أنا ورشاد ابوشاور والشام أم الدنيا
ربما قصة العشق المتبادل بين رشاد وسوريا هي من القصص التي يجب أن يتذكرها المحبون لسوريا … كان صاحبي ابو الطيب رشاد أو ابو الفهد رشاد عاشقاً لكل سوريا ولم يوازي عشقه لها سوى عشقه لبلدته ذكرين ولوطنه فلسطين. عشق بيروت عشقاً ثورياً لكن عشقه لدمشق غير شكل، فهناك عاش فتوته وشبابه وهو الذي عاش يتيماً برفقة والده المطارد والمناضل اليساري الذي كان يقضي معظم وقته في سجون الأنظمة العربية الرجعية. ورشاد انتقل الى هناك ليكون مع الوالد اليساري، لكن رشاد كان ناصرياً وقوميا عربياً ولم يخف في يوم من الأيام ناصريته وعشقه للقائد والزعيم الملهم جمال عبد الناصر، ظل وبقي وفياً له حتى آخر لحطات حياته وللصدفة أنه توفي في نفس يوم وفاة الزعيم جمال عبد الناصر ونفس يوم استشهاد السيد حسن نصرالله.
الشام وحاراتها ومقاهيها وأزقتها ومخيمها اليرموك وكذلك جوبر وبقية مناطق البلاد التي أحب حد العشق تكاد لا تنساه وسوف تشتاق لطلته ولصوته الجهوري، الصداح في أرجاء الشام وصولاً الى تدمر وحمص وحماة وحلب والحسكة والقامشلي ونصيب وكل شبر حبيب من ارض سوريا الحبيبة.
قصة عشقه مع معشوقته سوريا لا تنتهي برحيله، فعلاً لا تنتهي بنهاية حياة رشاد. ففي كل مكان هناك له حضوره وذكرياته والمحبون الذين سوف يفتقدونه.. سوف يفتقده المخيم و وسوف تقتده العاصمة واتحادات الكتاب والأدباء ومجلات وتلفزات وجرائد وصحف الشام وفلسطين.. سوف تقتده الندوات واللقاءات والاجتماعات.. مثلما افتقده أنا وتفتقده عائلته..
ربما للكثيرين غيري ذكريات كثيرة معه، لكن لي منها نصيب كبير وطويل يمتد من الفاكهاني زصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس الى اليرموك والعائدين وجوبر .. ثم الى عواصم ومدن وبلدان عديدة عربية وعالمية …
كما كان له في موقع الصفصاف – وقفة عز حضوره الكبير والجميل، وكان زوار الموقع ينتظرون مقالاته بشكل منتظم، منذ تاسس الموقع نهاية تسعينيات القرن الفائت وحتى وفاته واصل رشاد نشر مقالاته وقصصه في الصفصاف فكان أحد أهم أعمدته المميزة والثابتة.
حكياتي مع أبي الفهد وذكرياتي برفقته كثيرة جداً سواء على ساحل لبنان أو في جباله وفي جبال قاسيون السورية وفي العواصم والمدن الأوروبية. يوم قرروا عقد المؤتمر الثالث لفلسطينيي أوروبا أو مؤتمر العودة في العاصمة النمساوية فيينا، طلبوا مني أن أرشح لهم شخصيات لدعوتها للمشاركة في الندوة الرئيسية للمؤتمر، فكان ردي مباشراً وبدون طول تفكير رشاد أبوشاور. اتصلت برشاد وشرحت له كل شيء من طقطق للسلام عليكم فأعطى موافقته. حضر الى فيينا وحين تكلم ألهب مشاعر الحضور وابكاهم واضحكهم في نفس الوقت. كان منير شفيق المتحدث الذي سيتحدث بعد رشاد. عندما وصل المايكريفون اليه قال ماذا تريدونني أن أقول بعد كلمة رشاد؟ اقول لكم “يا عمال العالم صلوا عالنبي”. وتكررت جعوات رشاد لمؤتمرات ولقاءات وندوات عديدة وكثيرة في اوروبا من اليونان واسبانيا وبولندا والمجر والنرويج والسويد والنمسا وألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
كنا دائما نتفق على أن نلتقي في الشام وفي مخيم اليرموك مخيمنا الحبيب قبل استشهاده ومن ثم عودته الى الحياة تدريجياً… حرصنا على أن ننزل في مخيم اليرموك وفي مكتب رفاقنا الذين نحب (رفاق رفيقنا وصديقنا وحبيبنا الراحل طلعت يعقوب) والذين كانوا بدزرهم يرحبون بنا ويكرموننا..
كان رشاد خفيف الظل وصاحب نكتة وحكواتي وراوي وقصاص والجلسات معه لا تعرف الملل وكل من شارك فيها لازال يذكرها، مثلما علقت يوم نعيه الأخت والرفيقة والصديقة سلوى، كانت في ويارة بالشام وقادمة من أوروبا، حين ذكرت جلسة قالت لن تنساها وإنها من العمر، يوم عرفتها برشاد في جلسة من تلك الجلسات في مخيم اليرموك، عند رفاق طلعت يعقوب…
الحديث عن رشاد لا ينتهي فلي عودة لتكلمته والتطرق الى عشرات السنين من النضال المشترك فكرا وموقفا وبندقية وقلم وثقافة مقاتلة لأجل فلسطين والامة.
نضال حمد
05.10.2024
موقع الصفصاف – وقفة عز