحدها دون الصين، واعتبار الأخيرة مصدراً للخطر المهدد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية الأستراتيجية في شبه القارة الهندية.
كما أنّ من شأن هذا التعاون مع نيودلهي، أن يؤدي الى الأضرار بمخططات واشنطن الساعية، لأبعاد بكين عن موسكو، لأضعاف الدور الروسي في مناطق جنوب شرق أسيا وفي أسيا الوسطى، وفي الملف الأيراني وفي الصراع العربي – الأسرائيلي وقبل ذلك في المسألة السورية والوضع في لبنان والتحالفات غير المعلنة مع حزب الله اللبناني.
كذلك من شأن تعاون وتحالف واشنطن مع الهند، أن يلحق ضرراً بالغاً على خط العلاقات الأمريكية – الباكستانية، لجهة ايران، وجهة أفغانستان، وجهة روسيا، وجهة شبه القارة الهندية ككل، ومع كل ذلك ضغط الأيباك الى خيار التعاون مع الهند، دون الألتفات الى مسألة التعاون مع اسلام أباد، كون الأخيرة هي أكثر حاجةً لوجود واستمرار الدعم الأميركي المتعدد.
انّ المثير في الفقرة السابقة بالذات، والمتعلقة بقطع الطريق على الفدرالية الروسية، لجهة بناء تحالفات مع الباكستان، نتيجة تفضيل واشنطن للتعاون مع الهند دون اسلام أباد، متمثل في معلومات مخابراتية ذات مصداقية دقيقة في تلك المنطقة، وعبر تقارير مجاميع مخابرات تابعة لها، تعمل في الداخل الأمريكي وبعلم المخابرات الأمريكية والمجمع الأمني الفدرالي، وبمتابعة دقيقة لجهاز FBI لها، حيث تتموضع المعلومة الأمنية الدقيقة في:
أنّ جماعات الضغط اليهودي(الأيباك) وعبر توجيه البلدربيرغ، دفعت وتدفع ادارة أوباما الى مسك العصا من الوسط، لجهة علاقاتها مع كل من الهند والباكستان، بحيث يتم من خلالها الحفاظ أميركيّاً على مذهبية ومنظومة، من نسق التفاعل الدبلوماسي المتوازن، لقطع الطريق على موسكو في استغلال ذلك لصالحها وبناء تحالف استراتيجي بديل عن واشنطن مع باكستان، خاصةً مع وجود موافقة باكستانية قويّة على ذلك، داخل الأطر السياسية والأمنية الأستخباراتية، مدعومة من قوى شعبوية باكستانية ضاقت ذرعاً من واشنطن.
تقول المعلومات ومؤكّدةً، بأنّ خط العلاقات الهنديّة – الأسرائيلية، وعلى مدار أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً خلت، كان خطّاً بمضمون تعاون استراتيجي خلاّق، وخاصةً في الأنشطة المتعلقة بالفضاء والمجال النووي، والصاروخي والعسكري، وفي قطاع تكنولوجيا المعلومات المتطورة ومراكز الأبحاث العلمية، وخاصة البيولوجية وصناعة أسلحتها الكيماوية، حتّى أنّ البرنامج النووي الهندي، هو نتاج تعاون نووي اسرائيلي – هندي عميق، وبدعم أمريكي وما زال، في حين أنّ البرنامج النووي الباكستاني كان وما زال نتاج لتعاون صيني – باكستاني عميق، وبرؤية صينية واضحة المعالم، حيث يحتفل نهاية هذا العام بالذكرى الرابعة والستين، لقيام العلاقات الصينية الباكستانية، وهناك طرفة دبلوماسية قالها يوماً، المندوب الصيني السابق في الأمم المتحدة لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين، انّ باكستان هي اسرائيلنا في شبه القارة الهندية.
هذا وقد سعت نيودلهي، الى بناء المزيد من الروابط المختلفة مع الدولة العبرية(اسرائيل)، وضمن المستويات السريّة وبدعم وغطاء شامل من الولايات المتحدة الأميركية، حيث ظهر التعاون ( الوهم) المعلن للعامة، على أنّه مع واشنطن، في حين أنّه كان وما زال مع ” اسرائيل”، وظلّ كذلك لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً بالسر، في حين أنّه في مرحلة كشف العلاقات السريّة على خط تل أبيب – نيودلهي، حصلت الدولة العبرية على تسهيلات صناعة واطلاق أقمار التجسس الأسرائيلية، من طراز(أوفيراك)عبر القواعد العسكرية الهندية، مع استخدام الصواريخ البالستية الهندية.
انّ من شأن التعاون الأميركي مع الهند، أن يعيق وبشكل سلبي وعميق وبالغ حرية الحركة وتوافقها، في سلّة التفاهمات الأميركية – الروسية، لجهة أفغانستان، وايران، ولجهة الباكستان، خاصةً في ظل اعتبار نيودلهي أنّ أفغانستان، جزء من مجالها الحيوي لأستخداماته من زاوية الهند ضد الباكستان، وفي ذات الوقت والمسعى، تعتبر روسيا الفدرالية أنّ الهند حليفة لها.
أعتقد وحسب ظني، أنّ المعادلة السياسية – الأمنية – العسكرية في شبه القارة الهندية تقول: في حالة لجأت واشنطن الى التحالف الأستراتيجي مع الهند، فانّ موسكو ووفق رؤية استراتيجية معدة مسبقاً وطارئة، سوف تلجأ بالضرورة الى بناء تحالف استراتيجي مع الباكستان، مهما كانت الظروف والمعطيات الدولية والأقليمية في شبه القارة الهندية.
من جهة أخرى تتحدث المعلومات، أنّ جماعات الضغط الأسرائيلي (الأيباك) في الداخل الأميركي، وانطلاقاً من تفاهمات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية، على مضمون خط العلاقات الهنديّة – الأسرائيلية، تدفع جماعات الضغط تلك، ادارة أوباما الى التخلي عن مسألة مشروع دعم عضوية ألمانيا واليابان الدائمة في مجلس الأمن الدولي – مجلس الحرب الدولي، بسبب ارهابية وديموغوجية السياسة الأميركية، مع مؤسسات الأمم المتحدة – واستبداله بمسألة ومشروع دعم عضوية الهند الدائمة في مجلس الأمن الدولي( مجلس الحرب الأممي).
كل ذلك كثمن تقبضه الهند نظير تعاونها السري والعلني مع الدولة العبرية، حيث يعني ذلك ببساطة مفرطة، تمتع الهند بحق النقض الفيتو الذي سيصار لاحقاً وتلقائيّاً، لأستخدامه وتوظيفه من قبل محور واشنطن – تل أبيب(الفيتو الهندي)، لكي يقوم بدور حق الأعتراض بالوكالة عن واشنطن، وهو لردع واحتواء الفيتو الصيني والفيتو الروسي، كذلك من أجل مزيد من الأخلال بتوازن القوى داخل مجلس الأمن الدولي( مجلس الحرب الأممي)، ومن شأن ذلك منح الولايات المتحدة الأميركية، أربعة أصوات فيتو، مقابل صوتين واحد لروسيا والآخر للصين، انّها الفوضى المنظمة داخل هذه المؤسسة الأممية، ولكنها على الطريقة الأمريكية.
ومن الآن تسوّق أمريكا للهند باعتبار الأخيرة تتمتع بقدرات طبيعية واقتصادية خلاّقة، وقدرات سكّانية وتكنولوجية، وقدرات عسكرية وسياسية – برلمانية، وهذه الصفات للهند في الواقع حقيقية وهي صح 100%، وهذا حق للهند يراد به باطل، من قبل محور واشنطن – تل أبيب.
WWW.ROUSSANLEGAL.0PI.COM
MOHD_AHAMD2003@YAHOO.COM
منزل – عمّان : 5674111 خلوي: 0795615721
سما الروسان في 7 – 6 – 2015م.
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*