أ. د. عادل الأسطة – في وداع الكاتب محمد الأسعد
أ. د. عادل الأسطة – في وداع الكاتب محمد الأسعد: “أطفال الندى” واسترجاع الطفولة زمن النكبة
في الحادي والعشرين من أيلول توفي في الكويت الشاعر والروائي والناقد والمترجم الفلسطيني محمد الأسعد ابن قرية أم الزينات التي ولد فيها وهاجر منها في عام الخروج الكبير ١٩٤٨ وكتب عنه بعد أربعة عقود كتابه ” أطفال الندى ” (١٩٩٠ ) الذي عده رواية ، مع أنه يقارب المائة صفحة من الحجم الصغير ويبدو أقرب إلى السيرة الذاتية لفترة من حياة كاتبه هي فترة الخروج وإن عرج على وصف مشاعره في زمن الكتابة والنشر ١٩٩٠ .
ما يجب أن يقال هو أن المرء يقرأ هذا العمل بمتعة ممزوجة بمشاعر من الحزن والحسرة ؛ الحسرة على خسارتنا بلادنا وإقامتنا في المنافي نعاني من الغربة وعدم الشعور بالاستقرار والأمان ونشعر بالحنين إلى ما هو أكثر من الفردوس ؛ الحنين إلى الفردوس المفقود ، وهذا النوع من الحنين لخصه الشاعر التركي ناظم حكمت بسطر اقتبسه منه محمود درويش هو ” أدخلوا الشاعر إلى الجنة ، فصاح يا وطني ” ( محاولة رقم ٧ / ١٩٧٤ ) .
” أطفال الندى ” في كتابته عن التهجير ليس استثنائيا في الأدب الفلسطيني ، فهناك أعمال كثيرة استرجعت لحظة الخروج ، عدا أعمال عالمية وعربية ؛ سابقة ولاحقة له ، مثل ” الطريق إلى بئر سبع “( ١٩٦٣) ل ( اثيل مانين ) و ” وأولاد الغيتو ” (٢٠١٦ ) لالياس خوري و ” وداعا يا زكرين ” (٢٠١٦) لرشاد أبو شاور و ” بحيرة وراء الريح ” (١٩٩١) ليحيى يخلف و” كتاب الابن : سيرة الطرد والمكان ” ( ١٩٩٧ ) لمحمد القيسي و” هنا .. هناك “( ١٩٩٧) لأحمد دحبور ، وبعض قصص غسان كنفاني القصيرة المبكرة في خمسينيات القرن ٢٠ التي أتى فيها على خروج عائلته ، وهناك كتاب آخرون طبعا .
ما سبق يدفع إلى الربط بين خمسة أسماء هي محمد الأسعد (١٩٤٤) ومحمد القيسي (١٩٤٥) ورشاد أبو شاور ( ١٩٤٢) ويحيى يخلف (١٩٤٤) وأحمد دحبور (١٩٤٦) ، وجميعهم ولد قبل العام ١٩٤٨ ، ولم يكن أكبرهم يتجاوز السادسة ، فمروا بتجربة التهجير والترحيل التي علق قليلها بذاكرتهم وعززه قص الأهل عنها ، وبالتحديد قص الأم باستثناء رشاد الذي فقد أمه فناب أبوه في السرد عنها ، فتشكلت لديهم صورة عن قراهم ومدنهم ( أم الزينات / الأسعد وكفر عانة / القيسي وزكرين / أبو شاور وسمخ / يخلف وحيفا / دحبور ) .
بعد أربعة عقود وأكثر استحضر الكتاب في كتاباتهم الصورة ، والطريف أن أكثرهم في كتاباته الأولى قلما كتب عن البلاد ، إلا إذا كان زارها بتصريح ، مثل محمد القيسي فكتب ديوانه ” الحداد يليق بحيفا ” (١٩٧٥) .
في ” أطفال الندى ” يكرر الأسعد عبارة ” تحدثني أمي ” ( ٩) و ” تقول أمي “( ٧١ ) و تقول ” (٨٠) و ” وتقول أمي ” (٨٤ /٨٩) و ” يقول خالي “(٧٦) ” ولكنني أتوقف أمام أمي وحسرتها الدائمة ، هي التي تعرفني على الطرق التي جئت منها والمنافذ التي تسربت خلالها وأنا في حالة الندى ” (١١٤) ” أمي هي التي وضعتني في حالة الندى ، وسواء كانت تعرف أم لا فإن ذبذبات صوتها والأسماء الغريبة التي تكررها وكأنها تحدث نفسها ، تضعني خارج الأشياء ” ، ويكتب أيضا عما بقي عالقا في ذاكرته .
ما سبق يعني أن الأسعد والكتاب المذكورين اعتمدوا في كتابتهم على ذاكرة الذين عاشوا تجربة الخروج وكانوا واعين لها ملمين بأدق تفاصيلها ، وهذا بالتأكيد يعطي لكتاباتهم قيمة ، عدا أن الكتاب أنفسهم ؛ الريفيين منهم وأبناء المدينة ، أقاموا في مخيمات اللجوء التي هي الوجه الحقيقي لتجسيد النكبة وفقدان المكان .
يكتب الأسعد في الصفحة ١٠٥ ملاحظة غاية في الأهمية :
” لو كان لي أن أكتب هذه الرواية قبل سنوات ، لاستطعت استقصاء الطرق بصورة أفضل ، ولربما حفظت أسماء تغيب عن ذهني الآن ، وأماكن لا أجدها واضحة حتى في الرواية الأصلية نفسها . فما يقال الآن ، يقال باختصار شديد …. ” وكان كتب ما كتب بعد أربعة عقود حيث صارت المسافة بين الزمن الروائي والزمن الكتابي كبيرة ، ولو كان كتب في بداية سبعينيات القرن العشرين لكانت المسافة صغيرة ولربما حضرت التفاصيل التي يركز الكاتب على أهميتها :
” فوادي عارة لا تذكر تفاصيله عادة ، وإن كان القرويون من مختلف قرى حيفا قد مروا به . أما هذه الدالية التي تتكرر في الرواية فقد ارتبطت بذهني بأناس غامضين تسميهم أمي الدروز ، وتتهمهم بالتواطؤ مع اليهود ، رغم أن بعضهم كان صديقا لخالي المسلح دائمآ ، إلا أن نياتهم غامضة ، ولا أدري كيف يمكن أن تكون وضعيتهم في الرواية فهم لا يحضرون إلا عرضا وكأن الرواية أسقطتهم بعد أن سقطوا من هذا الحدث التاريخي فما عادوا فيه إلا مجرد متفرجين . ( ١٠٥ ) ولا يعني ما سبق أن الأم فقط هي التي كانت تروي ، فالأب أيضا يروي ولكن ما رواه قياسا إلى ما روته الأم كان قليلا ، ولعل النظر في مقدار رواية كل منهما يستحق الوقوف أمامه ، ويستحق أيضا معرفة السبب الذي جعل الأم تروي ، علما بأن المجال الخارجي في الأسرة الفلسطينية هو من نصيب الرجل لا المرأة التي يكون فضاؤها هو البيت بالدرجة الأولى ، وإن خرجت من فضاء البيت فإلى الحقل .
أقام أبو شاور في مخيم الدهيشة / بيت لحم ثم في مخيم النويعمة / اريحا وكتب عن المخيمين في ” ليالي الحب والبوم ” وإن استحضر في ” وداعا يا زكرين ” تفاصيل عالم القرية . لقد عاش رشاد في زكرين ست سنوات وكتب في روايته تفاصيل دقيقة عن عالمها ؛ ناسها ومقاوميها وشهداءها وحقولها وبيوتها وأمه وأخته والطاحونة وموت الأخت وموت الأم . وأقام القيسي في مخيم الجلزون / رام الله وكتب عن تجربته في ” كتاب المكان ؛ سيرة الطرد واللجوء ” ، وأقام الأسعد في مخيم لاجئين قرب البصرة وكتب عنه ، وأقام يخلف في مخيم اربد وكتب عنه في ” بحيرة وراء الريح ” و ” ماء السماء ” – إن لم تخني الذاكرة – وأقام دحبور في مخيم قرب حمص وكتب ما قصته أمه له عن حيفا .
في مقدمة الأعمال الشعرية الكاملة لدحبور وفي قصيدة ” مسافر مقيم ” وفي المقابلات التي أجريت معه أتى على ما كانت أمه تقصه عليه عن حيفا ، وأتى على زواج أخيه في المخيم . ” أجمل الدنيا هناك ” كانت أمه تقول له وهو يتذمر من ضيق الحياة في المخيم . حيفا هي الجنة ، هذا ما ظل عالقا في ذهنه وكتبه في مقدمة طبعة أعماله الكاملة الأولى حتى زارها بعد عودته في ١٩٩٥ . إن القص عن حيفا في كتابات دحبور يكاد يقتصر على الأم ، وأما الأب فكان مهموما بالبحث عن لقمة العيش ولم تكن علاقة أحمد به مثل علاقته مع أمه ، وهذا ما توقفت أمامه مطولا في كتابي ” أحمد دحبور … مجنون حيفا ” ( ٢٠١٨) .
” كنت أعيش على حكايات أمي … أية مخيلة هائلة كانت لهذه المرأة الأمية ؟ … وكنت أراها بأم عيني ، تنشر البحر الذي جلبته لي خصيصا من حيفا ، فأسبح فيه وأغتسل … وحيفا هذه ليست مدينة ، إنها الجنة ، ومن لا يصدق فليسأل أمي ، وهي ستروي كيف أن جبل الكرمل في حيفا يمشي كل سنة سبعة أمتار … ” ( ص ٢٢ / الأعمال الكاملة ، دار العودة ١٩٨٣ ) .
رشاد أبو شاور كتب عن زكرين ويافا التي زارها أبوه قبل ١٩٤٨ مرارا والتقى فيها بأحد الشيوعيين الذي ترك أثرا عليه . إن ما كتبه عن يافا ، عدا رؤيتها طفلا بصحبة أبيه ، اعتمد بالدرجة الأولى على قص الأب وذاكرته ، ولست متأكدا من أنه زارها بعد اتفاق أوسلو فاختلط كلام أبيه بما رأى شخصيا .
ببساطة إن كتابة هؤلاء الكتاب الخمسة عن مدنهم وقراهم تعد ذات قيمة خاصة . إنها كتابة كتاب المنفى عن فلسطين من خلال ما بقي عالقا في الذاكرة ؛ ذاكرة طفولة الكتاب وذاكرة الأمهات والآباء ، والموضوع يستحق حفرا أكثر .
ما يجب أن يقال هو أن المرء يقرأ هذا العمل بمتعة ممزوجة بمشاعر من الحزن والحسرة ؛ الحسرة على خسارتنا بلادنا وإقامتنا في المنافي نعاني من الغربة وعدم الشعور بالاستقرار والأمان ونشعر بالحنين إلى ما هو أكثر من الفردوس ؛ الحنين إلى الفردوس المفقود ، وهذا النوع من الحنين لخصه الشاعر التركي ناظم حكمت بسطر اقتبسه منه محمود درويش هو ” أدخلوا الشاعر إلى الجنة ، فصاح يا وطني ” ( محاولة رقم ٧ / ١٩٧٤ ) .
” أطفال الندى ” في كتابته عن التهجير ليس استثنائيا في الأدب الفلسطيني ، فهناك أعمال كثيرة استرجعت لحظة الخروج ، عدا أعمال عالمية وعربية ؛ سابقة ولاحقة له ، مثل ” الطريق إلى بئر سبع “( ١٩٦٣) ل ( اثيل مانين ) و ” وأولاد الغيتو ” (٢٠١٦ ) لالياس خوري و ” وداعا يا زكرين ” (٢٠١٦) لرشاد أبو شاور و ” بحيرة وراء الريح ” (١٩٩١) ليحيى يخلف و” كتاب الابن : سيرة الطرد والمكان ” ( ١٩٩٧ ) لمحمد القيسي و” هنا .. هناك “( ١٩٩٧) لأحمد دحبور ، وبعض قصص غسان كنفاني القصيرة المبكرة في خمسينيات القرن ٢٠ التي أتى فيها على خروج عائلته ، وهناك كتاب آخرون طبعا .
ما سبق يدفع إلى الربط بين خمسة أسماء هي محمد الأسعد (١٩٤٤) ومحمد القيسي (١٩٤٥) ورشاد أبو شاور ( ١٩٤٢) ويحيى يخلف (١٩٤٤) وأحمد دحبور (١٩٤٦) ، وجميعهم ولد قبل العام ١٩٤٨ ، ولم يكن أكبرهم يتجاوز السادسة ، فمروا بتجربة التهجير والترحيل التي علق قليلها بذاكرتهم وعززه قص الأهل عنها ، وبالتحديد قص الأم باستثناء رشاد الذي فقد أمه فناب أبوه في السرد عنها ، فتشكلت لديهم صورة عن قراهم ومدنهم ( أم الزينات / الأسعد وكفر عانة / القيسي وزكرين / أبو شاور وسمخ / يخلف وحيفا / دحبور ) .
بعد أربعة عقود وأكثر استحضر الكتاب في كتاباتهم الصورة ، والطريف أن أكثرهم في كتاباته الأولى قلما كتب عن البلاد ، إلا إذا كان زارها بتصريح ، مثل محمد القيسي فكتب ديوانه ” الحداد يليق بحيفا ” (١٩٧٥) .
في ” أطفال الندى ” يكرر الأسعد عبارة ” تحدثني أمي ” ( ٩) و ” تقول أمي “( ٧١ ) و تقول ” (٨٠) و ” وتقول أمي ” (٨٤ /٨٩) و ” يقول خالي “(٧٦) ” ولكنني أتوقف أمام أمي وحسرتها الدائمة ، هي التي تعرفني على الطرق التي جئت منها والمنافذ التي تسربت خلالها وأنا في حالة الندى ” (١١٤) ” أمي هي التي وضعتني في حالة الندى ، وسواء كانت تعرف أم لا فإن ذبذبات صوتها والأسماء الغريبة التي تكررها وكأنها تحدث نفسها ، تضعني خارج الأشياء ” ، ويكتب أيضا عما بقي عالقا في ذاكرته .
ما سبق يعني أن الأسعد والكتاب المذكورين اعتمدوا في كتابتهم على ذاكرة الذين عاشوا تجربة الخروج وكانوا واعين لها ملمين بأدق تفاصيلها ، وهذا بالتأكيد يعطي لكتاباتهم قيمة ، عدا أن الكتاب أنفسهم ؛ الريفيين منهم وأبناء المدينة ، أقاموا في مخيمات اللجوء التي هي الوجه الحقيقي لتجسيد النكبة وفقدان المكان .
يكتب الأسعد في الصفحة ١٠٥ ملاحظة غاية في الأهمية :
” لو كان لي أن أكتب هذه الرواية قبل سنوات ، لاستطعت استقصاء الطرق بصورة أفضل ، ولربما حفظت أسماء تغيب عن ذهني الآن ، وأماكن لا أجدها واضحة حتى في الرواية الأصلية نفسها . فما يقال الآن ، يقال باختصار شديد …. ” وكان كتب ما كتب بعد أربعة عقود حيث صارت المسافة بين الزمن الروائي والزمن الكتابي كبيرة ، ولو كان كتب في بداية سبعينيات القرن العشرين لكانت المسافة صغيرة ولربما حضرت التفاصيل التي يركز الكاتب على أهميتها :
” فوادي عارة لا تذكر تفاصيله عادة ، وإن كان القرويون من مختلف قرى حيفا قد مروا به . أما هذه الدالية التي تتكرر في الرواية فقد ارتبطت بذهني بأناس غامضين تسميهم أمي الدروز ، وتتهمهم بالتواطؤ مع اليهود ، رغم أن بعضهم كان صديقا لخالي المسلح دائمآ ، إلا أن نياتهم غامضة ، ولا أدري كيف يمكن أن تكون وضعيتهم في الرواية فهم لا يحضرون إلا عرضا وكأن الرواية أسقطتهم بعد أن سقطوا من هذا الحدث التاريخي فما عادوا فيه إلا مجرد متفرجين . ( ١٠٥ ) ولا يعني ما سبق أن الأم فقط هي التي كانت تروي ، فالأب أيضا يروي ولكن ما رواه قياسا إلى ما روته الأم كان قليلا ، ولعل النظر في مقدار رواية كل منهما يستحق الوقوف أمامه ، ويستحق أيضا معرفة السبب الذي جعل الأم تروي ، علما بأن المجال الخارجي في الأسرة الفلسطينية هو من نصيب الرجل لا المرأة التي يكون فضاؤها هو البيت بالدرجة الأولى ، وإن خرجت من فضاء البيت فإلى الحقل .
أقام أبو شاور في مخيم الدهيشة / بيت لحم ثم في مخيم النويعمة / اريحا وكتب عن المخيمين في ” ليالي الحب والبوم ” وإن استحضر في ” وداعا يا زكرين ” تفاصيل عالم القرية . لقد عاش رشاد في زكرين ست سنوات وكتب في روايته تفاصيل دقيقة عن عالمها ؛ ناسها ومقاوميها وشهداءها وحقولها وبيوتها وأمه وأخته والطاحونة وموت الأخت وموت الأم . وأقام القيسي في مخيم الجلزون / رام الله وكتب عن تجربته في ” كتاب المكان ؛ سيرة الطرد واللجوء ” ، وأقام الأسعد في مخيم لاجئين قرب البصرة وكتب عنه ، وأقام يخلف في مخيم اربد وكتب عنه في ” بحيرة وراء الريح ” و ” ماء السماء ” – إن لم تخني الذاكرة – وأقام دحبور في مخيم قرب حمص وكتب ما قصته أمه له عن حيفا .
في مقدمة الأعمال الشعرية الكاملة لدحبور وفي قصيدة ” مسافر مقيم ” وفي المقابلات التي أجريت معه أتى على ما كانت أمه تقصه عليه عن حيفا ، وأتى على زواج أخيه في المخيم . ” أجمل الدنيا هناك ” كانت أمه تقول له وهو يتذمر من ضيق الحياة في المخيم . حيفا هي الجنة ، هذا ما ظل عالقا في ذهنه وكتبه في مقدمة طبعة أعماله الكاملة الأولى حتى زارها بعد عودته في ١٩٩٥ . إن القص عن حيفا في كتابات دحبور يكاد يقتصر على الأم ، وأما الأب فكان مهموما بالبحث عن لقمة العيش ولم تكن علاقة أحمد به مثل علاقته مع أمه ، وهذا ما توقفت أمامه مطولا في كتابي ” أحمد دحبور … مجنون حيفا ” ( ٢٠١٨) .
” كنت أعيش على حكايات أمي … أية مخيلة هائلة كانت لهذه المرأة الأمية ؟ … وكنت أراها بأم عيني ، تنشر البحر الذي جلبته لي خصيصا من حيفا ، فأسبح فيه وأغتسل … وحيفا هذه ليست مدينة ، إنها الجنة ، ومن لا يصدق فليسأل أمي ، وهي ستروي كيف أن جبل الكرمل في حيفا يمشي كل سنة سبعة أمتار … ” ( ص ٢٢ / الأعمال الكاملة ، دار العودة ١٩٨٣ ) .
رشاد أبو شاور كتب عن زكرين ويافا التي زارها أبوه قبل ١٩٤٨ مرارا والتقى فيها بأحد الشيوعيين الذي ترك أثرا عليه . إن ما كتبه عن يافا ، عدا رؤيتها طفلا بصحبة أبيه ، اعتمد بالدرجة الأولى على قص الأب وذاكرته ، ولست متأكدا من أنه زارها بعد اتفاق أوسلو فاختلط كلام أبيه بما رأى شخصيا .
ببساطة إن كتابة هؤلاء الكتاب الخمسة عن مدنهم وقراهم تعد ذات قيمة خاصة . إنها كتابة كتاب المنفى عن فلسطين من خلال ما بقي عالقا في الذاكرة ؛ ذاكرة طفولة الكتاب وذاكرة الأمهات والآباء ، والموضوع يستحق حفرا أكثر .
( مقال الأحد ٣ تشرين الأول في جريدة الأيام الفلسطينية متوسعا فيه )