إعلان القدس وقمة جدة دعم لسلطة الكيان ونتائج مؤجلة – مي أحمد شهابي
وأخيراً انفرط عقد قمة جدة وقبلها زيارة الرئيس الأمريكي لسلطة الاحتلال ومناطق السلطة الفلسطينية، وانقشع الغبار لتظهر حقائق فرضت نفسها على هذه الزيارة، والتي بنى البعض عليها نتائج، اتضح أنها كانت مجرد تمنيات ورغبات ليس إلا. وكما وصف كبير المعلقين في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، مع مغادرة الرئيس الأمريكي لواشنطن: إنها لن تكون أكثر من رحلة علاقات عامة تسبق الانتخابات النصفية للكونغرس وإرضاء للناخب الأمريكي الذي اكتوى بنار أسعار البنزين والمواد الغذائية والتضخم وانعكاساته الاقتصادية المباشرة على المواطنين. وذلك على حساب القيم الأمريكية الأخلاقية ملمحاً بذلك إلى موقف بايدن وإدارته من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومسؤوليته عن مقتل الصحفي السعودي خاشقجي.
وسنتطرق إلى نتائج هذه الزيارة على المستويين الفلسطيني والعربي، فعلى الصعيد الفلسطيني جاءت نتائج هذه الزيارة واللقاء مع الأخ أبو مازن تكراراً مملاً لمواقف هذه الإدارة التي ترى أن الوقت غير مناسب لاستئناف المفاوضات الفلسطينية _ الصهيونية. وأن ما هو متاح حالياً هو التنمية الاقتصادية وبما يسمح للسلطة بتمويل نفقاتها وتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، وأن حل الدولة الفلسطينية لازال الحل الأفضل للمسألة الفلسطينية. وذلك دون اتخاذ أي موقف من قضايا الاستيطان أو السياسات العنصرية لسلطة الكيان أو قضايا حقوق الإنسان الفلسطيني الخ من قضايا الصراع. وغض النظر عن افتتاح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية أو إعادة فتح القنصلية الفلسطينية في الولايات المتحدة والتي اختصرها الرئيس الأمريكي بالقول ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً. وبهذا تابع بايدن سياسات سلفه ترامب عبر التركيز على أهمية توسيع اتفاقات ابراهام ورفض سياسات المقاطعة. واستمرار تصنيف قوى المقاومة في المنطقة (حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي) باعتبارهم منظمات إرهابية. باختصار ليس لإدارة بايدن ما تقدمه للقضية الفلسطينية غير بقاء الوضع على حاله وبما يعني إطلاق يد سلطة الكيان بسياساتها العنصرية والاستيطانية وتجاهل الحقوق الفلسطينية، كي تتمكن دولة الكيان من فرض الوقائع الديمغرافية والوقائع الصهيونية على الأرض الفلسطينية.
طبعاً لن نخوض هنا في عجز هذه السياسة والمقاومة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لهذه السياسات. هذه المقاومة التي تتعاظم يومياً وفي كل أنحاء الضفة المحتلة، والتي باتت جزء من الحياة اليومية للفلسطينيين وتفرض نفسها واقعاً لا يمكن تجاهله أو تجاوزه ليس في الضفة فقط وإنما أيضاً في كل أماكن التواجد الفلسطيني وخاصة في مناطق ال٤٨. وهو ما يتطلب من القوى الفلسطينية إعادة نظر جذرية في الواقع الفلسطيني الرسمي والفصائلي كي يرتقي للحالة الفلسطينية الشعبية، والتي تمتلك رؤية جذرية لمواجهة المشروع الصهيوني تمارسه وتعبر عنه يومياً بمواجهة قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال بمختلف الوسائل.
أما عن قمة جدة التي شارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي إضافة لمصر والعراق والأردن، فقد جاءت نتائجها أيضاً مخيبة لبعض الرؤوس الحامية في المنطقة، فقد سقط حلف الناتو العربي وكذلك التحالف بتعبير آخر والمفترض أن يكون رأس الحربة في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لا بل أن وزير الخارجية السعودي صرح بأنه لم يسمع بمثل هذا الاقتراح رغم الضجة الكبرى التي سبقت انعقاد القمة.
المهم إن الوقائع السياسية ووقائع الجغرافية السياسية فرضت نفسها بقوة وباتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية جزء من المنطقة تجمعها معها علاقات دينية وثقافية واقتصادية متميزة رغم نقد بعض السياسات الإيرانية ودعوتها لإنهاء تدخلها في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية. المهم أن العدو الرئيسي في المنطقة ليس الجمهورية الإسلامية كما كان يسوق في الأشهر الماضية وهو ما استدعى فكرة الناتو العربي.
صحيح أن الوضع العربي لازال على موقعه المتجاهل لدور العدو الصهيوني وكونه المصدر الرئيسي لفقدان الاستقرار عدا عن استمرار احتلاله لأراضٍ عربية إلى جانب انكاره للحقوق الفلسطينية واستمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية. أما تفسير هذا التحول فلا شك أن أسبابه متعددة وفي طليعتها أن العديد من الدول العربية ضعفت ثقتها بسياسات الولايات المتحدة وبرز هذا بشكل واضح في أفغانستان عبر انسحابها المذل، والحرب في أوكرانيا وما جرته على العالم من أزمات للطاقة والغذاء وتضخم مالي انعكس بشكل كبير وسلبي على غالبية دول العالم وبشكل كبير على الدول الفقيرة. وهو ما ولد وعياً بضرورة عدم وضع كل البيض العربي في السلة الأمريكية التي تتضاءل الثقة بها يوماً بعد يوم. وساعد على هذا تلخيص الرئيس الأمريكي سياسات أمريكا في الشرق الأوسط بأن أمريكا لن تسمح بملء الفراغ في المنطقة من قبل الصين وروسيا. أي أن مصالح أمريكا الاستراتيجية هي فقط من تقرر سياساتها وليس تقاطع المصالح كما هو متوقع في العلاقات الدولية. وحتى تعبير الشراكة الأمريكية مع دول الإقليم هو هدف متروك للنقاش مثله مثل العديد من القضايا التي كانت محور البحث والنقاش.
لاشك أن ما يجري في العالم بات يؤشر أن موقع الولايات المتحدة كقطب واحد لم يعد قائماً وإننا بتنا أمام عالم متعدد الأقطاب، وبما يتيح لنا أن نستغل هذا التغيير بما يعود على شعوبنا وقضايانا بالخير والتنمية والسيادة.
وهنا علينا أن نؤكد ولاسيما في منطقتنا أن ما ساعد على الوصول إلى هذا الوضع الدور الكبير الذي أسهمت به أطراف محوري الممانعة وتحالفاتها، وما قدمته من إنجازات وصمود وبشكل خاص في سوريا بصمودها الأسطوري، وفي لبنان بقيادة نهج المقاومة وفي العراق واليمن، إن كل هذا أسهم وبشكل كبير في تظهير صورة المنطقة بشكل مختلف، وهو ما أسهم في تراجع العديد من دول المنطقة، كان ولازال محدوداً ودون المستوى المطلوب عن الالتحاق الكلي بالسياسات الأمريكية والصهيونية. وإن كان كما يقول المثل مرغم أخاك لا بطل.
ويبقى كل هذا حلماً ورغبة مرهونة برؤية عربية شاملة تضع المصالح العربية لدولها وشعوبها بعيداً عن الرهانات الخارجية والتي لم تؤدي على مدى عشرات السنين إلا لخسائر جسيمة على مختلف المستويات الوطنية والقومية. وأن تدرك أن قوى المقاومة في المنطقة هي رصيد ثمين للمنطقة وشعوبها كي تتمكن من الحفاظ على سيادتها وثرواتها وأمنها القومي والوطني، وأن أية رهانات أخرى لن تفعل شيئاً سوى الضياع وفقدان الأمل بالمستقبل والتنمية والسيادة لأوطانها وشعوبها.