أنا دمي فلسطيني

 أربعون سنة قضيتها في أوروبا كانوا خلالها يعلموننا الكذب على أنفسنا وتصديق كذبتهم. كانوا يدعوون أمامنا أنهم حضاريين وديمقراطيين ومع حقوق الانسان والمساواة بين الناس. يقولون أنهم دول قانون وعدالة ويهتمون أيضاً بحماية الحيوان والرأفة به… كانوا يؤكدون أنهم مع السلام والعدل وتقرير المصير للشعوب، يعني ضد الارهاب والظلم والديكتاتورية والأنظمة التي سموها “شمولية”، وأنهم مع النظام الاجتماعي واحترام الرأي والرأي الآخر، وأن الزلايات المتحدة الأمريكية هي مهد الحرية والدفاع عن القيم الديمقراطية… يبدو لأجل ذلك أسسوا حلف الناتو الأطلسي واعتدوا على دولاً وشعوب عديدة… وضموا دولة الابارتهايد والاحتلال والارهاب “اسرائيل” الصهيونية، رياضياً وحضارياً إلى القارة الأوروبية.

خلال الأربعون سنة تعلمت كثير من الأمور الايجابية وبنفس الوقت تعرفت على العقلية الغربية والأوروبية السياسية. لم أكن في يوم من الأيام مقتنعاً بأن الغرب أو أوروبا مع الحقوق الفلسطينية.. صدقوني لم أقتنع بذلك أبداً .. كنت أعرف أن هناك أصدقاء وصديقات لفلسطين بين الشعوب.. كما كنت كلما مرت سنة جديدة على وجودي في أوروبا أتيقن وأتأكد أكثر فأكثر بأن الغرب إختار معاداتنا والوقوف مع”اسرائيل”.. فهو غرب لا يتغير على ما يبدو وبقي على انحيازه الى جانب “اسرائيل” الصهيونية الفاشية الاستعمارية. ببساطة هو يقف معها لأنه هو الذي صنعها واخترعها وأسسها في فلسطين المحتلة.

أنا هنا طبعاً أتحدث عن نظرني نحو الأنظمة والحكومات والنخب السياسية الأوروبية والغربية التي في غالبيتها متصهينة. نعم متصهينة أو ذات توجهات يمينية شوفينية فاشية عنصرية معادية للاسلام وللشرق العربي، لها بالأساس تاريخ استعماري وتاريخ توسعي عدواني وحشي لا يمكن نسيانه. بطبيعة الحال فإن كل تلك القوى تعمل وعملت في خدمة الحركة الصهيونية والرأسمالية الإمبريالية العدوانية الأمريكية.

مع اندلاع الحرب في أوروبا وبداية الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عامين لم يعد اللعب في الغرب وأوروبا مخفياً ومن تحت الطاولة، لا بل صار على المكشوف وعلانية ومن فوق الطاولة. يعني إما أن تكون معهم وضد الروس هذا الغول الذي ترتعب منه أوروبا كلها أو ضدهم وهذا يعني حسب تفكيرهم أنك مع الروس وضدهم. يعني ممنوع أن تكون بينهم، ولك رؤيتك ونظرتك.. ويعني أيضاً أنهم لا يريدونك أن تستخدم عقلك ولا أن تحلل وتقول رأيك. يريدونك واحداً في قطيع ضخم تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، امبرطورية رعاة البقر والشر ومعها لقيطتها “اسرائيل”… فإن وقفت معاكساً لهم وحتى لو أنك لست مع روسيا سوف تجد ” رجال الأمن والمخابرات” مثلما هو الحال في دولنا العربية، تبحث وتسأل عنك وتوصل لك رسائلها. هي تريدك أن تعرف أنك متابع ومراقب وأن حرية الرأي لا تنطبق عليك وربما انتهت جزئياً في زمن حرب أوكرانيا ومن خلفها الغرب كله ضد روسيا. هذه سياسة مخابراتية بامتياز يعني إما تكون معنا أو ضدنا وما في حلول وسط.

انتهت بالنسبة لي مصداقية الغرب وشعاراته ووضعتها تحت نعلي في ساقي الاصطناعية، وضعتها هناك منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وهو يوم نزع الغرب عن وجهه آخر أقنعته، حيث بانت عورته وأظهر معاداته لفلسطينين وانحيازه الواضح الى جانب الأبادة التي تقوم بها “اسرائيل” في غزة. 

أقول للغرب إذا كنتم أعداء لشعبنا ولأمتنا ولقضيتنا وترضون بإبادتنا وتبررونها ولا تفعلون شيئاً لأجل ايقافها ولو ١% مما فعلتم لأجل أوكرانيا، فكيف تريدوننا أن نصدقكم وندافع عنكم؟؟؟

أنتم بكل صراحة أظهرتم أنكم أسوأ من الصهاينة لأنكم رعاة وحماة الابادة في فلسطين. لذا سوف يأتي اليوم الذي سوف تحاسبكم فيه البشرية وشعوبكم، على تواطؤكم في أم الجرائم بالعصر الحديث، جريمة إبادة عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة وتدمير القطاع المحاصر على رؤوس ساكنيه.

أنا شخصياً لا يمكن أن أنسى ذلك ولا أن أسامح أي سياسي ومثقف وإعلامي ورجل دين ومجتمع غربي وقف الى جانب جرائم واحتلال وعنصرية “اسرائيل”… كما ووقف ضد شعبي الفلسطيني الضحية…

أنا دمي فلسطيني ومن هذا الشعب العربي الفلسطيني، الذي أعتز بالإنتماء له منذ الطفولة وحتى الكهولة.

موقع الصفصاف – وقفة عز

نضال حمد

٨-١٢-٢٠٢٣