إستراتيجية مكافحة الفساد في مصر – الدكتور عادل عامر
أن الإرادة السياسية هي العامل الرئيسي في مكافحة الفساد والقضاء عليه ، قائلا إن التشريعات المصرية المتعلقة بالفساد تنظر إليها الأجهزة الرقابية والإدارية والتحقيقات، كما لو أنها أفرغت تماما من دورها، وأنه يجب إعادة النظر في التشريعات (يوجد ضعف في المحاسبة والجرائم وأنها تمثل خطورة على الجهاز الإداري). ويرجع الاهتمام بقضايا الفساد في الدول النامية لعدة أسباب ، من أهمها :
– الكساد واختلال الميزان الاجتماعي بسبب سياسات الإصلاح الهيكلي في غالبية الدول النامية
– ظهور شريحة اجتماعية غنية في العقد المنصرم استفادت من التحولات في السياسات الداخلية للدول النامية والدول التي تمر بمرحلة التحول وانفتاح هذه الدول على العالم ، بعد أن كانت مجتمعات منغلقة .
– انتشار الفساد في الأوساط السياسية، وخاصة منهم أصحاب المناصب الرفيعة في تلك الدولية،هو قوى معارضة في الدول النامية تدعو إلى مكافحة الفساد وفضح رموزه .
– الاهتمام الدولي المتزايد بهذه الظاهرة وخاصة من قبل المنظمات ومؤسسات التمويل الدولية ، التي تربط تقديم قروضها بتبني الدول المقترضة لسياسات وبرامج محاربة الفساد في مجتمعاتها
هناك اختلاف بين المدارعديدة،ية في تعريف الفساد وهذا راجع إلي اختلاف الخلفية الخاصة بهذه المدارس ما بين قانونية أو اجتماعية أو سياسية ولكن بصفة عامة التعريف الذي لقي القدر الأكبر من الاتفاق بين الخبراء هو استغلال المنصب العام بفرض تحقيق مكاسب خاصة أي ميزه غير مستحقة سواء مادية أو معنوية كالمحسوبية أو الوساطة ومن هذا المنطلق هناك فساد كبير وفساد صغير ومعيار التفرقة هنا المقابل في الفساد فالشخص الذي يحصل علي رشوة مثلاً 10 أو 20 جنيهاً نموذج للفساد الصغير والفساد الكبير الذي يكون مقابله مبالغ مالية ضخمة وان كان هناك رأي يري إن الفساد الصغير في مجمله يؤدي إلي الفساد الكبير. والفساد مصطلح له معان عديدة ، وبدء التعامل السليم مع هذه المسألة هو تقسيمها وتحليلها إلى عناصرها الكثيرة .
وفي أوسع صورة يمكن القول بأن الفساد هو سوء استخدام المنصب العام لغايات شخصية ، وتتضمن قائمة الفساد على سبيل المثال لا الحصر ، الرشوة ، والابتزاز ، و استغلال النفوذ والمحسوبية ، و الاحتيال ، و الاختلاس ، واستغلال ” مال التعجيل ” وهو المال الذي يدفع لموظفي الحكومة لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم بقضاء أمر معين . وعلى الرغم من أن كثير من الناس ينـزعون إلى اعتبار الفساد خطيئة حكومية ، إلا أن الفساد موجود في القطاع الخاص أيضاً ، بل إن القطاع الخاص متورط إلى حد كبير في معظم أشكال الفساد الحكومي و أحد التعاريف الهامة الأخرى للفساد هو استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة مثل الرشوة و الابتزاز ، وهما ينطويان بالضرورة على مشاركة طرفين على الأقل ، ويشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب الأعمال المحظورة التي يستطيع المسئول العمومي القيام بها بمفرده ومن بينها الاحتيال والاختلاس ، وذلك عندما يقوم السياسيون وكبار المسئولين بتخصيص الأصول العامة لاستخدام خاص واختلاس الأموال العامة ويكون لذلك آثار معاكسة واضحة ومباشرة على التنمية الاقتصادية لا تحتاج تبعاتها إلى مناقشة ، غير أن الأمر يكون أكثر تعقيداً عندما يتعلق بتقديم الأطراف الخاصة للرشوة إلى المسئولين العموميين لا سيما تأثيرها على تنمية القطاع الخاص ، ومن المفيد في بحث أشكال الرشوة النظر فيما يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليه من السياسي أو الموظف العام
أن عدم جدوى الرقابة هو أمر نتيجة ومحصلة، وسبب فشلها هو تطبيق (المركزية)؛ وأن أسلوب الرقابة يتنامى مع الإطار اللامركزى من خلال المؤسسات الرقابية في الدولة، مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، وتقارير عمل النيابة الإدارية، ولذلك لابد من التوعية بأهمية اللامركزية.
أنه لا بد من تمكين وإتباع منهج شامل، وإعمال للمبادئ القانونية والرقابية و أن المشكلة ليست في كثرة القوانين، وإنما إنفاذ القوانين وتفعيلها بالشكل المطلوب، وأن مفهوم ( اللامركزية) يحتاج إلى توعية وفهم، وكذلك القاعدة القانونية تحتاج إلى توعية بأهمية تنفيذه. أنه لابد لنا من تحديد أولوياتنا، وعمل خطة قومية إستراتيجية لمكافحة الفساد، مثل الحملة القومية لتمصير الاقتصاد المصري، ولا بد من عمل شيء قومي ينادى بالمستوى المحلى وتوعيته، ومكافحة الفساد، والحفاظ على حقوق المواطن؛ وكذلك وضع خطة إستراتيجية لتحديد الأولويات من خلال دراسة أولويات كل محافظة على حدة؛ وبالتالي تحديد الاحتياجات بناء على دراسة لكل محافظة .
أن الخلل في التعدد غير المنطقي للتشريعات، وأنها غير شفافة ، كما توجد سلطات تقديرية مخولة لرأس النظام، وأنه يوجد خلط للأوراق وللمفاهيم وعدم الوعي التام بمسألة المفاهيم، مثل مفهوم الشفافية، وأنه توجد عوامل كثيرة مختلطة ساعدت على استشراء الفساد، وتعدد التشريعات دون جدوى.
إن 60% من مشاكل مصر أساسها التشريعات، وإنه لابد لنا أن نأخذ الحالة المصرية، ونقوم بالتنسيق والقياس عليها في موضوع التشريعات والقوانين. الأسباب وراء انتشار الفساد كثيرة ويأتي علي رأسها التسامح الأخلاقي مع ظواهر الفساد في مصر وهذا التسامح ناتج عن مشكلة متأصلة لدينا وهي تدني الأجور فبالرغم من زيادة المرتبات في الخمس سنوات الأخيرة بنسبة 100% إلا إن النسبة الأكبر من العاملين في الدولة لا يحصلون علي ما يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية ويرتبط بهذا التساهل الحكومي في مواجهة الظاهرة وهناك أسباب تنظيمية متمثلة في عدم وجود تحديد دقيق للواجبات الإدارية والوظيفية أي لا يوجد إطار حاكم للهيكل الإداري وهناك أسباب هيكلية بمعني عدم وجود تفريق واضح بين السلطات الثلاثة في الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية ومن ثم فالمواطن في أحيان كثيرة لا يعرف إلي من يلجأ لتقديم مظلمتة وأسباب طبقية تتمثل في عدم التوزيع العادل للدخل القومي وأسباب سياسية تتمثل في ضعف دور المعارضة ومدي تنظيمها حتى تكون قادرة علي مساءلة الحكومة وكشف أوجه الفساد وأسباب قانونية متمثلة في غياب الأطر التشريعية الحاكمة لعمل الأجهزة الرقابية بحيث تعطي لها اختصاصات واضحة بجانب غياب الشفافية فالفساد لا يستطيع إن يعيش في مجتمع شفاف وبه تداول للمعلومات
صادقت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2005، و لكنها ليست طرفا في أي من اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية لمكافحة الرشوة أو اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع و مكافحة الفساد: ليس لدى مصر قانون محدد لمكافحة الفساد، و لكن قانون العقوبات المصري يجرِّم الرشوة الإيجابية و السلبية و محاولة الفساد و إساءة استخدام المنصب و استخدام الموارد العامة لتحقيق مكاسب خاصة و الابتزاز. و علاوة على ذلك، يجرم قانون مكافحة غسل الأموال لعام 2002 و التعديلات اللاحقة غسل الأموال.
لا يشير القانون إلا إلى الفساد في القطاع العام و القطاع الخاص، في حين أن الفساد داخل قطاع الأعمال غير مشمول. بما أن المسئولين الأجانب ليسوا مشمولين بالقانون بالنسبة لقائمة الأفراد الذين تعتبر رشوتهم جريمة، يخلص تقرير لسنة 2012 أصدرته غلوبل بارتنورز آند أسوشياتس إلى أن رشوة الموظفين العموميين الأجانب لا يعتبر غير قانوني في مصر. في عام 2008، تم إصدار قانون البناء الموحد رقم 119 (باللغة العربية)، و هو يهدف إلى الحد من الفساد في قطاع البناء عن طريق خفض عدد الأنظمة و الكيانات المشاركة في عملية البناء. أدّى الإطاحة بحكومة مرسي الإسلامية في يوليه 2013 إلى تولّي المؤسسة العسكرية والحكومة المؤقتة والرئيس المؤقت مع إلغاء دستور 2012.
وأعدّ المجلس الوطني التّأسيسي الحالي دستورا جديدا وقام بتقديمه ليقع المصادقة عليه من قبل رئيس الحكومة المؤقتة. وقد وافق الرّئيس إلى حدّ الآن على قانون معالجة تضارب المصالح الذي يشمل المسئولين الحكوميين.
كما يهدف القانون إلى لوضع حدّ لإساءة استخدام السّلطة كما كان عليه الشّأن مع بعض المسئولين الحكوميين في ظلّ نظام مبارك. وكما ينصّ القانون على إجبار هؤلاء المسئولين على مغادرة المناصب الحكومية خلال القيام بوظائف أخرى لتجنّب الانخراط في مجال الأعمال التجارية أثناء الوظيفة العامة و من أجل تفادي وقوع أي تضارب في المصالح. وعلاوة على ذلك ينصّ القانون على إنشاء لجنة جديدة لمكافحة الفساد تدعو المسئولين الحكوميين بتقديم بياناتهم المالية سنويّا.
كما ينصّ القانون وأنّه لايسمح للمسئولين الحكوميين قبول الهدايا التي تزيد قيمتها على 43.6 دولار أمريكي وأنّ الدّستور الجديد يتضمّن العديد من التّشريعات لمعالجة الفساد من ضمنها حماية المبلّغين عن الفساد وحريّة النّفاذ إلى المعلومات. ادخل إلى دليل القانون العالمي ليكسادين للإطلاع على مجموعة من التشريعات في مصر. استراتيجيات الحكومة: تميّزت إستراتيجية الحكومة قبل الثّورة بمحاولت الامتثال باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، و لكنها كانت تعمل بدون انسجام.
الفساد عدو التنمية ومعيقها لسببين رئيسين: الأول إضعاف فاعلية الخطط التنموية بتغيير توجهاتها الإستراتيجية لصالح المفسدين والفاسدين من أصحاب الذمم المطاطة والوسيعة، والآخر إضعاف كفاءة الموارد بتبديدها من خلال تحويلها إلى جيوب منظومة المفسدين والفاسدين بجميع مستوياتهم العليا والمتوسطة والدنيا، وأخطر حالات الفساد عندما يصبح شائعاً في جميع المستويات الإدارية ولا يقف عن مستوى معين، وشيوع الفساد يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى قبوله ضمنياً من المجتمع ليكون المجتمع بالمحصلة مجتمعاً فاسداً.
إعاقة خطط التنمية عن تحقيق أهدافها في كافة المجالات التعليمية والصحية والإسكانية والبنى التحتية وغيرها تنعكس سلباً على حياة الناس الذين تتفاقم معاناتهم وتنخفض مستويات جودة حياتهم شيئاً فشيئاً، الأمر الذي يحرك ناشطيهم بداية لمواجهة الفساد والمفسدين وهنا يعمل المفسدون والفاسدون على التصدي لهم وتبدأ الأزمة وتتفاقم شيئاً فشيئاً حتى تتحول إلى ثورات شعبية عارمة تطيح بالجميع وتقضي على المكاسب وتعيد الأوطان لنقطة الصفر كما هو الحال في كل من مصر وليبيا وتونس وسورية والعراق واليمن، حيث يعاني المفسدون والفاسدون وبقية الشعب حالة مزرية من الفوضى والفشل وتوقف عجلة التنمية.
ولقد اعتبرت منظمة الشفافية الدولية والمؤتمر العالمي لمكافحة الفساد الذي عقد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في البرازيل أن من أهم أسباب الربيع العربي والمطالبات الإصلاحية في دول العالم الأخرى هو حجم انتشار الفساد، وبالتالي فإن الفساد ليس قضية جانبية يمكن التعاطي معها بشكل بسيط ودون اهتمام بالغ، ودون هياكل سياسية واقتصادية وعدلية قوية تراقب وترصد وتضبط وتسائل وتعاقب وتشهر بقوة القانون، وبدعم من أعلى السلطات، نعم الصلاح والعدل أساسا الاستقرار والنمو والفساد أساس الفوضى والدمار، ولا يتوقع أحد أن الاستقرار والنمو يتحققان في ظل الفساد مهما كانت درجات الغموض، ومهما كانت قوة الأجهزة الأمنية الداعمة للمفسدين والفساد، ولنا في الأجهزة الأمنية في سورية ومصر مثالاً فها هي عجزت عن لجم الشعوب ومنع الثورات والحفاظ على آمن واستقرار الأوطان.
إذن مكافحة الفساد قضية مصيرية، وعلينا أن نفكر ملياً في استراتيجيات فاعلة وناجعة للحد منه ومحاصرته في النسب المتعارف عليها دوليا في إطار المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نعيشها، نعم علينا أن نركز في حل مشكلة الفساد ولا نشتت جهودنا في حل عوائق معالجتها تتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً كبيرة وخسائر قد تكون فادحة، دعونا نركز في حلها بفاعلية باستراتيجيات ذكية فاعلة بأقل وقت وأقل جهد وخسائر.
من وجهة نظري، أن حل مشكلة الفساد يجب أن تكون في مسارين رئيسين، الأول عاجل وفي إطار الأوضاع القائمة والفرص المتاحة، والآخر متوسط أو طويل الأجل يقوم على رؤية مستقبلية تستشرف هياكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القادم من السنوات في ظل التغيرات المحلية والدولية واتجاهات التنمية المتوقعة في المجالات كافة. إن تطوير إستراتيجية خاصة لمكافحة فساد أصحاب القوى والنفوذ تعمل على تحقيق أهدافهم التي يسعون لتحقيقها من خلال الفساد من خلال بدائل تنموية ذكية تحقق ذواتهم وأهدافهم كما تحقق الأهداف التنموية للبلاد في جميع مجالاتها من جهة وتحقق رضا المواطنين والمقيمين من جهة ثانية بما يعزز التنمية والاستقرار معاً.
ومن أخطالأولى.الفساد المستندة إلى المحاباة وتعارض المصالح ظاهرتان تشكلان أكبر أداة لنهب المال العام ضمن ستار من “الفساد القانوني” والذي من الصعب ملاحقته قضائيا ولكنه واضح المعالم بناء على المحاباة.
الحالة الأولى .. هي قضايا تنظيم الأراضي، حيث يطلع بعض كبار الموظفين على مخططات التنظيم الهيكلي في السنوات القادمة ويقومون بالإيعاز لأقارب أو شركاء بشراء الأراضي خارج التنظيم بأسعار متدنية وهم يعلمون أن الأسعار سترتفع بطريقة خيالية في المستقبل القريب فور إعلان قرارات التنظيم، هذا الفساد ساهم في حصول بعض المسئولين على أموال خيالية بسبب “المعرفة المسبقة” بالمخططات ولكن لا توجد وسائل قانونية فعالة لتعقب هذه الممارسات وتجريمها في حال تم امتلاك الإرادة لهذا التحقيق أساسا.
والحالة الأخرى هي الفوز بالمعطاءات العامة والتي عادة ما تكون لصالح وزراء سابقين ونواب ووزراء عاملين استثمروا نفوذهم لصالح شركاتهم ومكاتبهم الاستشارية. ولكن الفساد لا يقتصر فقط على كبار صناع القرار في هذه العطاءات حيث يكون هناك سلطة كبيرة لبعض الموظفين أصحاب الدور المركزي، حيث يملك بعض الموظفين سلطة وصالعالم،بت في المناقصات والتحكم في مواصفات لمواد وخدمات تزودها شركات خاصة بأقاربهم أو أصدقائهم، أو القيام بمشتريات غير ضرورية لمصلحة أقارب أو أصدقاء، أو تحديد مواصفات تعجز عن توفيرها شركات خارج نطاق معين، وأحيانا يتم وضع المواصفات بالتنسيق مع شركات وأشخاص لكي تتم إحالة العطاءات عليهم بدون منافس.
إستراتيجية مكافحة الفساد في مصر – الدكتور عادل عامر
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية