إيلان بابيه: إعلان ترامب أنهى حل الدولتين – حوار: سليمان أبو إرشيد
وجه إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، صفعة كبيرة لنهج التسوية، في وقت تتجه فيه إسرائيل نحو فرض “سيادتها” على كامل فلسطين التاريخية حتى بثمن خلق نظام أبرتهايد. وبات هذا التوجه يحظى بدعم أميركي، الأمر الذي أوصل المفاوضات إلى طريق مسدود، وفتح الباب واسعا أمام إعادة صياغة اجتهادات وخيارات بديلة تعيد تعريف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تم تحريف جوهره، وتبني إستراتيجية وطنية جديدة تتلاءم مع هذا الجوهر ومع المستجدات والحقائق التي خلقتها إسرائيل على الأرض.
ويتحدث المؤرخ الإسرائيلي التقدمي، البروفيسور إيلان بابيه، في كتابه “أوجه الشبه بين جنوب أفريقيا وإسرائيل”، الذي صدر العام الماضي، عن حالة أبرتهايد فريدة من نوعها في إسرائيل وفي المناطق المحتلة عام 1967، وأنه بات يستحيل معها الفصل بين المجموعتين السكانيتين على أرض فلسطين الكاملة. ويقول إن مشروع الاستيطان الصهيوني لا يمكن وصفه بالاحتلال العادي، بل هو احتلال اقتلاعي – استيطاني، خلق حالة التشابك تلك التي بات الحل الممكن معها هو حل الدولة الواحدة فقط.
ويدعو بابيه الفلسطينيين إلى التخلص من قاموسهم السياسي القديم، وقراءة جوهر الصراع ، باعتباره كان وما زال يدور بين حركة استيطانية – استعمارية وحركة تحرر قومي، وليس بين حركتي تحرر قومي. وهو ينظر إلى احتلال الـ67 على أنه مشروع استيطاني اقتلاعي يشمل كل فلسطين التاريخية بزعم أن فلسطين هي “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
وعن أوجه الاختلاف مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يقول إنه في جنوب أفريقيا كانت الأغلبية تستطيع بالانتخابات إسقاط حكم الأقلية العنصري، أما في إسرائيل فإن الفصل العنصري أصعب، لأن الضحايا أقلية ولا تستطيع تغيير الواقع بالانتخابات.
وحول دعوته للفلسطينيين لتغيير التوجهات والمصطلحات ومجمل القاموس السياسي لفهم الصراع الحقيقي في البلاد ولفهم سبب فشل حل الدولتين، يقول بابيه إن فكرة التقسيم رائجة ويؤيدها أشخاص مشهورون بالعالم، لكنها في الواقع كذبة كبيرة ولا يمكن أن تطبق، لأن التقسيم يعطي الفلسطينيين أقل من 20% من البلاد ويعطي إسرائيل 80% منها، ولأن إسرائيل ماضية في جريمة التطهير العرقي وضحاياها هم الفلسطينيون.
ويؤكد بابيه أنه عندما نتوقف عن القول “احتلال” ونقول “استعمار”، وعندما نتوقف عن قول “تسوية” بل “تفكيك النظام الاستعماري”، عندها تكون هناك فرصة لوقف الصراع. وحول إعلان ترامب وتداعياته والخيارات السياسية المفتوحة أمام الفلسطينيين والإسرائيليين، أجرى “عرب 48” المقابلة التالية مع البروفيسور بابيه.
“عرب 48“: بمنظور تاريخي، ما هي تداعيات إعلان ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل والشروع بنقل سفارة الولايات المتحدة إليها على القضية الفلسطينية؟ وهل هناك وجه شبه بينها وبين إعلان بلفور؟
بابه: “لا أعتقد أن إعلان ترامب شبيه بإعلان بلفور من ناحية أهميته، ورغم ذلك فانه تصريح جدي لأنه، أولا وقبل كل شيء، يعبر عن اعتراف أميركي رسمي بخرق إسرائيلي فظ للقانون الدولي. فإسرائيل خرقت القانون الدولي في موضوع القدس مرتين. المرة الأولى عندما أعلنت عام 1949 عن القدس عاصمة لها، بشكل مخالف لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمكانة الدولية التي منحت للقدس والتي اتخذت بأغلبية مطلقة. لهذا السبب نرى انه حتى الولايات المتحدة لم تجرؤ على فتح سفارة لها في القدس قبل عام 1967. وخرقت إسرائيل القانون الدولي في المرة الثانية عندما ضمت القدس الشرقية إليها. ورغم أن العديد من الخطوات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي، وبضمنها إقامة المستوطنات، إلا أن أي من تلك المخالفات لم يتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي وبضمنه الولايات المتحدة. وبالنسبة لمعنى إعلان ترامب، فإن هناك معنى كبير. فأن تقول دولة عظمى رائدة في العالم لإسرائيل بإمكانكم تجاهل القانون الدولي وخرقه، فهذا يحمل معنى كبير، وإذا لم يتغير ميزان القوى في العالم فان ذلك يعني أن إسرائيل بإمكانها تجاهل القانون الدولي بشكل مطلق”.
“عرب 48“: ما هو تأثير هذا الإعلان على مكانة أميركا في المنطقة ودورها في ما يسمى بعملية السلام؟
بابيه: “الإعلان يُخرج الولايات المتحدة من موقعها كوسيط في النزاع، وإنهاء دور الوسيط يشير إلى إنهاء حقبة التدخل الأميركي في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة ليست جزءا من المباحثات حول مستقبل سورية وكذلك تأثيرها على مستقبل العراق غير كبير. وهناك قوى جديدة، مثل إيران وتركيا اللتان تلعبان دورا أكثر أهمية، وحليفة أميركا الأكثر أهمية، السعودية، تمارس سياسة إذا ما فشلت فان الدور الأميركي في المنطقة سيتقلص أكثر. كما أن إنهاء دور أميركا كوسيط له معان جدية. فاليسار الصهيوني أو ما يعرف بمعسكر السلام يعلق كل أضوائه على الولايات المتحدة. وكل عملية السلام خلال الأربعين سنة الأخيرة هي عملية أميركية وكل من كان شريكا فيها، إذا كان من السلطة الفلسطينية أو من الساحة السياسية الإسرائيلية، قضى نصف سنة من كل سنة في واشنطن، ومن الصعب التصديق بوجود أي احتمال لتلك العملية بدون الولايات المتحدة”.
“عرب 48“: ما هو مستقبل النضال الفلسطيني في ظل هذا الإعلان؟ وما هو مستقبل عملية السلام بصيغتها الحالية؟
بابيه: “الوضع الراهن يتطلب تعريفا أكثر وضوحا لنضال التحرر الوطني. وبعد أن بنت القيادات الرسمية المستقبل على المفاوضات وعلى حل الدولتين، فإنه لن تكون هناك مفاوضات في المستقبل المنظور، والنضال يجب أن يلائم نفسه لواقع القرن الـ21. وضغط من الخارج ونضال شعبي من الداخل هو بمثابة أفكار عامة يجب تطويرها والتفكير أيضا بدمج قوى يهودية غير صهيونية داخلها”.
“عرب 48“: هل من الصحيح القول إن إعلان ترامب دق المسمار الأخير في نعش حل الدولتين؟
بابيه: “نعم بالتأكيد. لا صلاحية ولا مستقبل لهذه الفكرة. لكن المشكلة أن البدائل غير واضحة بعد ولم يتم العمل على صياغتها بالدقة والتفصيل الكافيين، وهذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك، ويمكن الدمج بين نموذج ثنائي القومية والدولة الديمقراطية “.
“عرب 48“: ما هو معنى الانتقال للنضال من أجل الدولة الواحدة؟
بابيه: “هناك ثلاثة معان. الأولى تتمثل بالتنازل عن خيار المفاوضات والانتقال إلى نضال دائم من الخارج وتنظيم من الداخل. الثاني، بناء إستراتيجية مقابل المجتمع اليهودي- تشمل أيضا دمج قوى تقدمية في النضال وتوجه واضح يتعلق بمستقبلها، برؤية فلسطينية رائدة عن الدولة الواحدة. وفي النهاية يجب أن نكون واضحين بما يتعلق بوجود السلطة الفلسطينية، إذ أن أي وجود سيكون لها بدون مفاوضات وبدون سلام أميركي، خاصة وأننا أمام حكومة فاشية، سيثقل وحسب على حياتنا جميعا في هذه البلاد”.