أين “ورشة البحرين” وأين رعاتها؟ – منير شفيق
بعد مضي ما يقرب من الشهر على انتهائها، لم يصدر أي بيان بحق الورشة التي عُقدت في مملكة البحرين وسُميت “ورشة السلام من أجل الازدهار” تمهيداً لإعلان ما يدعى بصفقة القرن.
تصلح “ورشة المنامة” أو “ورشة البحرين” نموذجاً لما في جعبة “صفقة القرن” من قدرات أو إمكانات لتحقيق ما ادّعاه رعاة “صفقة القرن”. علماً أنها لم تُعلَن نصاً وبنوداً. فضلاً عن تأمين الأطراف الذين سيعملون على توقيعها ليجعلوا منها “صفقة” بمعنى الكلمة.
لذلك يحق أن تُعتبر مجرد صفقة مزعومة، أو صفقة لم تزل في عالم الغيب لم يُكتب نصها بعد، أو أنها لم تزل سراً من الأسرار. وهذا السبب، ولا سبب غيره، يفسر تأجيلها مرات ومرات، وفي كل مرة بحجة تختلف عن سابقتها، إن لم تكن أوهى منها.
ومع ذلك لنفترض أن من عيّنهم الرئيس الأمريكي لقيادة “صفقة القرن”، أو لصوغها وتسويقها، أو بيعها جادون في عملهم، ويجب أن يُحسب لهم كل حساب، لأنهم من طينة نتنياهو و “الأيباك” الأمريكي اليهودي الصهيوني من حيث الأيديولوجية والهدف والاستراتيجية فإن ذلك لم يحقق لهم أي شيء يذكر.
فقد ترأس تلك المجموعة جاريد كوشنر الأصغر سناً، والأقل خبرة، ولا ميزة له غير كونه صهر الرئيس. ويأتي بعده جيسون غرينبلات، وسفير أمريكا في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان. ويفترض أن وراءهم مجموعة من المستشارين والخبراء الذين يعوضون جاريد كوشنر وما يتّسم به من ضعف، وقلة خبرة، بل وجهالة في الموضوع الفلسطيني، وربما في السياسة عموماً، والتخفيف من الشطط النتنياهوي، لا من أجل تغييره، وإنما للتقليل من استفزازه، وهو يقدم “صفقة القرن” ويلوّح بها.
والنتيجة أننا أمام مجموعة من الجهلة تحاول تقديم “صفقة القرن“ وتسويقها، وهم من العجز ما يكفي لهم مجرد نفخة واحدة لكي يقعوا أرضاً.
يمكن أحياناً أن يتعامل المرء مع عدوه، أو خصمه في السياسة، كما يتعامل مع فريق كرة قدم يلعب مباراة حامية، فيراه يخطئ في تمرير الكرة، ويخطئ في التهديف، فيتأكد من خسرانه المباراة حتى لو كانت مهارات خصمه ليست من المرتبة الأولى.
طبعاً السياسة ليست مثل كرة القدم، ولكن يمكن تشبيه الأخطاء فيها بالأخطاء في كرة القدم، وما تؤدي إليه من فشل أو هزيمة.
لو أخذنا “ورشة المنامة” نموذجاً على قدرات الثلاثي كوشنر وغرينبلات وفريدمان ومَن خلفهم ممن يستشيرونهم أو يشيرون عليهم، لوجدنا أمامنا فريقاً مهزوماً لا محالة.
كان يفترض بـ”ورشة المنامة” أن تتعامل مع البعد الاقتصادي للصفقة؛ وهو البعد الأهون من نظيره السياسي في التسويق لـ”صفقة القرن” أو التمهيد لها. وقد أعلنوا ذلك صراحة؛ بل وصل بهم الأمر إلى تحديد المطلوب من الورشة أن تحققه. ويفترض به أن يكون سهلاً وناجحاً.
وقد وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو كل ثقلهما للضغط على غالبية الدول التي حضرت الورشة من أجل إعطائها زخماً وضمان نجاحها. وكان الضغط يستهدف إنقاذ الورشة ولو بمجرد الحضور.
ولكن ما أن انتهى جاريد كوشنر من تصريحه المطوّل كمقدمة للورشة، حتى ساد ما يشبه الصمت أو ما يشبه الانتقال إلى جلسات سرية. ولم يسمع من الحضور ما يدل على أن ثمة ورشة تعمل، ونقاشات تدور، وإنجازات تتحقق.
والأعجب أن بياناً لم يصدر عن الورشة حتى الآن، ولم يُعلن عن جمع مبلغ الخمسين مليار دولار، على الرغم من تفاهته، ولا أهميته. ومرت أيام وأسابيع حتى اليوم ولم يتردد اسم “الورشة” ولا ذكر شيء مما جرى فيها، ولم يذكر قرار واحد لها يمكن أن يطبق على أرض الواقع.
لقد طويت صفحة ورشة البحرين كأنها لم تكن، بل صدرت تصريحات عن غرينبلات يُفهم منها أن مشروع “صفقة القرن” يتجه إلى اتخاذ طريق آخر غير الطريق السابق، أو بشكل أدق جاء بمثابة اعتراف منه بأن الطريق السابق ليس عملياً أو ليس مناسباً.
وذلك معنى قوله أن “صفقة القرن” بحاجة إلى موافقة أو مشاركة الرئيس محمود عباس، بالإضافة إلى قيادة قطاع غزة، ولكل الأطراف الفلسطينية.وهو موقف مناقض للمسار الذي اتخذه الثلاثي في إدارة تمرير ما يسمى “صفقة القرن” في السابق إذ اعتبروا أن لا أهمية للطرف الفلسطيني من الرئيس عباس وهلم جرّاً.
وقد ظن هذا الفريق الثلاثي أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وملك البحرين يكفون لتمرير الصفقة ولكن خابوا؛ فقد فرطت ورشة البحرين من بين أيديهم، كأنها قبضة رمل، أو كأن أيديهم مصابة بشلل. ولم ينفع الحضور عن طريق الضغط لإنقاذ الورشة أو تحريكها، بل زادوها ضعفاً وهزالاً.
في المحصلة انتهت “ورشة المنامة” أو “ورشة البحرين” إلى فشل. وقد أصاب رعاتها خيبة أمل كما يفهم من تصريحات غرينبلات مؤخراً.
على أن الفشل الذي لحق بورشة المنامة، وما تحول إلى صدمة واجهها مشروع “صفقة القرن” لا يعني أن الخطر قد زال، أو أن الإدارة الأمريكية لن تعيد الكرّة. ولكن يعني أن الجهود يجب أن تنصب على السياسات الأمريكية وعلى ما يتخذه نتنياهو من إجراءات على الأرض. وأن نكف عن الخوض في مشروع لم يكشف عن محتواه.
أي يجب أن تفتح المعارك على قرارات ترمب بخصوص القدس والجولان ووكالة الغوث، كما على الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس والاعتداءات على المسجد الأقصى.
يجب أن نأخذ العبرة من تهاوي مشروع “صفقة القرن”، وفشل ورشة المنامة، للمحافظة على وحدة الموقف الفلسطيني ليس ضد “صفقة القرن” وحسب، وإنما ضد السياسات الأمريكية والصهيونية على أرض فلسطين أيضاً؛ والانتقال إلى انتفاضة شعبية شاملة في الضفة والقدس تلتقي مع مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة، مع دعم فلسطيني وعربي وإسلامي شامل جنباً إلى جنب مع دعم أحرار العالم
أين “ورشة البحرين” وأين رعاتها؟- منير شفيق