أطفال الشوارع قنبلة موقوتة ومأساة حضارية – د عادل عامر
إن ظاهرة أطفال الشوارع حقيقة لا مفر من الاعتراف بوجودها في عالمنا اليوم، فهي قنبلة موقوتة، ومأساة حضارية، يمکن تصنيفها ضمن أهم المآسي وأخطر الظواهر التي ابتليت بها المجتمعات في وقتنا المعاصر، عربية کانت أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، وذلك بالنظر إلى ما لها من آثار ومخاطر على مستقبل الدول، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، مخاطر جعلت المجتمع يفيق من سباته ليدق ناقوس الخطر.
وهناك العديد من الدراسات التي حاولت حصر الدوافع والأسباب التي أدت إلى وجود هذه الظاهرة، والتي عُدت غاية في الأهمية، لأن معرفة السبب تحدد نوعية العلاج وصفة الدواء، فلا علاج إلا بعد تشخيص، ولا تشخيص إلا ببيان السبب أو الأسباب، وقد أجمعت هذه الدراسات الميدانية والبحوث النظرية التي أنجزت عن هذه الظاهرة (ظاهرة أطفال الشوارع) على ربط الظاهرة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفتها هذه البلدان، مع ما يرتبط بتلك البلدان من خصوصيات.
“أطفال الشوارع” اصطلاح بات معروفاً في أدبيات التنمية البشرية، وهو من أهم القضايا وأطرها لتداخل أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ولتزايدها باطراد واستفحالها في بلدان نامية ومتقدمة ولذلك فهي مشكلة عالمية تطورت إلى ظاهرة تفرض نفسها وتستقطب اهتمام المعنيين بالتنمية البشرية وحقوق الإنسان.
ولكن من هم أطفال الشوارع ؟ والجواب ليس هناك اتفاق على مفهوم محدد لأطفال الشوارع بل تتعدد وتتباين التعاريف والمفاهيم. فهناك طفل في الشارع، وهناك طفل الشارع والطرح العلمي لهذا الموضوع لايزال حديثاً ولم تتبلور بعد رؤى نظرية تستهدف التأصيل الفكري والمنهجي لأطفال الشوارع ولذلك فالدراسات السائدة تقف عند الوصف ورصد المظاهر العامة .
وبشكل عام ترصد غالبية الدراسة الأسباب التالية لظهور أطفال الشوارع وهى تنطبق على أكثر من بلد (( الفقر، البطالة، الحروب الداخلية والخارجية، الهجرة من الريف إلى المدينة العوامل الأسرية والمجتمعية (تفكك الأسرة بالطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو تعدد الزوجات) ضعف التوجيه والتربية والرقابة، الخلافات والمشاحنات بين الزوجين وانتشار العنف ضد النساء تترك آثارا مؤذية للطفل، سوء معاملة الأطفال وردود الفعل العنيفة من الوالدين على سلوكهم الذي يصل إلى حد التعذيب المحدث إصابات خطيرة هذه القسوة المبالغ فيها تدفع الأطفال إلى الهروب من البيت وإلى قضاء أوقات طويلة في الشارع والمبيت في الخارج أن ما يحدث لأطفال الشوارع يرجع إلي الانخراط المبكر في عوالم الإجرام..
فلم تكن هناك عصابات تخصصت في تسريح الأطفال, ولكن هي مجرد أفكار نابعة من الأطفال أنفسهم إذ نجد مثلا طفلا يحترف التسول وله خبرة طويلة يتفق مع مجموعة أطفال جدد علي أن يعملوا من خلاله وتكون له أساليب في السيطرة عليهم. أن هناك بيزنس كبيرا يتم من خلال تسريح هؤلاء الأطفال ويتم علي أيدي البلطجية والمسجلين خطر ويبدأ هذا البيزنس في التسول مرورا بتجارة المخدرات حتي الأعمال المنافية للآداب.. وأن حجم البيزنس يختلف من منطقة لأخري حسب ثقافتها ونسبة الإجرام بها لكنه يزداد في المناطق العشوائية وأماكن الزحام. أما عن الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الأطفال في الشارع فتبدأ بالتسول وبيع المناديل ومسح زجاج السيارات بالإشارات ثم يندمج البعض في إدمان الكلة والتينر والبنزين والتدخين وعندما يبدأون في البلوغ يمارسون الفواحش فيما بينهم,
فالكبير يعتدي علي الصغير الذي لم يبلغ بعد بالإكراه, ليشب الصغير وبداخله الرغبة الشديدة في الانتقام ويحاول الاعتداء علي الأصغر منه وهكذا تصبح دائرة تدور حول كل من ينضم اليها, وتتوحش هذه العادة لديهم كلما كبروا في السن فيشتهون الأطفال الصغار الذين هربوا من أسرهم وهم في حالة غضب وسخط عليهم لينضموا اليهم
وهكذا أصبحت عصابات خطيرة علي الشارع والمجتمع بأسره. إنها ظاهرة موجودة وخطيرة فلو كنا الآن نحو75 مليونا فإن عدد أطفال الشوارع لا يقل عن4 آلاف طفل, وبرغم جهود وزارة الداخلية للحد من هذه الظاهرة بشن حملات يومية علي مستوي الجمهورية لضبط وجمع هؤلاء الأطفال من الشوارع والأرصفة لإعادتهم لأسرهم أو إيداعهم في الملاجئ ودور رعاية الأحداث, فإن بعض الأطفال يرفضون الأدلاء بعناوينهم أو أي بيانات تدل علي أسرهم ويفضلون الحياة في العراء أو مؤسسات الأحداث عن العودة إلي الأسرة, والبعض الآخر يهرب من المؤسسات ومن الأسرة مرة أخري,
كما أن الشيء الخطير أن معظم مؤسسات الأحداث الموجودة حاليا غير صالحة لتربية هذا النشء الفاسد. أن العلاج ليس في مؤسسات الأحداث وتطويرها فقط ولا في الجمعيات الأهلية ولا في الحملات التي تقوم بها وزارة الداخلية, لكن المشكلة لابد من علاجها من البداية بنشر الوعي والتكافل الاجتماعي في الأسر, كما لابد من العمل علي زيادة الوعي الأسري وكيفية التعامل مع الأطفال سواء داخل الأسرة أو خارجها, أو بالمدرسة للحد من التسرب الدراسي.
وأسباب الظاهرة كثيره ترصدها الدراسات المختلفة وهي الفقر، البطالة، التفكك الأسري، إيذاء الطفل، الإهمال، التسرب من التعليم، التي تنشب بين الاطفال بسبب رغبه بعضهم تقليد زملائهم في الالتحاق بالعمل، بالاضافه لبعض العوامل الاخري المرتبطه بنفسيه الطفل مثل البحث عن الاثاره والتقليد الاعمي وأكدت دراسه قام بها مكتب الامم المتحده للجريمه والمخدرات ان اطفال الشوارع في مصر يواجهون اخطاراً كثيره من بينها العنف الذي يفسد عليهم حياتهم اليوميه، سواء العنف بين مجموعات الاطفال صغيري السن، او العنف من المجتمع المحيط بهم، او العنف اثناء العمل، وقضيه توربيني الاسكندريه الذي تم اعدامه بسبب قيامه باغتصاب عدد كبير من اطفال الشوارع ليست بعيده عن الاذهان.
هذا الاستغلال السياسي والجنس والمادي لاطفال الشوارع يؤكد ان هؤلاء الاطفال هم ضحيه لظروف المجتمع قبل ظروف اسرهم، ومن ثم لابد من ايجاد حل سريع وفوري لان تنميه المجتمع لن تتم بدون مراعاه هذا الفصيل الذي اكدت الاحداث انه لو لم يندمج في المجتمع فستكون العواقب وخيمه، ومن هنا تطالب الدكتوره هدي الشناوي، رئيس قسم الاجتماع السابق، بكليه الاداب بجامعه حلوان، بضروره تبني الرئيس السيسي لفكره اشبه بالفكره التي اعلن عنها الرئيس بانشاء 4 مدن كامله للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصه تقوم بتنميتهم تنميه شامله في كافه المجالات، فلماذا لا يتم تطبيق هذه الفكره علي اطفال الشوارع ايضاً بانشاء 4 مدن مشابهه في القاهره والاسكندريه واسيوط وقنا مثلاً، تتبني هؤلاء الاطفال ويعمل بها مدربون نفسيون واجتماعيون وتربويون، تعمل هذه المؤسسات علي تعليم هؤلاء الاطفال، وتوجيههم مهنياً، حيث يشكل يتناسب مع قدراتهم وامكاناتهم وبذلك يستفيد المجتمع منهم، ويفيدون هم المجتمع بعملهم.
ولما كانت ظاهره اطفال الشوارع واحده من الظواهر المرتبطه بالمجتمعات الناميه والفقيره، فقد عانت منها كثير من دول العالم ومنها البرازيل التي قامت في نهايه القرن الماضي باتباع برنامج لمده 5 سنوات للتعامل مع ظاهره اطفال الشوارع، تم من خلاله تقديم الحمايه الاجتماعيه الاساسيه للاسره، والافراد في حالات الفقر الشديد، والاسره التي تعاني من التفكك الاسري، وتم توفير المساكن والمشروعات الصغيره لهم، بالاضافه الي توفير مدربين مؤهلين للتعامل مع هؤلاء الاطفال، وتوفير نظام صحي وتعليمي جيد لهم.
كما تنفذ دوله كمبوديا مشروعاً اخر وذلك بفتح مطاعم يعمل فيها اطفال الشوارع وبذلك وفرت الحكومه مصدر دخل ثابتاً لهؤلاء الاطفال واسرهم.
—
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان