أيام منسيه …! ذاكرة مخيم اليرموك – محمد عادل
كتب : محمد عادل
أيام منسيه …! ذاكرة مخيم اليرموك
بالقرب من شارع صفد وفي شارع الجاعونه المكتظ بالناس الطيبين والعامر بالحياة وفي إحدى الجادات عيادة الدكتور موفق هذا الحكيم الطيب والآدمي كما كان يسمونه غاية في الأدب والأخلاق… يخجلك بتواضعه وإنسانيته وسعة صدره … ووفائه لكل من يعرفه ولا يعرفه.. وهو السياسي الذي لم يتغير ولم يتبدل بقى محافظا وملتزما بما تربى عليه من أخلاق وقيم نبيلة وعائلة عريقة بمواقفها الوطنية والعربية… الوقوف والانحياز إلى جانب الفقراء والناس الطيبين…عيادته صباحا مساء تغص بالمراجعين كبارا وصغارا يعرفونه جيدا تعودوا عليه منذ زمن طويل وأحبوه ويشعرون مجرد الدخول إلى عيادته إنهم في أيدي أمينة …. فقد كان يعالج أكثر الحالات مجانا ولا يبحث عن جاه أو مال كان فوق العلاج يساعد بالدواء لمن يحتاج ويذهب لمن لا يستطيع حتى إلى البيوت ….أحبه الناس وظلوا يذكرونه ولم ينسوا دوره في الحفاظ على هذه المهنة النبيلة … لتبقى ناصعة … لا يخرج احد من عنده إلا مبتسما ويودع مرضاه على الباب وأحيانا على الشارع … يذهب إلى السوق يناقش كل من يصادفه لا يشعر بطول المشوار فبين التحية والتحية تحية أخرى وبين السلام والسلام سلام حتى يصل إلى عيادته كنت أقول له أنت من آخر الرجال الطيبين يضحك ويقول الدنيا لسه بخير علينا أن نخدم شعبنا وان نقف معه هذا هو شعبنا العظيم المعطاء الذي حافظ على وهج القضية وهو من قدم اغلي الشهداء والجرحى وهو من أعظم وأنبل شعوب الأرض وأشجعهم ….
الأبواب مشرعة…وألارض كأنها تشققت من شدة الانفجارات والقذائف …تتقدم لتصل إلى العيادة وترى المكان موحشاً بعكس ما كنت تراه سابقا ينبض بالحياة … عند عيادة الدكتور موفق وكأن المكان… ليس هنا … لا احد هنا … لا صوت هنا … لم يحضر هذا اليوم إلى العيادة احد …ولا احد يعرف أين الطبيب … المكان حزين ..ولا صوت للناس الطيبين …وتستعيد الذاكرة وكأنك تسمع الآن الدكتور موفق وهو يحدثك وهو الحكيم المولع بالسياسية رغم ضغوط العمل فهو يتابع تطورات القضية وإخبار أبناء شعبنا عام 48 ويقول: نحن ابتعدنا كثيرا عن الطريق الموصل إلى فلسطين… فلسطين لها طريق واحد يعرفه كل مواطن عربي فلسطيني ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة …كان احد الأصدقاء يقول للدكتور موفق ….بأي مياه سقيت روحك ..أي ارض علمتك الوفاء..وارف في قلبك الشوق الذي يطوف ويبحث عن الأحبة والأصدقاء ومن مروا من هنا يوما
…
رأيت رجلا متوسط العمر منهك القوى سألني الدكتور موفق هون … نظرت اليه كيف يسأل عن الدكتور وهو يرى ان العيادة بلا مرضى ولا طبيب والخراب يعم المكان ..المكان موحش وبعض أصوات القذائف البعيدة والقربية تخترق الأذان وتدب الرعب في قلب من يقف أو ينتظر احد أو يحاول الوصول إلى المكان الذي يريده ذلك الرجل الواقف باب العيادة كان يغني ويضحك .. ويغني ويقول للزمان ارجع يازمان … قول للزمان ارجع يازمان ويمضى في اتجاه شارع صفد .
شارع نحف … وبيت عائلة مطر الذين كانوا يحملون معهم بلدة نحف ويقولون نحف أجمل واحلي القرى لأنها في فلسطين وأهلها اُناس من ارق وأحسن الناس لأنهم من فلسطين …ومن ابرز وجوه المخيم أبو حسين مطر الذي كان من أهم المؤرخين عن التراث والعادات والمدن والقرى الفلسطينية وأحد وجهاء المخيم التاريخيين في مخيم اليرموك يعر فه كل أهل المخيم …
كان وجيه مطر يأتي من لبنان إلى المخيم ليزور أقربائه ويتحدث لهم ماذا عمل من اجل نحف … القرى المحيطة بها الطرق المؤدية إليها دوروها المدارس الموجودة فيها دار الضيافة البيارات … الأشجار وأنواعها تاريخ المواجهات مع الأعداء المستعمر البريطاني والصهيوني … كانت نحف عند وجيه مطر … أجمل القصائد واحلي الحكايات … وعندما كان يخطب احد القيادات في جنوب لبنان عن إقامة الدولة الفلسطينية … قال له وجيه …أتعرف نحف … قال له سمعت عنها … قال له وجيه نحف مثلها مثل أي مدينة او قرية … فلسطينية … يجب أن نذكرها كما نذكر القدس والخليل ونابلس … كل شي في فلسطيني لنا جميعا… والذي يتخلى عن شبر وكأنه تخلى عن فلسطين … هناك في إطراف بلدتنا نحف مزبلة قديمة … يجب أن تعود قبل كل الأراضي والمدن نحن لا نتخلى وليس من حق احد أن يتخلى ولا نتخلى … المزبلة فبل البلدة نحن لا ننسى أرضنا ولا نلعب بالكلمات ولا نخون التاريخ ولا ننسى من ضحوا … اسكت وقل إن فلسطين هي فلسطين وليست 67 ولا 48 … ولا سلطة ولا حكم ذاتي ولا منظمة ولا منظمات فلسطين هي ارض الحكايات والأجداد والتاريخ المجيد من المقاومة والكفاح الذي لم يتوقف …\