أوهامُ مشروعِ الانتصارِ (الإسرائيلي) – د. مصطفى يوسف اللداوي
إنه ليس شعاراً يُرفعُ، أو هدفاً يُوضعُ وغايةً ترسمُ، وإن كان هو حلمهم بالانتصار الناجز، وأملهم الكبير بكسب المعركة وكسر المقاومة، والقضاء على كل الأعداء ودرء جميع الأخطار، والرد على أي اعتداءٍ، والانتقام من قوى المقاومة، بقصف مقراتها، واغتيال قادتها، واستهداف مواقعها، وتدمير أسلحتها، والغارة على مستودعاتها، وتضييق الخناق عليهم وتشديد الحصار البري والبحري، وإغلاق المعابر، والتوقف عن إدخال السلع الغذائية والأدوية ومواد البناء وغيرها.
بل هو تيارٌ سياسي شعبي (إسرائيلي)، غاضبٌ من جيشه، وغير راضٍ عن حكومته، وساخطٌ على قادته، وناقمٌ على الأوضاع العامة في كيانهم، وهو تيارٌ قويٌ، يكبر ويتسع، ويزداد وينتشر، وينشط ويتفاعل، ويستفيد من كل المنصات ويستغل كل المنابر الإعلامية والاجتماعية، ليحقق هدفه ويصل إلى غرضه، وهناك من يرعاه ويوجهه، أو يستغله ويستخدمه، خوفاً وقلقاً، أو خدمةً لأهدافٍ سياسية ومنافع حزبية وأطماعٍ انتخابية.
مشروع الانتصار (الإسرائيلي) تجمعٌ نخبويٌ شعبيٌ وحزبي صهيوني، يتطلع إلى استعادة الحسم في المعركة، والانتصار في الحرب، بعد أن تراجع مستوى الردع لدى جيشهم، وفقد القدرة على الحسم الأكيد، وخسر ميزة التفوق الكبير، وبات خصومه يملكون ذات أسلحته، ويحوزون على الخبرة والدقة والتقانة الحديثة، ولديهم المعلومات الدقيقة المتجددة، وعندهم القرار الحر المستقل، والجاهزية التامة، والحضور الفاعل والقرار الحاسم، الأمر الذي جعل عمل الجيش معقداً وقرار القيادة السياسية ملتبساً، التي أصبحت مرتعشة مترددة، خائفة وجلة، إذ لم تعد حروبهم مهمة سهلة أو نزهة سريعة، بل باتت موجعة ومؤلمة، ومكلفة ومؤذية، وفيها من الخسائر ما لا يحتملون، ومن الآلام والأوجاع ما لا يقوون على الصبر عليها.
بات اليأس يتسرب إلى نفوس المستوطنين (الإسرائيليين) فعلاً، وأخذ الشك يدب في قلوبهم حقيقة، وباتت ثقتهم في جيشهم المهزوزة مكشوفة ومفضوحة، في الوقت الذي يشعرون فيه بالخوف والقلق، ويعيشون الهزيمة والانكسار، في ظل المعلومات التي تصلهم من خصومهم في المنطقة والإقليم، حيث تعالت أصوات قادة المقاومة تهدد بلا خوف، وتعد بلا شك، وترسم خرائط المعركة وتصف أحداثها بكل تفاصيلها، وكأنها شريطٌ يعرض وبرنامج تلفزيوني يبث، وهم يرسلون رسائلهم إليهم في مدنهم ومستوطناتهم، قبل تيارهم المقاوم الحالم بالمعركة والمستعجل عليها، ليقينهم أنها الحرب الأخيرة والمعركة الفاصلة، وهو ما يرعب اليهود عموماً كونهم يملكون رواياتٍ مشابهة أو متطابقة مع ما يسمعون من خصومهم.
دفعت هذه المخاوف الحقيقية والهواجس المرعبة قطاعاً كبيراً من (الإسرائيليين) لاستنهاض جيشهم، وحث حكومتهم، وتحريض قيادتهم، واستفزاز شارعهم، وتنبيه الغافلين من مستوطنيهم، وتذكير حلفائهم بواجبهم وبالمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقهم، فأطلقوا صيحات الخوف والقلق المغلفة بالتحذير والتنبيه، عبر صورٍ لقادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، قاموا برفعها في الشوارع العامة والطرق الرئيسة، وإلى جانبها صور لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين بالملابس العسكرية والبنادق الآلية، بالإضافة إلى تسمية بعض الشوارع بأسماء قادة المقاومة، وتثبيت أسمائها على إشارات الطرق وتقاطعاتها العامة، ليتمكن المارة جميعهم من رؤيتها، ويستطيع العابرون الانتباه لها والاصطدام بحقيقتها المرعبة.
يدرك أصحاب مشروع الانتصار (الإسرائيلي) أنهم في سباقٍ مع الزمن، وأنهم في تحدي مع الخصوم والأعداء، وأن المعركة القادمة ستكون حاسمةً حقاً، وأن المنتصر فيها والرابح، هو من سيتمكن من إعادة رسم الخرائط وتوزيع السكان من جديد، ويبدو لديهم بوضوحٍ كبيرٍ أن خصومهم أقوى وأشد، وأن روحهم المعنوية عالية، وأمانيهم كبيرة، وثقتهم بأنفسهم قوية، فقد تدربوا جيداً، واستعدوا كفايةً، وأخذوا بكل الأسباب الممكنة، وتهيأوا للمواجهة، وحلم أكثريتهم بالشهادة كبير أو الانتصار والتحرير.
ويعلم أصحاب المشروع أن صفهم الداخلي مزعزع، وجبهتهم ضعيفة، ومجتمعهم مفكك، وخلافاتهم الحزبية أكبر من أن تسوى، ومطامع قادتهم سيئة وملفاتهم قذرة، وأن المستوطنين الذين قدموا إلى أرض الميعاد سيتأهبون في حال الهزيمة إلى الرحيل والعودة، فليس في مكانهم بعد فقدان الأمن وخسارة الردع، ما يشجعهم على البقاء، ويحثهم على التضحية والعطاء، فما ينتظرهم في بلادهم الأصلية التي جاؤوا منها، أمانٌ أكثر واستقرارٌ أكبر، وربما رخاء ورفاهية أفضل، فلماذا يبقون في ظل هاجس الخوف وحقيقة الموت.
اليوم بات (الإسرائيليون) يعيشون في مربعات الهزيمة النفسية، وهي أشد من الهزيمة المادية وأخطر عليهم، فروحهم المعنوية تسقط، ويقينهم بالمستقبل ينهار، وحلمهم بالعيش الرغيد والحياة السعيدة يتبدد، وحصونهم الداخلية تتصدع، وعوامل قوتهم الدينية تتبدد، فقد أصابهم الضعف والوهن، وسكن في قلوبهم الجبن والخور، وأدركوا أن مصيرهم ومستقبل وجودهم في أرضنا المقدسة، مسألة وقتٍ ليست إلا، فمن لا يستشعر القوة لا يصنع النصر، ومن لا يثق بنفسه لا ينفعه غيره، ونحن والله نثق بربنا ونستشعر معيته الإلهية معنا، فهل يدرك المراهنون على العدو أنه راحل، ويعرفون أنه مهزومٌ ساقطٌ، فيلحقون بركب المنتصرين، وينتسبون إلى جمع المقاومين، ليكون لهم اسم في الخالدين، وصفحة ناصعةٌ بين العالمين.
بيروت في 18/8/2019
Twitter/Leddawy
moustafa.leddawi@gmail.com