أنفاس عماد مغنية في تونس – صلاح الداودي
نراه هنا في تونس في التاريخ الطويل لشهداء تونس من أجل فلسطين ونراه في التاريخ الطويل لنضال شعبنا من أجل فلسطين. ونراه في الأفق السحيق وفي الأفق البعيد وفي الأفق القريب. وفي كل معاركنا الحالية من أجل تجريم التطبيع مع الكيان (الإسرائيلي) نراه ونصافحه ونناديه ونجالسه ونعتذر له ويقبل عذرنا ويشد على أيادينا ويعدنا بالنصر الموعود.
على أرض تونس نحتفظ برائحة عماد مغنية. ونقيم موطناً للذاكرة المتخيلة. ونزرع وردة في طريق آمنة لا بد من أن يمر عليه برزخياً أو ملكوتياً. على أرض تونس نفس طيب يفوح في هواء الضواحي والاصقاع. وإيقاع ترنيمات روحية يجمع الخطوة بالخطوة واللحظة باللحظة والذكرى بالذكرى والذاكرة التاريخية الحية بالذاكرة المتخيلة والاستشرافية.
ومن بين صدور تونسيين آمنوا به وبخط المقاومة وحلموا بتيار وطني مقاوم يعاضد خطه وجودياً ومدنياً وسياسياً وفكرياً وثقافياً، يحق لنا حقاً كاملاً أن نقول إن عماد مغنية منا ونحن منه. ويحق لنا تماماً وللأجيال القادمة أن نبحث ونوثق وأن ننشىء ونشيد باسمه ما يجب وأن نسمي باسمه ما يجب وأن ندافع باسمه عما يجب.
في شعب تونس الطيب وعلى أرضها الطيبة نحفظ الأمانة وننقلها لمن يستحقها. ونذكر السادة القادة الشهداء ونحتفي بذكراهم، فهم في نهجهم وفي جهادهم وكفاحهم المستمر ضد العدو (الإسرائيلي) وعلى خطى عماد مغنية، ينتصرون لنا ويقاتلون وينتصرون نيابة عنا ضد من اغتصب أرضنا وقتل أبناء فلسطين وأبناء تونس ولم ينل ما يستحق.
أجل عماد مغنية في تونس وسيظل في تونس. فإذا كان عماد قد دخل أرض تونس فإن كل مقاوم على نهجه قد دخل أرض تونس وإن كل قيادي في فلسطين وفي كل محور المقاومة بمن فيهم سماحة السيد، قد مر بأرض تونس وقد عاشر شعب تونس.
لا نتناول هنا أي جانب تاريخي أو توثيقي من حياة الشهيد القائد العظيم عماد مغنية، الحاج رضوان. ولا حتى نعرض تحليلاً لأثر ما مباشر تركه الشهيد يخص تونس والتونسيين، وإنما روحه وطيفه والخيال والذاكرة المتخيلة. إننا نراه واقفاً على باب المغاربة حاملاً كل رايات بلاد العرب والمسلمين وأحرار العالم ليدخل الأقصى وكل محيط القدس محرراً. إنه هناك على باب المغاربة حاملاً راية تونس الحمراء والبيضاء مشيراً من بعيد: أنتم هنا ومن هنا أيضاً ستعبرون. أنتم هنا وقد أوصاني “الوالد” الشهيد عرفات بكم وقد أوصيته بدوري أنه لابد أن تعودوا لمكانكم هنا كما كنتم يوماً. وقد وعد قائلاً: أجل يا “ولدي العزيز”، لا ريب.
كل ما نعرفه عن علاقته بتونس من خلال الصحافة اللبنانية، هو حضورة إليها سنة 1988 ولقاء الشهيد ياسر عرفات في تونس سنوات بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. كل ما نعرفه عنه أيضاً وفي نفس السياق علاقته بحركة فتح وبنهله من مدرستها وبدوره الأمني والعسكري فيها ومقاومته معها وبعدها، علاوة على علاقته الخاصة بالشهيد عرفات وبالشهيد خليل الوزير أبو جهاد حيث عمل معهما وكان رسولاً بينهما.
ولكننا نراه هنا في تونس في التاريخ الطويل لشهداء تونس من أجل فلسطين ونراه في التاريخ الطويل لنضال شعبنا من أجل فلسطين. ونراه في الأفق السحيق وفي الأفق البعيد وفي الأفق القريب. وفي كل معاركنا الحالية من أجل تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي نراه ونصافحه ونناديه ونجالسه ونعتذر له ويقبل عذرنا ويشد على أيادينا ويعدنا بالنصر الموعود.
ويأتي صوته الواثق الهادىء بين الكلمات مطمئناً: ما لا تعرفونه واضح ومحدد ودقيق، بل تعرفونه وترونه بل أنكم رأيتم منه ما رأيتم في كل الميادين وطوال كل السنوات الماضية حتى إسقاط الطائرة. وسترونه في المكان وفي الزمان قريباً جداً تماماً كما ترونني وترون القدس.
نرى فيما نرى وصية للتونسيين من ثلاث كلمات للشهيد القائد الخالد عماد مغنية محمولة على أكتاف الشهيد ميلود بن ناجح والشهيد عمران المقدمي يتوسطهما الشهيد محمد الزواري: لا تطبيع مع التطبيع.
كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية.
المصدر : الميادين نت