أنفلونزا الجدران العازلة
على حدود غزة مع مصر
نضال حمد
“أيا كان ما نقوم به على الحدود المصرية الشرقية مع قطاع غزة أو (إسرائيل) فهو شأن مصري بحت يرتبط بممارسة حقوق السيادة الوطنية وما يحدث على الجهة الأخرى هو شأن الجهة الأخرى».
بهذه الكلمات عقب مسؤول مصري رفيع المستوى على عملية بناء الجدار الفولاذي العازل التي يقوم بها النظام الحاكم في مصر لتأكيد تحالفه مع السياسيتين الأمريكية والصهيونية. ووقوفه صفاً واحداً مع محاصري غزة، وفي مواجهة صمود الشعب الفلسطيني، وقواه المقاومة في القطاع المحاصر من كل الجهات، براً، بحراً وجواً.
ان قطاع غزة الذي عرف بمصنع الفدائيين في زمن انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال وفي مرحلة أوسلو وما تلاها، لم يرضخ في أي وقت من الأوقات لأي كان، مما جعل رئيس وزراء الصهاينة المقتول رابين يتمنى أن يبتلع البحر غزة بمن فيها.. لكن التراب ابتلع رابين وظل القطاع عصياً على الأعداء والمحتلين وأعوانهم المختلفين…
لذا على النظام المصري أن يعلم أنه لا الفولاذ ولا الحديد ولا الجداران الاسمنتية والمعدنية سوف تتمكن من كسر صمود هذا الشعب الفولاذي الإرادة. لأنه يقف على خط النار مباشرة وفي خط الدفاع الأول عن أمة العرب قاطبة.
المسؤول المصري يعتبر أن خنق الشعب الفلسطيني وحصاره بحجة حماية الأمن القومي المصري عملاً وطنياً مباركاً .. نعم هو مبارك من حلفاء النظام المصري وليس من شعب مصر العربي الأصيل، المبتلى بهذا النظام، العاجز عن حماية أمن مصر القومي والمخترق وغير المحمي والمهان من قبل الصهاينة والغرب والأمريكان. ولأنه كذلك نراه يقدم الخدمات الكبيرة لأعداء العروبة .. فهو يعتبر بناء جدار حديدي فولاذي بتمويل (إسرائيلي) أمريكي شأناً مصرياً تقوم به مصر على حدودها مع قطاع غزة، ويضيف أن ما يقوم به الجانب الصهيوني شأن ” إسرائيلي ” لحماية السيادة الوطنية في كل من مصر المخترقة من الغرب وفي فلسطين المحتلة بشكل مباشر من قبل الصهاينة. وغاب عن المسؤول المصري أن غزة بصمودها الاستثنائي إنما تدافع عن أمن مصر القومي وليس فقط عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والتقدم والرفاهية والعيش بأمان وسلام.
ان شراكة النظام المصري في عملية خنق الشعب الفلسطيني وقتله جوعاً ومرضا وحصارا إنما هي جزء من ضريبة سلام كمب ديفيد ، وتسديد لفواتير على النظام دفعها للأمريكان والصهاينة. وهي بنفس الوقت تعبير عن شراكة في المؤامرة وفي تعذيب وأعتقال واذلال واهانة الفلسطينيين على المعابر الحدودية المصرية، حيث لا كرامة ولا احترام ولا سيادة ولا قانون، ولا عروبة ولا أخوة، ولا انتماء لأمة كانت مصر في يوم من الأيام قائدتها ورائدتها وعاصمتها، ومهد ثوراتها ومقاوماتها، ورافعة راياتها وصائنة وصانعة عزتها. لكن هذا كان يوم كانت مصر دولة ذات سيادة وقوة وصوت وكلمة، ويوم كان ناصر زعيمها وزعيم الأمة العربية المقاومة لا الأنظمة الفاسدة والمستسلمة.. ويوم كانت طلائع قوات مصر العربية تمارس دورها في الدفاع عن سيادتها وعن كرامة المواطن العربي في كل الوطن العربي. ويوم كانت ملايين الجماهير العربية تنتظر ناصر وخطاباته لتستمع لكلمة مصر ولتعرف موقفها ، الذي كان ينعكس على مواقف العرب كلهم. تلك مصر التي يحلم كل عربي، يحلم بعودتها ذات سيادة وكرامة وقوة، لتكون نصيراً حقيقياً لشعب فلسطين في مقاومته ضد الاحتلال الصهيوني. فغزة هي العمق المصري والعربي وهي بوابة الأمن القومي المصري و السيادة المصرية. لا مئات من الشرطة وأفراد الأمن المركزي والمخابرات تسمح لهم ” إسرائيل ” بالمرابطة على حدود فلسطين لقمع واذلال الفلسطينيين. فهؤلاء المخبرين يسيئون لمصر وشعبها وكرامتها وسيادتها عبر اذلالهم للفلسطينيين على المعابر وفي الموانئ والمطارات وفي مقرات الشرطة والمخابرات. وعبر محاربتهم لعمليات تهريب الغذاء والدواء والطاقة والسلاح الى الشعب الصامد المقاوم في القطاع. فلو أن مصر مارست دورها الصحيح في دعم شعب فلسطين لما كانت هناك حاجة للأنفاق والتهريب.
تأخذ مصر على الفلسطينيين قيامهم في يناير 2008 بعدما جاعوا وعطشوا ومات مرضاهم وحينما عز عليهم الغذاء والدواء والماء، قيامهم بهدم السياج الحدودي واقتحامه لشراء الموا الغذائية لتلبية حاجاتهم وسد رمق أطفالهم الجياع والمحاصرين من قبل مصر أولاً ومن قبل الصهاينة ثانياً. مما سبب بحسب المسؤول المصري ” فوضى كبيرة في الجانب المصري”.
لكن لو أرادت مصر فعلاً مساعدة الشعب الفلسطيني وحل تلك المعضلة لقامت بفتح المعبر ومساعدة الفلسطينيين على الحياة والعلاج والتحرك وإقامة علاقات طبيعية مع الشعب المصري الشقيق.
لمصر الحق بما أنها دولة ذات سيادة ولها حدود مع قطاع غزة الذي فيه حكومة منتخبة من قبل الشعب الفلسطيني ومعترف بنزاهة انتخابها دولياً أن تفتح المعبر وقتما تشاء وبدون شروط. ويمكنها القيام بذلك إن أرادت لكنها لا تريد .. ولهذا السبب تبقى مصر الرسمية عاجزة عن استعادة سيادتها المفقودة، المكبلة بأغلال كمب ديفيد. والتي تعيش في ظل نظام متحالف مع أعداء مصر وفلسطين والعروبة، والتي تفتقد للسيادة الحقيقية..
مصر تلك أي مصر النظام فضلت ممارسة الدور الموكل لها أمريكياً وصهيونياً عبر المشاركة في مؤامرة ذبح الشعب الفلسطيني وفرض الحل الصهيوني الأمريكي عليه.
لكن لا سياسة وأفعال النظام المصري سوف تكسر إرادة أهل غزة ولا حتى وباء انفلونزا الخنازير الذي تقول الأنباء المتضاربة أنه أخذ ينتشر بسرعة في القطاع. وكأن الخنازير البشرية المنوعة والعديدة التي تحاصره من كل الجهات بحاجة لمساعدة أخرى حتى تحقق المطلوب منها ..
إن إرادة أهل القطاع الصامدين الصابرين مع مقاومتهم في بقعة جغرافية صغيرة، مدافعين بدمائهم ولقمة عيش أطفالهم عن شرف وكرامة وعزة أمة العرب قاطبة، وعما تبقى من أمة الإسلام والمسلمين. هي إرادة مباركة من العباد ورب العباد، لذا لن تكسرها اعتداءات الاحتلال ومؤامرات المتآمرين، و حصارات العرب المستسلمين ولا مساعدة الفنيين الأمريكيين في بناء الجدار الفولاذي المصري العتيد. فوحدة شعب فلسطين مع شعب مصر لا بد غلابه ومنتصرة مهما طال ظلام الليل.
14/12/2009
* مدير موقع الصفصاف
www.safsaf.org