أنعى إليكم الرجل المجهول: نبيل العلم – بقلم أسعد أبو خليل
مرّ علينا وعليكم بصمت وخفر. ترك أكبر أثر. لم يرد أن يزعجنا. لم يطيّر برقيّات ولم يشيّد لنفسه كرفاق سابقين له قصراً منيفاً للوجاهة النيابيّة. أتى ورحل من دون إرادته. رحّلوه لأن الأقربون والأبعدون خافوا منه. خافوا منك وأنت لم تخف من أحد. عندما كانت قيادات الحركة الوطنيّة تتوسّط عند أمين الجميّل كي لا تتعرّض للمهانة والمذلّة والتنكيل، كان هو يخطّط بإرادة حديديّة.
هو و«الرجل الخطير» رفضا الاعتراف بمترتّبات الاجتياح الإسرائيلي ومضاعفاته في 1982. لهما كان يوماً آخر، مثل باقي الأيّام. انهمرت الصواريخ والقنابل فوق رؤوسهم فيما كانا يعدّان العدّة للمواجهة. من أي معدن جُبل هؤلاء ومن أي طينة صُنعاً؟ أليسا مثل باقي البشر، وإن أرفع قليلاً أو كثيراً منهم ومنهن؟
رحل نبيل العلم ولم يعلم مدى تقديرنا له، يا لأسفنا. رحل من دون أن يدري كم نحن مدينون ومدينات له. هو الذي خطّط وصمّم ورسمَ ونظّم وضرب وقاوم، فيما كان معظمنا على المنابر أو وراء شاشات الطابعات الآليّات أو شاشات الحاسوب فيما بعد. نبيل العلم: بطل في بلد ينبذ الأبطال ويرفع شأن الأنذال والأذلاء. هذا ديدن مسخ الوطن.
أهكذا نتذكّر أعظم ما مرّ علينا من رجال (ونساء)؟ أهكذا نتذكّر بالنسيان واحداً من أهم اللبنانيّين المعاصرين؟ أهكذا يمرّ خبر جلل من دون إيلائه اهميّة في الصحف باستثناء الحماسة له على شبكات التواصل الاجتماعي من قبل شبيبة لم تعاصره؟ أهكذا يتعامل لبنان، مسخ الوطن، مع واحد من خيرة رجاله؟ أهكذا تصبح الذكرى منسيّة؟ ما أصبح عليه هذا البلد، وما أمسى؟ لا يليق الاستقلال بمن لا يزهو بمصارعي الاحتلال ومقارعيه الحقيقيّين (هاكم المهزلة الوطنيّة، ميشال سليمان – الذي اختبأ في حرب تمّوز – يزهو أنه قاد قوّات الجيش اللبناني للانتشار في الجنوب بعد انتهاء المعارك، ووفق أجندة إسرائيليّة. بعد انتهاء المعارك، يا قوم). لا يليق التحرّر لمن يرفع الحريّة شعاراً فقط من أجل تسريب التطبيع ومقولات الصهيونيّة، ومن أجل المطالبة بحق العدوّ الإسرائيلي في الاحتلال والعدوان؟ لا يليق التحرّر بمن يحتفي بعيد استقلال وهمي. تماثيل لرياض الصلح وبشارة الخوري ومجيد أرسلان وجادة باسم شفيق الوزّان – الأداة الطيّعة لأمين الجميّل – ولا من يزيّن الشوارع والأنحاء بصور ورسوم نبيل العلم؟
كيف أنعى لكم رجلاً مجهولاً؟ كيف أنعى رجلاً بلا صورة أو رسماً له من عقود؟ كيف أنعى لكم ولكنّ من يفوق تأثيره في يوم على تأثير ميشال سليمان في ست سنوات؟ كيف أنعى لكم من لا يزال اسمه ممنوعاً عن الصحف ووسائل الإعلام؟ كيف أنعى لكم من يُمنع اسمه من المنهاج الدراسي في لبنان فيما يحتلّ منافقون ومتحالفون مع العدوّ الإسرائيلي كتب التاريخ اللبناني؟ كيف أنعى لكم ولكنّ من غاب عن لبنان ولم يعد إليه؟ كيف أنعى لكم من غيّر تاريخ لبنان؟ كيف أنعى لكم من خططّ وصمّم وتعاون مع حبيب الشرتوني – «الرجل الخطير» – من أجل كسر الطوق الإسرائيلي في تاريخ لبنان الحديث؟ كيف أنعى لكم ولكنّ من يدين وتدين له كل لبنانيّة ولبناني بحياتهم؟ كيف أنعى لكم ولكنّ مَن فتح لنا الآفاق والفضاءات ودفع من أجل ذلك أبهظ الأثمان؟ كيف أنعى لكم من تمنّع حزبه عن نعيه خوفاً منه ومن اسمه؟
زياد الحمصي وفايز
كرم طلقاء فيما يضيق مسخ الوطن بنبيل العلم وحبيب الشرتوني
لا لغز في الأمر ولا أسرار: هو نبيل العلم. مات العلم في الغربة وبالكاد ذكرته مواقع على الإنترنت. مات نبيل العلم في غربة قاسية فيما يعجّ لبنان ومجلسه النيابي بحلفاء العدوّ الإسرائيلي؟ سمير جعجع وفايز كرم وزياد الحمصي خرجوا من زنازينهم ونبيل العلم ممنوع عن لبنان؟ نبيل العلم مطلوب من القضاء اللبناني فيما تتداول الطبقة السياسيّة الفاسدة في لبنان اسم أمين الجميّل كمرشّح توافقي في لبنان؟ ربيب الاحتلال الإسرائيلي، سمير جعجع، مرشّح جدّي للرئاسة في لبنان ونبيل العلم يموت في الغربة؟ هذه دولة تحفل بأمثال ميشال سليمان والياس المر وسمير مقبل ومجيد أرسلان. كل ما يوحي بالهزل في مواجهة خطر العدوان (في خطاب أخير له وازى سليمان هذا بين خطر العدوّ الإسرائيلي و«خطر» اللاجئين السوريّين والفلسطينيّين).
لم يخفْ الإعلام في لبنان من مجرّد ذكر اسم نبيل العلم وذكر خبر وفاته، لكن حزبه الذي أفنى سنيه فيه رفض أن ينعيه خوفاً من عواقب سياسيّة وقضائيّة. الحزب السوري القومي الاجتماعي رفض أن ينعي نبيل العلم بالرغم من طلبات الأعضاء والمناصرين والمناصرات. الحزب يتنصّل من أنبل وأشجع وأفضل وأصلب من أنتج الشعب. على الحزب أن يزهو ليل نهار بأمثال حبيب الشرتوني ونبيل العلم: هؤلاء هم من أمثال أفضل المقاومين وأكثرهم وقعاً في التاريخ اللبناني الحديث. الحزب الذي أوصاه مؤسّسه بوقفة عزّ، وقف وقفة تخاذل في تجاهله نبيل العلم.
نبيل العلم هو قدوة للمناضلين والمقاومين في لبنان. كرّس حياته كلّها للنضال من أجل لبنان وفلسطين وكان عمله بالذّات نقطة التقاطع بين المقاومة الفلسطينيّة والمقاومة اللبنانيّة. هو عمل مع الجهاز الأمني المُقاوم لـ«أبو أياد» والجهاز الأمني لـ«أبو جهاد» واستفاد من التنسيق بين مختلف الأجهزة لغاية واحدة ألا وهي ضرب العدوّ في مواقع مختلفة معه. نبيل العلم ينتمي إلى جيل من اللبنانيّين واللبنانيّات كان فيه الموت من أجل فلسطين حدثاً يوميّاً ينتشر على ملصقات مختلفة ومتنوّعة على جدران مدينة بيروت وباقي مدن وقرى (مسخ) الوطن. كان الاحتفال بالأعياد الوطنيّة وأعياد ولادة الأحزاب والمنظمّات يجري عبر عمليّات فدائيّة في فلسطين المحتلّة أو في ما كان يحتلّه العدوّ من مواقع في لبنان (إن في جنوب لبنان أو في جزيرة العدوّ الإسرائيلي في «بيروت الشرقيّة» وتوابعها).
خاف منك الجميع يا نبيل العلم: خاف منك حزبك وخاف منك أعداؤك وخافت منك دولة تخاف من مقاومة ردعت عدّونا. غادر نبيل العلم لبنان ولم يعد إليه. لم أكن أريد أن أعلم أين هو. كل ما كان يهمّني أن أعلم أنه بخير في مكان ما على وجه المعمورة. أتانا النبأ من مكان ما: نبيل العلم مات بمرض السرطان ولم يُعلن عن مكان الوفاة. لن يكون هناك من مجال لتلقّي العزاء ولا لدفنه في تراب حافظ عليه كما لم يحافظ عليه من تعاقب في قيادة الدولة في لبنان. نبيل العلم مات غريباً عن بلده لأن تعريفه ولقياه كانا يحتاجان إلى قرار دولي. محكمة دوليّة تتعقّب المقاومين بأمر أميركي ــ إسرائيلي ونبيل العلم ممنوع من المواجهة. لو أن نبيل العلم لم يغادر لبنان. لو أنه بقي ليصمّم ويخطّط عمليّات مواجهة مع العدوّ. كيف حُرم نبيل العلم من فصول المقاومة في لبنان في التسعينيات وما بعد حتى التحرير، وصولاً إلى حرب تمّوز؟ كيف قبل حزبه بترحيله، ربما بضغط من النظام السوري الذي له باع طويل في التسويات المشينة من تحت الطاولة. لماذا تتكثّف التناقضات في لبنان؟ لماذا يضج البلد بأصوات وصور المنافقين والمتاجرين والوصوليّين والباهتين والوسطيّين والساجدين أمام شيوخ النفط والغاز والكاز فيما يجهل الشعب أخبار المقاومين والصلبين والشجعان والمُحرّرين؟ لماذا لا يكون نبيل العلم اسماً على كل لسان وصورة على كل الجدران بعد وفاته؟ لماذا لم تتوقّف البرامج وتُقطع نشرات الأخبار لحظة الوفاة؟ لماذا لم يُجمّد البثّ في كل المحطات لإعلان وفاة واحد من أعتى أعداء العدوّ الإسرائيلي على وجه الأرض؟
لو أن مسخ الوطن يصبح وطناً، ولو أن لبنان يتحرّر فعلاً من السطوة الأجنبيّة والاحتلال، لو أن لبنان يخلو من أمثال ميشال سليمان الذين (لا) يغيّرون خطابهم بعد (عدم) تلقّيهم رشاوى سعوديّة، لو أن لبنان يصبح دولة يهابها السفراء الغربيّون بدلاً من أن يهاب رئيس الدولة موظفي السفارات الغربيّة وإن كانوا من درجة عاشرة في المرتبة الوظيفيّة، لو أن لبنان بلد ذو سيادة، لكانت جنازة نبيل العلم جالت كل لبنان. لكن هذا هو لبنان.
مات نبيل العلم ولم تحدث وفاته زوبعة كما كان يستحق. تنكّر حزبه له، وتنكّر وطنه له. نبيل العلم تخطّى الحزب الذي ناضل في صفوفه ليصبح ملكاً لنا جميعاً، قوميّين ويساريّين ومائعين ومقاومين. لم يكن نبيل العلم يحلم بتحرير قرية أو محلّة (كبرى كانت أم صغرى) أو حي. كانت أحلام نبيل العلم بحجم الوطن كلّه. كان نبيل العلم البعيد عن الأضواء، شأنه شأن كل المقاومين الحقيقيّين، يخطّط لضرب عملاء العدوّ وإرهابيّي «الموساد» في مناطق مختلفة من لبنان. اختار العلم أن يعمل في أكثر مناطق لبنان خطورة في سنوات الحرب، أي في ما كان يُسمّى بـ«بيروت الشرقيّة». كانت القوّات اللبنانيّة تحكم قبضة حديديّة على مناطقها وكان جهاز مخابراتها (بإمرة إيلي حبيقة الذي تحوّل إلى ممانع بتغطية من رفيق الحريري – كان ممانعاً هو أيضاً، أوتذكرون؟ – ومن جهاز المخابرات السوريّة العاملة في لبنان)، وهو جهاز رديف لجهاز المخابرات العدوّة يقضي على كل من يعارض حكم بشير الجميّل. كان الحكم في «بيروت الشرقيّة» فاشياً تماماً (كان يُقال إن جلال خوري كان الماركسي الوحيد الذي سُمح له البقاء في المنطقة وكان الرجل الشجاع يخرج مسرحيّات يتعرّض فيها بالإيحاء القوي للفاشي الصغير، بشير الجميّل) فيما كان الحكم في «بيروت الغربيّة» فوضى من السلاح والعصابات والأحزاب، وكانت مخابرات العدوّ مع مخابرات جوني عبده حريصة على زرع دكاكين إرهابيّة لإشعال فتيل الصراعات من أجل تمهيد الطريق أمام اجتياح 1982.
لم يكتب بعد تاريخ نبيل العلم وتاريخ إنجازاته. من منّا كان يعرف اسم حسّان اللقيس قبل اغتياله؟ أمثال هؤلاء يعملون في الظلام حفاظاً على السريّة وعلى الكفاءة الأمنيّة والعسكريّة. كان أبو داوود على حق: مات أبو حسن سلامة لأنه كان يلغو ويزهو بما لم يفعل أو يصنع، ما أوقعه في دائرة الاستهداف من قبل العدوّ الذي ظنّ أنه هو كان وراء تنظيم «أيلول الأسود» (هذه واحدة من مكامن جهل وفشل العدوّ الذي خدع العرب لعقود طويلة في زرع أفكار عن تفوّقه وعن علمه وإدراكه – هذا العدوّ أردى نادلاً مغربيّاً في النروج، اسمه أحمد بوشيكي، قتيلاً فقط لأنه ظنّ أن صاحب القامة الطويلة هو أبو حسن سلامة، وألقت السلطات الأمنيّة القبض على عملاء الموساد القتلة لكنها أطلقت سراحهم بعد أسابيع). نبيل العلم بقي في المجهول ولم يسمح لنا أن نزهو به، هو الذي لم يترك لنا ما يجعلنا نزهو به.
لم يقتل العدوّ نبيل العلم لكن السرطان قتله. هذا الذي طارد العدوّ في كل مكان والذي جسّد في نضاله الطويل عمق التحالف (الماضي) بين المقاومة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة، مات من دون أن يمنح العدوّ نشوة اغتياله. نبيل العلم أسطورة لم يعلم بها أبناء وبنات وطنه، وطمس حزبه ما يجب أن يُعلم به الناس.
أين الحزب السوري القومي الاجتماعي ليرفع رايات النصر في مأتم نبيل العلم؟ أين الحزب السوري القومي الاجتماعي ليخبر الشعب اللبناني عن واحد من أفضل خرّيجيه، عن راعي حبيب الشرتوني وخالد علوان؟ لا، لا تكفي تلك اللافتة الصغيرة في شارع الحمراء كي تخبر الحكاية – الملحمة. أين الحزب السوري القومي الاجتماعي ليطالب بصوت جهوري بعودة جثّة نبيل العلم إلى لبنان ليستقبلها كلّ من يؤمن بمقاومة العدوّ؟ لماذا صمت الحزب عن خبر وفاة نبيل العلم؟ بماذا انشغل الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ هل شغله الدفاع عن النظام السوري عن علم من أعلامه؟ هل ترك الحزب لنا نحن الذين (واللواتي) لا نمتّ بصلة عقائديّة للحزب كي ننعيه ونرثيه أمام الملأ؟ أي تقصير هو هذا، وأي انكفاء هو هذا؟
قد لا يذكر البعض من الجيل الجديد معالم تلك الحقبة من تاريخ لبنان المعاصر. باختصار شديد، عزمت أميركا والعدوّ الإسرائيلي على إنشاء كيان صهيوني رديف في لبنان يأتمر بأمرة صغار ضبّاط «الموساد» الذين كانوا يشغلّون كل قيادات «الجبهة اللبنانيّة» و«القوّات اللبنانيّة». أمام هؤلاء كان بيار الجميّل (الجدّ) يبكي كالأطفال أمام عناصر «الموساد» يستجدي مساعدات عسكريّة. كان بشير الجميّل مُعَدّاً كي يُكمل بناء كيان ذيلي للكيان الصهيوني الغاصب، وكي يجعل من جيش لبنان «جيش لبنان الجنوبي» فقط. لم يكن مسموحاً على لبنان إلا طاعة العدوّ الإسرائيلي. ينسى البعض ان الفريق المعادي للفريق الفاشي تُرك مهيض الجناح وضعيف البنية بعد انسحاب قوّات المقاومة الفلسطينيّة من لبنان. تيتّم آنذاك أكثر من نصف شعب لبنان، والذي كان يترأس «الحركة الوطنية» آنذاك، أي وليد جنبلاط، أطلق العنان لرشّاشه في وداع أبو عمّار بعد أن كان هو الذي يضغط على المقاومة كي تنسحب من لبنان، وبعد أن كان قد استقبل في دارته في المختارة شمعون بيريز، ضيف الاجتياح الخاص عام 1982.
رفض نبيل العلم ورفاقه الأبطال التقويم الإسرائيلي عام 1982. قفز وحبيب الشرتوني (ومن ساعدهم بصمت وسكينة في المقاومة الفلسطينيّة) فوق عقارب الساعة. إن اغتيال قادة العدوّ وعملاء «الموساد» المنتشرين في لبنان آنذاك كان من اختصاص نبيل العلم. وكيف يتردّد العلم في مهمّة التخلّص من أركان حرب العدوّ، إسرائيليّين كانوا أم لبنانيّين؟ إن ما حدث في أيلول 1982 عندما قضى العلم وحبيب الشرتوني على أحلام العدوّ الإسرائيلي (وعلى أحلام زمرة الجميّل) غيّر مسار التاريخ اللبناني وإلى الأبد. صحيح أن أمين من بعد أخيه وعد العدوّ بأن يلتزم بما التزم به أخوه، وصحيح انه وعد بأن يذهب أبعد من أخيه في مراضاة العدوّ – بحسب المراجع العبريّة – وصحيح أنه وقّع اتفاقيّة 17 أيّار المشؤومة التي ستظلّ تقبّح وجه لبنان إلى أبد الآبدين، لكن الأوان كان قد فات. لم يكن من الممكن إنقاذ ما أراد العدوّ إنقاذه. كان النظام الطائفي الجمهوري قد قضى نحبه عام 1982. استمرّت تجربة الجميّل سنتيْن فقط واستعان فيها بقوّات العدوّ وقوّات حلف شمال الأطلسي. انسحبت أساطيل أميركا جارّة أذيال الخيبة في شباط 1984 (لم يجرؤ رونالد ريغان على مفاتحة شعبه بما حصل فاكتفى بإعلان «إعادة انتشار القوّات الأميركيّة» من لبنان كي يخفي الهزيمة والخيبة). كل ذلك كان من صنيعة نبيل العلم ورفاقه.
كيف أكتب عنه وأنا أجهله. كيف أستفيض في الحديث عن الرجل الصامت؟ كيف أفي حق من لم يرد منا أن نفيه حقّه. لم يودّعنا نبيل العلم. تركنا نعيش حقبة جديدة من التحالف (الطائفي طبعاً) مع العدوّ الإسرائيلي في حرب تمّوز. لو أن العلم كان بيننا، ماذا تراه كان سيفعل؟ ماذا كان عقله الجهنمي سيخطّط آنذاك؟ كيف كان سيعاقب أعوان العدوان، يا ترى؟ هل كان سيفجّر الحجر فوق رؤوس حلفاء العدوّ الإسرائيلي أيّام العدوان؟ من يخبرني عن معاناة العلم وهو يراقب التطورّات السياسيّة في لبنان عن بعد؟ كيف تعامل مع ظهور حركة 14 آذار كوريثة لمشروع بشير الجميّل؟
متى سيعود نبيل العلم (ميتاً) وحبيب الشرتوني (حيّاً) إلى لبنان؟ هل هناك من يستحق العودة – لا هل هناك من يستحق الوطن – أكثر منهما؟ حنا عتيق، عاد إلى لبنان فيما تُمنع العودة عن الأبطال؟ زياد الحمصي وفايز كرم طلقاء فيما يضيق مسخ الوطن بنبيل العلم وحبيب الشرتوني؟ أسعد الشفتري يجول على القرى والمدن ليطلب منا غفراناً عن جرائم لا يريد أن يعترف بها فيما البطلان بعيدان عنّا؟
لا، لن يضيق فضاء لبنان بنبيل العلم. هو سيعود، حتماً حتماً سيعود، وسيعود (قبله أو بعده) حبيب الشرتوني. ولن يعود الاثنان إلا في أجواء احتفاليّة تليق بصانعي الانتصارات المجهولة. وعندما تعود جثّة نبيل العلم إلى لبنان لن يقف حنّا عتيق وسمير جعجع وأمين الجميّل ومسعود الأشقر وجورج عدوان ووليد جنبلاط وبطرس حرب ومروان حمادة على الشرفات. هؤلاء سيغلقون الأبواب والنوافذ.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com