اسبوع الفيلم الايراني بعمان (الدورة الثانية):
مهند النابلسي
صراع وجودي وثرثرة طريفة وانبهار بالغرب!
بفيلم “محطة الشمس”(2014) يستعرض المخرج سامان سالور مجموعة متنوعة من الشخصيات الهامشية الطريفة: كالعجوزالعنيف العنيد، و”حسن” الغريب الأطوار المهرج، وصبي مراهق يعمل كبائع متجول في القطار، الذي يتبين في آخر الشريط انه فتاة “متخفية” (وان كان ذلك غير مقنع، فالفتى لا يشبه الفتاة اطلاقا)، كما نشاهد قزما طريفا بوجه عجيب، وكالعادة بمعظم الأفلام الايرانية نرى جنازة وزفاف ورجل دين طيب، يستعرض الشريط الغريب هذه الشخصيات بحياتها اليومية، ورغبة بعضها لعبور ضفة مقابلة عبر نهر بواسطة عربة تلفريك يدوية بالية، ولا نعلم سبب تكرار قصة فيلم التايتنك عبر حوار الأبطال (ربما لانبهار المخرج بالفيلم)، كما يعود المخرج الشاب نفسه فيقحم لاعب الكرة الانجليزي الشهير “بيكهام” بوضع مجسم كرتوني كبير له ،وذلك بشريطه الثاني المميز “بضعة كيلوغرامات من التمر بمراسم جنازة”(2006)، الفيلم يتحدث عن قصة رجلين يعملان معا في محطة قطارات نائية بمنطقة مهجورة، حيث يبدو أحدهما مهووسا بالطقس، والآخر مغرم بفتاة من بلدة قريبة براسلها بواسطة “المكاتيب” عن طريق ساعي البريد، ويستعرض الشريط حالة غريبة لفتاة ميتة تركت جثتها بسيارة باردة مهجورة قبل أن تدفن، كما يتحفنا بزفاف فولوكلوري وحركات تهريجية من معتوه القرية ، ثم بصراع كلامي زاعق على حب فتاة.
أما في الفيلم الثالث “ثلج” فيتعرض المخرج مهدي رحماني لحالة عائلة ايرانية كانت ثرية فيما مضى، ولكنها تتعرض لكارئة مالية وديون ورهن عقاري، وتحاول جاهدة اخفاء ذلك والعيش بالأوهام، وخاصة مع تقدم جارهم الشاب لخطبة ابنتهم، التي تحاول اخفاء أمرزواجها السابق عن الخطيب الجديد، الذي يعمل مهندسا بشركة “بي ام دبليو” الألمانية، وينتهي الفيلم الحافل باللوم والاخفاء والثرثرة، كما تتبدد أوهامهم ويهمن الاحباط بعد أن يغادرهم الأخ الأصغر وقد تملكه اليأس من امكانية الخلاص.
اما الفيلم الغريب والطريف حقا، فيتمثل بشريط “السجادة الحمراء”(2014) للمخرج رضا عطاران الذي يروي قصة تمثل كاتب مسرحي فاشل من الدرجة الثالثة، والذي يسعى جاهدا لاثبات موهبته، حيث يغامر بالسفر لمهرجان كان ليلتقي بالمخرج الأمريكي الشهير “شبيلبيرغ (الذي ترأس المهرجان)، كما يحاول مقابلة “وودي آلن” بمقهى، ونراه بفشل بالحالتين، ولا يتمكن من عرض مسوداته ليساعداه على تحقيق الشهرة…يتعرض هذا الفيلم الكوميدي (الذي يبدو كشريط وثائقي عن مهرجان كان) لجملة مفارقات مضحكة تتمثل بسذاجة الممثل وطيبته وتلقائيته وضعف وركاكة لغته الانجليزية، حيث يتعرض للسرقة والاهانة والضرب وفقدان المأوى، ولكنه يبدو مصرا على تحقيق حلمه بالرغم من فشله وخيبته، كما بدا البطل مع “بدلة السموكنغ والبابيونة ونظارة شمسية فاخرة” وكأنه يشبه المخرج الأمريكي الشهير “كوبولا”!
تتميز هذه الأفلام الأربعة بطرافة سلوكيات أبطالها، وتقبلهم القدري لواقعهم البائس وسعيهم العنيد لتحقيق رغباتهم البسيطة، ويتم ذلك ضمن اطار “درامي-كوميدي” شيق وممتع..
كما تتضمن مشاهد متنوعة لحالات من الانفعال الزائد والمواقف الطريفة والهيجان المبالغ به، وربما احتقار الذات، حيث تبرع السينما الايرانية بطروحاتها الغريبة، كما باسلوب تناولها للشخصيات المهمشة الطريفة، وتسلط الأضواء على خصوصيات المجتمع الايراني، بعيدا عن القصص المفبركة والميلودراما والجنس والتهريج والأكشن المزيف، وهي تحقق بذلك وجودها العالمي في المهرجانات المختلفة، وتستعرض حالات صادقة من الكفاح والمعاناة والشغف بعيدا عن النجومية والتجميل والاستعراض والابهار، ولكنها تبدو وكأنها تعاني من شعور مزمن “بالنقص” يتمثل باقحامها لأسماء الأفلام والمخرجين ولاعبي الكرة ونمط الحياة الغربية ، وبمغازلتها الواضحة لأقطاب السينما الأمريكية تحديدا، ولا ادري ان كان ذلك يسجل ضدها ام لها!
مهند النابلسي