“إسرائيل” والمشروع الصهيوني .. هل للماسونية دور؟ – موفق محادين
راوحت القراءات المختلفة للماسونية بين التهويل من شأنها وردّها إلى عهود غابرة تعود إلى سليمان وهيكله المزعوم، بحسب الرواية التوراتية، وبين التقليل من شأنها.
ولم يعد الإهمال مفيداً في قراءة هذه الحركة وأهدافها، ولا سيما بعد صدور عشرات الوثائق بشأنها، وبعد تورّطها في قضايا صراع سياسي معروفة، مثل قضية “الدو مورو”، وبعد الانتعاش الذي أثارته وثائق محفل الشرق الأعظم والموسوعة اللبنانية والدراسة الأميركية، التي نشرتها الـ”واشنطن بوست”، وبعد قرار مجلس المقاطعة في الجامعة العربية الذي انعقد في الإسكندرية في حزيران/ يونيو 1977، والذي دعا إلى إغلاق محافلها والأندية المرتبطة بها.
ومن اللافت للانتباه أن هذه الحركة حظيت باهتمام العديد من الأدباء والمفكرين، الذين تناولوها في أعمالهم الروائية أو في تعليقاتهم السياسية، ومنهم الروائي دوستويفسكي في أكثر من عمل روائي له، والروائي ايكو في (مقبرة براغ).
وفيما يردّ الماسون نشأتهم إلى عهود قديمة، بالاستناد إلى كل نشاط سياسي – اجتماعي – ثقافي للنخبة اليهودية وأوساطها، إلا أن النشأة الحقيقية للحركة الماسونية تعود إلى الظروف التي رافقت الثورة البرجوازية في أوروبا، وهي ظروف يمكن تقسيمها إلى مرحلتين:
الأولى، التي رافقت نشأة المدن الميركنتلية الإيطالية، مثل جنوة والبندقية (فلورنسا)، ولم يكن يسمح للأندية الماسونية الأولى بدخول أي يهودي، باعتبار أن رجال المال اليهود كانوا منحازين إلى الإمارات الإقطاعية، ما يفسّر أيضاً ظهور أدب مناهض لليهودية، مثل مسرحية “يهودي مالطا” لـ مارلو ومثل مسرحية “تاجر البندقية” لـ شكسبير.
ومقابل الديانات السماوية في أوروبا، اختارت الأندية الماسونية الإيطالية الأولى تأصيل نفسها بالرجوع إلى علوم المصريين والعراقيين القدامى، ومنها الأهرامات والزاوية والفرجار والعين كرمز للمعرفة والنور، وهو ما ظهر أيضاً في أعمال دافنتشي وبيكون وكوبرنيكوس وغيرهم.
المرحلة الثانية، التي ترافقت مع هزيمة الإقطاع والكنيسة لصالح الثورة البرجوازية، حيث انقلب المرابون اليهود على الإقطاع وتحالفوا مع الملوك الصاعدين وكذلك الثورة اللوثرية، وتمكنوا من السيطرة على المحافل الماسونية وإضافة ترميزات توراتية يهودية، مسروقة أصلاً من تاريخ الشرق، مثل النجمة السداسية، أو مزعومة ولا أساس تاريخياً لها، مثل هيكل سليمان.
وكانت مصلحة البرجوازية اليهودية الكبيرة في دفع هذه الثورة إلى الأمام وتوسيع المحافل كبديل للأحزاب التي لم تكن موجودة أو ضعيفة، ما أسهم في انخداع نفر غير قليل من رجال الإصلاح غير اليهود بالأهداف الماسونية، ومن ضمنهم عدد من المفكرين العرب والمسلمين أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والأمير عبد القادر الجزائري وجورجي زيدان والشيخ عبد الحميد الزهراوي والشيخ رشيد رضا، معلم حسن البنّا وأستاذه، وغيرهم.
وقد تراجع بعضهم عن تأييد الماسونية عندما تكشّفت على حقيقتها، مثلها مثل الثورة البرجوازية الأوروبية التي غدت عدوانية واستعمارية تماماً تجاه شعوب الشرق.
لقد ترافقت أنشطة الحركة الماسونية مع الأنشطة الاستعمارية ودور اليهود في ما وراء البحار، ومثّلت أخطر الأدوات الاستعمارية وأكثرها قدرة على التضليل من خلال اسمها الذي يعني البناؤون الأحرار، وبشعارات الأخوّة والمساواة التي رفعتها، وبمساهماتها الفعلية في التوطئة لكل فتح استعماري.
وبحسب الباحث الأميركي بيتر كارلسون، فإن أقدم الأدلة الموثقة عن الماسونية يشير إلى أنها انبثقت قبل أكثر من خمسمئة سنة عن نقابات بنّائي الحجر (كلمة ماسون باللغات اللاتينية تعني البنّاء) الذين كانوا أحراراً في الانتقال من مدينة أوروبية إلى أخرى لغرض بناء الكاتدرائيات القوطية مثل نوتردام.
وقد كان للمصافحات السرية وكلمات السر في ذلك الحين دور بطاقة الهوية التي تُعتمد اليوم للتأكد من انتماء المرء إلى مؤسّسة أو منظمة معينة.
بمرور الزمن، دعا بنّاؤو الحجر أشخاصاً من خارج مهنتهم إلى الانتماء لـ”الأخوية” التي تحوّلت تدريجياً من نقابة للبنّائين إلى أخوية عابرة للحدود تحت سيطرة اليهود.
هناك إشارات مكتوبة إلى الماسونية يعود تاريخها إلى عام 1390 ميلادي، لكن الماسونية (الحرة الحديثة) لم ترَ النور إلا عام 1717، عندما اتّحدت أربعة محافل لندنية لتؤسّس المحفل الماسوني الحر.
في ذلك الزمن الذي ساده التعصب الديني، كانت الماسونية من بين المنظمات غير الدينية الأولى في العالم، وقد لعبت دوراً مهماً كحاضنة لأفكار عصر التنوير، ما ربطها على نحو وثيق بالجماعات التي كانت تعاني من الاضطهاد العقائدي.
في الوقت نفسه، اشتهر الماسونيون بالعربدة التي كانت تعقب اجتماعاتهم الدورية، حيث كانوا يقصدون الحانات ويديرون الأنخاب بطرق خاصة، ولقد صنعوا لأنفسهم كؤوساً خاصة ذات كعوب سميكة يدقّون بها على الموائد في أعقاب كل نخب، مقلّدين صوت إطلاق النار.
وإضافة إلى موقفها المعادي للمرأة، ولما تعتبره جماعات مغلقة (المسيحيون والمسلمون والشيوعيون)، وللعمل الحزبي (لا إضراب في الماسونية)، ولحركات التحرر الوطني والمعارضة للحكومات المعتدلة، ولحقّ الإضراب العمالي، كما بالإضافة إلى دور محفل الشرق الأعظم الماسوني، الفرنسي، وتغلغله في ما يُعرف بـ أحزاب الاشتراكية الدولية (غير الماركسية).
فالماسونية حركة يهودية- أميركية بالدرجة الأولى، وطقوسها المستجدة بعد الثورة البرجوازية وعناصر استنادها التاريخي المزعوم كانت ولا تزال توراتية. العمودان اللذان نصبهما سليمان في الهيكل المزعوم لا يزالان أساسيّان في كل محفل، ولونها الأزرق لون العلم الصهيوني، وقول أحد أقطابها العرب اللبنانيين، حنا أبي راشد، إن “التوراة ههنا سند مهم من الوجهة التاريخية، وهي إذا بقيت على بعض التقاليد الإسرائيلية فليس يضيرها ذلك في شيء، ولنا أن نقول إن الماسونية يهودية في طقوسها ومراسمها”، (دائرة المعارف الماسونية صفحة 25-26)، وكذلك إنها خليط من الصوفية والصهيونية (صفحة 433، المرجع السابق).
كما لعبت الماسونية الدور الكبير والحاسم في صياغة الفكرة الصهيونية، ومن ثم في إقامة الكيان الصهيوني. وجرى كشف جانب من مخططاتها ونفوذها مع انتصار البلاشفة وحصولهم على وثائق البوليس القيصري.
وأما نفوذها الأميركي، بحسب دراسة لبيتر كارلسون في الـ”واشنطن بوست” فقد كانت (الماسونية الحرة) بحلول منتصف القرن الثامن عشر قد انتشرت عبر أوروبا وفي المستعمرات الأميركية، حيث اجتذبت إليها الكثير من الرجال الذين قادوا في ما بعد الثورة الأميركية على البريطانيين ليصبحوا “الآباء المؤسّسين للولايات المتحدة”، وكان من بينهم: جورج واشنطن، وبنجامين فرانكلين، وبندكت أرنولد، ومعظمهم تجار عبيد.
بعد نجاح الثورة البرجوازية الأميركية، أصبح الماسونيون اليهود الذراع شبه الرسمية للحكومة الأميركية الجديدة، وكانوا يشاركون في الاحتفالات الرسمية ويضعون الحجر الأساس للمباني العمومية.
وقد ظهر الرئيس الأميركي الأول، تاجر العبيد، جورج واشنطن، وهو يرتدي مريوله الماسوني يترأس حفل تكريس عاصمة الولايات المتحدة وإطلاق اسمه عليها، بل إن الدولار الأميركي نفسه يتضمن إشارات صريحة للنجمة اليهودية والمحافل الماسونية، مثل الشرق الأعظم وبني بريث ومحافل يورك.
وبعد أن تعرّضت (لانتكاسة) صغيرة أيام الرئيس جون كوينسي، فإنه بحلول عام 1845 هدأت الحركة المعادية للماسونية، وأخذت الماسونية تستعيد (عافيتها)، ثم بدأ العهد الذهبي لـ”الأخويات” في الولايات المتحدة حوالى عام 1860، واستمر حتى الآن.
لم تكن جميع تلك الأخويات ماسونية، لكنها كانت تقلّد الماسونية وتنقل عنها. من مجموع 19 مليون ذكر بالغ في الولايات المتحدة عام 1897، بلغ عدد المنتمين إلى الجمعيات الماسونية و”الأخويات” المشابهة لها 6 ملايين.
بعد ذلك بعقود كثيرة، كتب المؤرخ الأميركي آرثر شليسنجر الأب يقول: “كانت أميركا في ذلك الحين أمة (منخرطين)”. والسؤال الذي يثار الآن هو: لماذا (انخرط) كل هؤلاء الناس؟
من المعروف أيضاً أن معظم رؤساء الولايات المتحدة تقلّدوا الدرجة الماسونية (33). من أهم مدارسها المعروفة “العامة الرمزية والمملوكية والكونية، وحسب الدرجات: 10 و12 للأميركية، و33 للاسكتلندية، والدرجات العالمية الأربع للفرنسية الحديثة، و12 للسويدية، و3 لطريقة يورك”.
وترتبط بالماسونية محافل اقتصادية مثل “بيلدر بيرغ” والبنك وصندوق النقد الدوليين، وأندية وهيئات اجتماعية وثقافية متعدّدة، مثل “الليونز” و”الروتاري”.
عربياً تنشط الماسونية في معظم البلدان العربية، مثل البحرين والأردن ولبنان… ولم تقتصر على الأوساط الليبرالية، بل امتدت إلى العديد من رجال الدين كما أسلفنا وكذلك إلى مشائخ من قادة الإخوان المؤسّسين، مثل المراقب العام الأسبق في سوريا الشيخ مصطفى السباعي. وثمة دراسات لباحثين إسلاميين، مثل ثروت الخرباوي في كتابه (سر المعبد) وعبد الرحيم أبو علبة من الأردن في كتابيه (ماسونية حسن البنّا) و(رموز الإصلاح الديني الحديث)، وجدوا رموزاً مشتركة بين الماسونية والإخوان مثل (لقب المرشد والأخ، السيفان، الأسرة، وكذلك القسم في غرفة معتمة عند الماسونية وفي ما يخصّ الانخراط في الجهاز الخاص.
:::::
المصدر: الميادين نت
16 شباط 2022