أعادة فتح التحقيق في قضية اغتيال ناجي العلي – نضال حمد
على هامش ما نشر اليوم في صحيفة الغارديان البريطانية عن نداء وجهته الشرطة لكل من يعرف أي شيء عن اغتيال ناجي العلي بالاتصال بها ، أعيد نشر مقالة كنت كتبتها في ذكرى استشهاده سنة 2010 .
ناجي العلي الغائب الحاضر، رجل الماضي والمستقبل، الحارس الذي لا يتعب، رفيق الضمير والروح في مسيرة الثورة المستمرة.. تحل الذكرى وتحضر معها حكاية المجرمين الذين اغتالوه بقرار سياسي وبدافع تصفيته كفكر وكقلم ..
ناجي رجل المواقف الذي هزمهم وهم في أوج قوتهم وجبروتهم وفوق عروشهم، ومن حولهم الحراس والعسس والمخبرين والمستزلمين والمستجلبين والمبرمجين للعمل في خدمة السلطان.
مضى على اغتيال ناجي العلي في لندن عاصمة وعد بلفور سنوات طويلة .. يوم 22 تموز/ يوليو 1987، في زقاق ضيق بالعاصمة لندن تقدم منه قاتل مأجور وأفرغ رصاصات مسدسه كاتم الصوت في رأسه .. فر القاتل من مسرح الجريمة تاركاً خلفه ناجي العلي مدرجاً بدمه .. لكن الحنظلي، القادم من مخيم عين الحلوة، الفار من الكويت بعدما هددت حياته هناك من قبل الذين عهروا النضال الوطني الفلسطيني.. أبن قرية الشجرة في فلسطين المحتلة .. لم يفارق الحياة على الفور، وبقي يصارع الموت حتى فجر يوم 29 آب / أغسطس 1987 . في مثل هذا اليوم توفي ناجي العلي، فنان فلسطين والعرب الأول، تاركاً خلفه آلاف الرسوم الكرتونية وهي بمثابة موسوعة توثق لفلسطين ونضال شعبها ولتاريخها وتاريخ أمة العرب الحديث.
يقول المرحوم المناضل الكبير أبو صالح الأسدي أحد الكوادر الطليعيين والمؤسسين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنه كان وناجي العلي معتقلان في أحد سجون المكتب اللبناني (المخابرات اللبنانية) في الستينات من القرن الفائت بسبب انتمائهما لحركة القوميين العرب بزعامة الدكتور الراحل جورج حبش.. هناك تعرف أبا صالح على موهبة الشهيد ناجي.. حيث قام الأخير برسم وجه أبي صالح على علبة سجائر. ورد هذا الحديث عن أبي صالح وناجي العلي في كتاب بلدة “شعب” الجليلية وحاميتها للزميل الكاتب الفلسطيني ياسر العلي ، رئيس تحرير مجلة العودة.
في مقالة وزعت قبل أيام على البريد الالكتروني وفي الشبكة العنكبوتية وصلتني نسخة منها، أرسل الكاتب باسم سرحان مقالة بعنوان أمانة من ناجي العلي يقول فيها : أن ناجي العلي قبل استشهاده ابلغه بأن ياسر عرفات يريد قتله وأنه إن قتل فأن عرفات هو المسؤول عن تصفيته.
أورد هنا مقتطفاً مما جاء في الرسالة المذكورة :
“أمام باب منزله في لندن وقبل اغتياله بيومين أو ثلاثة أيام قال لي ناجي العلي “أحملك أمانة. كائنا من كان قاتلي، أن قاتلي هو ياسر عرفات”.
يتابع سرحان فيقول :
ذهبت أنا وأبني في زيارة خاصة إلى لندن واستضافنا الأخ ناجي العلي في منزله. عندما وصلت إلى بيته قادما من الكويت” وجدت ناجي متوترا ومضطربا إلى أبعد الحدود، ويعيش ثورة غضب عارمة. بادرني بالقول “إنهم يهددونني بالقتل”. سألته من هم. قال “السفلة أولاد …..”. وسرد لي قصة المكالمات الهاتفية التي وردته من عدد من المثقفين الفلسطينيين في أعقاب نشر كاريكاتير “رشيدة مهران”. كانت معظم المكالمات تأخذ طابع التهديد المبطن بالحرص على حياته.
ثم قال لي “اتصل بي الأخ أبو إياد (صلاح خلف) وقال لي حرفيا: يا ناجي لقد صدر القرار. أخرج فورا من بريطانيا، أو على الأقل أخرج واختفي في إحدى القرى البريطانية”.
الشاعر الفلسطيني الكبير عزالدين المناصرة قال في مقابلة مع صحيفة جزائرية أجريت قبل عدة سنوات أن أحد الذين شاركوا في اغتيال ناجي العلي هو العقيد عبد الرحمن صالح من قوات البحرية التابعة للسلطة الفلسطينية . أي من قوات سلطة رام الله. وكان يعمل في البحرية الفلسطينية في غزة قبل أن تحسم حماس أمر القطاع لصالحها بقوة السلاح. ولا ندري إن كان صالح غادر غزة الى الضفة أو لجأ الى أي بلد عربي أو أوروبي. ومن الضروري أن تقوم حكومة غزة بإجراء تحقيق مع هذا الشخص لمعرفة الحقيقة.
قال آخرون أن أحد الذين راقبوا ناجي العلي قبل اغتياله عضو من حركة فتح وعمل أو مازال يعمل حتى الآن سائقا لدى أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم.
وقالت أيضاً بعض المصادر الخاصة أن أحد الذين شاركوا في مراقبة ناجي كذلك عضو سابق من حركة فتح، يقال أنه يعيش بدولة أوروبية شمالية حيث حصل فيها على اللجوء السياسي أو الإنساني.
إذا كانت كل هذه المعطيات متوفرة بالإضافة لما جاء في رسالة أو أمانة ناجي العلي التي نشرها سرحان مؤخراً، فأن هذا يستدعي أعادة فتح التحقيق في قضية اغتيال ناجي العلي. خاصة أنه لغاية هذا اليوم لم تقم أية جهات بالتحقيق الفعلي في قضية اغتياله، التي سجلت ضد مجهول، في حين ألصقها البعض الفلسطيني بالموساد الصهيوني. على كلِ هذه مهمة كتاب وأدباء فلسطين الملتزمين وكذلك عائلة وأصدقاء الشهيد ناجي العلي.
قبل الختام نذكر أنه علت مؤخراً في رام الله أصوات تنادي بإعادة دفن رفات ناجي العلي هناك .. مع أحترامنا لتلك الأصوات وحسن نيتها، فهذا يعني أن يسير قتلة ناجي العلي في جنازته مرة ثانية. ناهيك عن أنه أوصى أن يدفن الى جوار والديه في مقبرة مخيم عين الحلوة إلى أن تتحرر فلسطين. وفلسطين بالتأكيد بما فيها رام الله والضفة مازالت تحت الاحتلال. كما أن ناجي كان لا يرغب أن يدفن إلا في مخيم عين الحلوة ومن ثم في مسقط رأسه قرية الشجرة في الجليل الفلسطيني الأشم.
أعادة فتح التحقيق في قضية اغتيال ناجي العلي – بقلم : نضال حمد
08-2010