استحالة التعايش مع (اسرائيل) – د.غازي حسين
للأجيال القادمة كي لا تنسى
هل لدينا كعرب استراتيجية شاملة ومستقبلية للتعامل مع الصراع العربي ـ الصهيوني؟
هل يمكن التعايش مع التعاليم التوراتية والتلمودية ومع الإيديولوجية الصهيونية والكيان الصهيوني؟ وهل يمكن التعايش بين العرب و”إسرائيل”؟… وهل يمكن التعايش مع الاستعمار الاستيطاني والامبريالية الاسرائيلية؟
إن الوقائع والأحداث منذ بلورة الصهيونية كأيديولوجية وحركة سياسية عالمية منظمة عمودها الفقري الاستعمار الاستيطاني اليهودي والمقررات السرية للمؤتمر الصهيوني الأول والمعروفة ببروتوكولات حكماء صهيون تثبت بجلاء استحالة التعايش مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر التجسيد العملي للأكاذيب والأطماع التوراتية و التلمودية والصهيونية والامبريالية الاسرائيلية.
لذلك يعتبر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، واتحاد الكتاب العرب، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين إن الصراع صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود.
وتؤمن النخب الوطنية والقومية والإسلامية أنه لا توجد مصالحة أو تسوية مقبولة مع الصهيونية و الكيان الصهيوني المغتصب للأرض والحقوق والمياه والثروات العربية، والذي يمارس الاستعمار الاستيطاني والامبريالية اليهودية كسياسة رسمية تحت ستار إقامة “إسرائيل الكبرى” أو العظمى من النيل إلى الفرات.
إن التعاليم التوراتية والتلمودية والمبادئ الصهيونية التي كرّستْ الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية لغير اليهود كجزء من الديانة اليهودية هي جوهر الدولة الإسرائيلية.
نشأت الدولة الإسرائيلية كتجسيد للمشروع الصهيوني والاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين العربية. وتحوّلت بعد حرب حزيران العدوانية إلى امبريالية اسرائيلية تعمل للهيمنة على البلدان العربية والإسلامية.
تأسست “إسرائيل” كتعبير عن مشروع يهودي عنصري استعماري وكترجمة مادية للإيديولوجية الصهيونية ولمقررات المؤتمر الصهيوني الأول السرية والعلنية وكتجسيد لكتاب تيودور هرتسل “دولة اليهود” على أرض الواقع، وعلى أرض فلسطين العربية.
ونجحت اليهودية العالمية بإقامتها باستغلال بروز النازية واستلام هتلر لمقاليد الحكم في ألمانيا والتعاون بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية وباستغلال النتائج التي تمخضت عن الحرب العالمية الثانية وبروز الامبريالية الأميركية.
وتعاونت “إسرائيل” مع الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا ومع الامبريالية الأميركية ضد الشعوب والبلدان العربية. وكانت تلح باستمرار على إدارة الرئيس بوش الابن بالإسراع في تدمير العراق وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، والاستمرار في الحروب الصليبية على العرب والمسلمين. وبالتالي لا يمكن أن يتغير التكوين الإيديولوجي والمادي للكيان الصهيوني.
أثبتت الوقائع والأحداث والمخططات الصهيونية، ومواقف وممارسات وخطط الكيان الصهيوني أنهم يرفضون وجود الشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين، ويرفضون قبول فكرة وجود دولتين مستقلتين في فلسطين العربية. وبالتالي لا يوافقون أبداً على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في الحدود التي رسمها قرار التقسيم أوفي حدود ما قبل الحرب العدوانية التي أشعلتها “إسرائيل” عام 1967، وعاصمتها القدس.وتتضمن برامج معظم الأحزاب الإسرائيلية وجوب احتلال شرق الأردن لتحقيق الترانسفير وإقامة مستعمرات يهودية جديدة هناك.
وأدت الهرولة في التطبيع وإقامة العلاقات مع “إسرائيل” وتهافت بعض بلدان الخليج وبشكل خاص قطر إلى إلحاق المزيد من الضرر في قضية فلسطين.
وثبت بجلاء أن الاتفاقات التي وقعتها القيادة الفلسطينية هي اتفاقيات إذعان للقبول بالاستعمار الاستيطاني في فلسطين وبالامبريالية الاسرائيلية في الوطن العربي. وأثبتت تجارب الشعوب والأمم أن اتفاقيات الإذعان مصيرها إلى السقوط والإلغاء، ولابد من إلقائها في سلة المهملات، لأنها ألحقت أفدح الأضرار بالشعب العربي الفلسطيني وبقضيته العادلة وبالإنسان والوطن الفلسطيني وا لمقدسات العربية.
وأظهر الحصاد المر لاتفاقيات الإذعان في أوسلو فعالية المقاومة وفشل منطق المساومة والتنازلات، وأكد صحة أن الصراع صراع وجود، وأنه لا يمكن التعايش مع الاستعمار الاستيطاني اليهودي مهما طال الزمن.
وأكدت الأحداث المتلاحقة والهولوكوست على الشعب الفلسطيني صحة رفض التسوية لأن الامبريالية الأميركية والامبريالية الاسرائيلية تسعيان من خلالها رسم خريطة سياسية واقتصادية جديدة للوطن العربي على حساب الأمن والهوية والمصالح العربية تقود إلى هيمنة “إسرائيل” على البلدان العربية.
إن التسوية الأميركية هي حل مؤقت امبريالي عنصري يرسّخ أسباب الصراع وجذوره ويعمقها، ويفرض الاستمرار في المقاومة ورفض التطبيع والامبريالية الاسرائيلية.
فالتسويات التي وافقت عليها بعض الحكومات العربية والتنازلات التي قدمتها لمصلحة الكيان الصهيوني سوف تتمكن الأمة العربية من إسقاطها والتخلص من الرواسب الفاسدة التي تركتها عملية التسوية. ولكن مساعي التسوية أثبتت أن الدول العربية تبنت “السلام”، كاستراتيجية في الوقت الذي ظهر بجلاء أن “إسرائيل” تعتمد على القوة أو التهديد بها لكسر إرادة الشعب والأمة وإخضاع الحكومات العربية. وبالتالي ثبت بأن “إسرائيل” هي العقبة الكأداء في وجه السلام العادل والاستقرار والازدهار في المنطقة.
إن الاحتلال اليهودي لفلسطين العربية عمل غير مشروع، وليس لليهود الدخلاء عليها والغرباء عنها حق فيها أو في السيادة عليها، كما لا يمكن للأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة أن يعطي المعتدي الحق في ملكية فلسطين والسيادة عليها، لأن ما بني على باطل فهو باطل مهما طال الزمن ولو كان مئات السنين، إلاَّ إذا اعترف الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية بالعدو الصهيوني، المغتصب للأرض والحقوق والمياه والثروات العربية.
سلكت “إسرائيل” سياسة الإبادة الجماعية والترحيل والحروب العدوانية لتحقيق تهجير يهود العالم إلى فلسطين واقتلاع شعبها العربي وتشريده إلى البلدان العربية المجاورة وتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي لإقامة “إسرائيل العظمى” والهيمنة على الثروات والبلدان العربية.
فكيف يمكن للشعب العربي الفلسطيني أن يعترف بالعدو اليهودي الذي اغتصب وطنه وصادر أراضيه ومقدساته وأمواله وأملاكه ويرتكب الهولوكوست عليه؟
إن على القيادة الفلسطينية المنحرفة وعلى دعاة الاعتراف بالعدو ألاَّ ينسوا الحقائق التالية:
*إن “إسرائيل” وليدة الصهيونية والامبريالية، وإن وعد بلفور غير قانوني وقرار التقسيم غير شرعي.
*إن الحروب العدوانية والاحتلال غير المشروع لا تضفي الشرعية على المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة.
*إن القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية وبالأخص ميثاق الأمم المتحدة لا يعطي المحتل والمغتصب للأرض والحقوق والمياه حقوق السيادة على الأراضي المحتلة.
*إن الصهيونية أيديولوجية وحركة عنصرية كالنازية، وحركة استيطانية استعمارية، كالاستعمار الفرنسي في الجزائر ونظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا، وإن الكيان الصهيوني أسوأ دول الاستعمار الاستيطاني وأسوأ الدول العنصرية التي ظهرت في تاريخ البشرية.
*وإن الكيان الصهيوني كيان إرهابي، عنصري ويجسد الاستعمار الاستيطاني وقاعدة دائمة للدول الاستعمارية والامبريالية الأميركية واليهودية العالمية لمنع الوحدة العربية وعرقلة نمو وتطور وازدهار البلدان العربية وتدمير منجزاتها الاقتصادية والعسكرية والعمرانية وبناها التحتية وعرقلة تطور الإنسان العربي في فلسطين والبلدان العربية المجاورة.
تصدى آباؤنا وأجدادنا وأمتنا العربية والإسلامية للاستعمار والصهيونية العالمية للمحافظة على عروبة فلسطين وبيت المقدس. وقدموا مئات الآلاف من الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية أرض فلسطين العربية. ورفضوا الاعتراف بالوجود الصهيوني فيها إلى أن جاء السادات ووقع اتفاقيتي الإذعان في كمب ديفيد، وجاء عرفات ووقع اتفاق الإذعان في أوسلو واعترفا بموجبهما بالعدو الصهيوني الدخيل على فلسطين العربية والغريب عنها، إن لعبة وصناعة التسوية والاعتراف مميتة وقاتلة لفلسطين العربية والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل وبيت لحم ونابلس والوطن العربي.
فهل تخلت “إسرائيل” عن الهجرة اليهودية وتهجير أكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى “أرض الميعاد”، المزعومة؟…
هل تخلت إسرائيل عن الترانسفير، عن ترحيل الشعب العربي الفلسطيني واقتلاعه من وطنه؟.. هل تخلت “إسرائيل” عن المزاعم والخرافات والأساطير والأطماع التوراتية والتلمودية والصهيونية؟ هل تخلت إسرائيل بالرغم من الاتفاقات في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة عن استخدام القوة لإخضاع الدول العربية وتركيعها وترويضها وفرض المشروع الصهيوني عليها؟… لماذا تصر “إسرائيل” على امتلاك السلاح النووي والكيماوي والبيولوجي؟ لماذا تصر “إسرائيل” على تجريد الدول العربية من جميع أنواع الأسلحة وفي نفس الوقت تحافظ على تفوقها العسكري التقليدي على جميع الدول العربية؟..
رفع بعض الحكام العرب وياسر عرفات “سلام الشجعان” واستراتيجية السلام “مع العدو الإسرائيلي فلماذا لم تتخل “إسرائيل” عن إقامة “إسرائيل العظمى”.؟…
لماذا رفعت “إسرائيل استراتيجية معاداة العروبة والإسلام في الدول الغربية؟ لماذا تعمل “إسرائيل” على تدمير وتهويد المقدسات الإسلامية؟
لماذا ترفض “إسرائيل” تنفيذ قرارات الشرعية الدولية منذ تأسيسها وحتى اليوم؟
وتعمل على إحضار سبعة ملايين مهاجر يهودي وترحيل الشعب العربي الفلسطيني، ورفض حقه في العودة إلى وطنه وتوطينه في البلدان العربية المجاورة، وترفض الاعتراف بوجوده وبحقوقه الوطنية.
فكيف يمكن للفلسطينيين والعرب الحصول على حقوقهم منها جراء التفاوض معها؟
اعترفت قيادة عرفات بها وتفاوضت ووقعت معها اتفاقات أملتها على فرد مستبد بالقرار الفلسطيني فهل نفذت “إسرائيل” ما أملته وفرضته ووقعت عليه؟
إن “إسرائيل” موجودة واقعياً وسياسياً في نظر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والاعتراف الفلسطيني بها يجعلها موجودة قانونياً في المنطقة العربية.
ويجمع خبراء القانون الدولي أن عدم قانونية الوجود الإسرائيلي نابع عن سببين:
الأول : إن الوجود الإسرائيلي (الكيان الاستيطاني) متنازع عليه من قبل الشعب العربي الفلسطيني (والأمة العربية والإسلامية) صاحب السيادة على فلسطين العربية كوقف إسلامي خالد.
والثاني : إن الاعتراف الفلسطيني يعطي الوجود الإسرائيلي الشرعية حتى في الأراضي التي احتلتها زيادة عن الحدود التي رسمها قرار التقسيم.
لذلك يعتبر الاعتراف الفلسطيني والعربي بالعدو الإسرائيلي:
*كارثة وطنية وقومية ودينية، لأنه موافقة على اغتصاب فلسطين العربية وتهويدها وتهويد المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في القدس وبيت لحم والخليل.
*والاعتراف باطل لأن إقامة الكيان الصهيوني تم خلافاً لمبادئ القانون الدولي ولحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير.
*والاعتراف باطل لأنه تكريس لمشروع امبريالي ـ صهيوني، ولأن الدولة الاستيطانية (إسرائيل) تجسيد للاستعمار الاستيطاني اليهودي على أرض الواقع.
*والاعتراف باطل لأن وعد بلفور الاستعماري غير قانوني وتقسيم فلسطين غير شرعي.
*ويعني الاعتراف التنازل عن حق العودة وتقرير المصير والسيادة العربية عليها.
إن القيادة الفلسطينية المنحرفة تؤيد الاعتراف بالعدو تلبية للطلب الأميركي للمحافظة على امتيازاتها ومناصبها ومصادر تمويلها.
لذلك فإن السكوت عن دعوات الاعتراف والتفاوض مع العدو الإسرائيلي المغتصب للأرض والحقوق والمياه والثروات والمقدسات خيانة وطنية وقومية ودينية وإنسانية (بحق شعوب العالم وثوابتها في الحرية والاستقلال والسيادة).
ويقود دعاة الاعتراف بـ”إسرائيل” إلى:
ـ انتهاك الميثاق الوطني وثوابت النضال الفلسطيني وقرارات المجلس الوطني الشرعية.
ـ مخالفة قرارات مؤتمرات القمة العربية في القاهرة والخرطوم والرباط وبغداد.
ـ يقود إلى تصفية قضية فلسطين وتهويدها وتهويد المقدسات فيها وتوطين اللاجئين في البلدان العربية وتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي.
ـ وانتهاك فاضح للمحرمات الفلسطينية والعربية والإسلامية التي وضعها الشعب والأمة منذ وعد بلفور.
إن “إسرائيل” دولة الاستعمار الاستيطاني الوحيدة المتبقية في العالم، وأكبر وأفظع دولة معاصرة تمارس الإرهاب والإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني، وتطبيق نظرية المجال الحيوي لليهودية العالمية من النيل إلى الفرات، لذلك يجب الاستمرار برفض الاعتراف بها والتعايش معها، والإصرار على كنس الاحتلال الإسرائيلي وتحرير فلسطين من عنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني. وسيكون مصير الصهيونية في فلسطين كمصير النازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، والعنصرية في روديسيا والبرتغال، ونظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا وكمصير الحملات الصليبية والغزاة الذين تعاقبوا على فلسطين.
تقوم “إسرائيل” بدور الأداة والقاعدة الثابتة لخدمة المصالح الأميركية وفرض هيمنة اليهودية العالمية على البلدان العربية.
ويعتبر الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي الذي تقدمه الولايات المتحدة ثمناً لقاء الدور الذي تقوم به “إسرائيل” ضد حقوق ومصالح الشعوب والدول العربية والإسلامية.
وتعتبر “إسرائيل” نفسها القاعدة الأمامية للدول الغربية في مواجهة العروبة والإسلام. وتعمل في الوقت نفسه على تركيع الحكومات العربية وإجبارها على التطبيع لكي تكون مستودع الغاز والنفط وبوابة الاستيراد والتصدير في المنطقة والوسيط بينها وبين الدول الصناعية. وتتبجح “إسرائيل” بقوتها الغاشمة وخاصة بعد أن تخلى الحكام العرب في قمّة فاس الثانية عن الخيار العسكري واعتمدوا “استراتيجية السلام” لتسوية الصراع العربي الصهيوني.
وأعلن مجرم الحرب والسفاح أرييل شارون “إن إسرائيل دولة عظمى في الشرق الأوسط، وفي وسعنا أن نحتل منطقة كاملة من الخرطوم إلى بغداد والجزائر”.
وتعمل “إسرائيل” باستمرار على تهديد البلدان العربية باستخدام القوة العسكرية لكسر إرادتها وإخضاعها، وعلى تدمير المنجزات وسرقة الأرض والمياه والثروات العربية، وعلى تشويه سمعة ومكانة الإنسان العربي والمسلم وتأجيج العداء والكراهية له في أميركا وأوروبا.
وناهضت استقلال البلدان العربية، واعترضت على استقلال الجزائر، واشتركت في حرب عدوانية مع الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا ضد مصر وتقدم الخدمات لأعداء العرب والمسلمين. وكانت الدولة الوحيدة في العالم التي تطلب وتلح بالطلب من إدارة الرئيس بوش الابن على تدمير العراق وتجزئة أراضيه واحتلاله لنهب ثرواته وخيراته لمصلحتها ومصلحة الولايات المتحدة. وحوّلت السلطة الفلسطينية إلى محمية إسرائيلية تخضع للاقتصاد والهيمنة الإسرائيلية وتستورد سنوياً بضائع ومنتجات إسرائيلية بملياري دولار، وتصدر لها الأيدي العاملة الرخيصة.
وتقوم جوهر السياسية الإسرائيلية على عسكرة المجتمع والاقتصاد والمواطن الإسرائيلي، كما يسيطر العسكريون على القطاعين المدني والعسكري.
ويفتخر يهود العالم في دور الجيش الإسرائيلي في حياة البلاد واليهود، ولكنه في حقيقته يدل على أن “إسرائيل” كدولة استعمارية، عدوانية، توسعية، إرهابية وعنصرية، متعجرفة، متصلبة، تشكل دائماً خطراً مستمراً على الشعوب والبلدان العربية وعلى السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة.
وتزداد باستمرار داخل المجتمع الإسرائيلي التيارات الإرهابية والعنصرية والاستيطانية والتي تمارس النفوذ المتزايد على السياسة الرسمية “لإسرائيل”.. ويختار الشعب الإسرائيلي دائماً أكثر القادة إجراماً بحق العرب.
أثبتت الوقائع والأحداث في الضفة والقطاع وفي الكيان الصهيوني، عدم إمكانية التعايش بين السكان الأصليين وسكان المستعمرات اليهودية لا في الماضي والحاضر ولا حتى في المستقبل، وذلك لأن الاستيطان غذى ويغذي المفاهيم الاستعمارية والعنصرية، ويزيد من الكراهية والبغضاء بين العرب والمستوطنين اليهود.
فالتعايش المشترك ينطوي على مخاطر كبيرة لحياة الفلسطينيين وأملاكهم وثروتهم المائية وكرامتهم، وذلك لاستلاب اليهود الأرض منهم ولاختلاف الثقافة ولإيمان المستوطن اليهودي بالإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني… وبالتالي فإن الخطورة والخطر يكمنان في موقف المستعمر اليهودي المغتصب للأرض والحقوق الفلسطينية. وأدى أخذ المستوطن للقانون بيديه وتسليحه وحقنه بالأفكار الصهيونية إلى ارتكاب العديد من الجرائم والأعمال الوحشية بحق المواطنين العرب وممتلكاتهم. وبالتالي خلّف المستعمر اليهودي في الضفة والقطاع تراثاً مليئاً بالإرهاب والأحقاد والكراهية، والبغضاء، ويجعل من المستحيل التعايش بين الفلسطينيين واليهود في الأراضي المحتلة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إصلاح العلاقات والوضع بين الطرفين.
كانت فرنسا تعتبر الجزائر فرنسية إلاَّ أنها في اتفاقية إيفيان عام 1961 تخلت عن استعمارها للجزائر. وكان المستوطن الفرنسي يرفض فكرة الرحيل عن الجزائر تماماً كما يرفضها المستوطنون اليهود لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى والثانية والثالثة وبتبريرات ومزاعم أيديولوجية كاذبة. وعندما قررت حكومة ديغول الانسحاب العسكري من الجزائر وتخلت عن الاستيطان خرج المستوطنون الفرنسيون من الجزائر لاستحالة التعايش بينهم وبين سكان البلاد الأصليين.
وانطلاقاً من ذلك فإن مشكلة الاستيطان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاحتلال الإسرائيلي. فعندما تستجيب “إسرائيل” لقرارات الأمم المتحدة وتنسحب من الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة تنتهي مشكلة الاستيطان. ومن هنا أطالب المفاوض الفلسطيني برفض وجود مستوطنة واحدة ولو على متر واحد من الأراضي الفلسطينية وإلاّ فإنه يخون الوطن والعقيدة والأمة والإنسانية.
فالفلسطينيون ينظرون إلى المستوطنين اليهود على أنهم تخليد للاحتلال وتجسيد للاستعمار الاستيطاني، لأنهم اغتصبوا الأرض بالحرب وبقوة الاحتلال وفرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة. وينظرون إليهم على أنهم الوسيلة بيد الحكومة والجيش لتوسيع حدود “إسرائيل” وتهويد أراضيهم ومقدساتهم، بالإضافة إلى أعمالهم وممارساتهم الإجرامية والاستفزازية واعتداءاتهم المتكررة على محاصيلهم وأملاكهم ومنازلهم ومقدساتهم ودعم جيش الاحتلال الإسرائيلي لجرائمهم.ووضعوا أنفسهم فوق القانون، ويأخذون القانون بأيديهم ويحرضون الشعب الإسرائيلي ويهود العالم على المزيد من العنصرية وكراهية العرب والمسلمين.
ويعتبر المستوطنون من أكثر العناصر تطرفاً في “إسرائيل”. ويرفض معظمهم وبشكل خاص المتدينون وغلاة الصهاينة منهم التعايش مع العرب والاندماج بهم في ظل الدولة الفلسطينية. واختار معظمهم الإقامة في المستوطنات لجودة السكن ورخصه بسبب الدعم الحكومي ا لرسمي ولاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى ترتبط بالربح المادي ونقاء البيئة… والسكن الأفضل منه في الكيان الصهيوني. ويمتاز المستوطنون بتاريخهم الحافل المعادي للفلسطينيين والمليء بالاعتداءات عليهم، مما يعني أن استمرار تواجدهم في الأراضي الفلسطينية سيشكل خطراً دائماً على العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فالثقة بين الطرفين معدومة، وليس هناك دلائل على إمكانية التعايش بينهما في ظل التسوية السياسية، فاستمرار تواجدهم يعني بالنسبة للعرب استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وكتب جاك كيلي في خدمة لوس أنجليس تايمز عن تصرفات المستوطنين يقول: “بعد صلاة سريعة، وضع آفي شابيرو و12 من المستوطنين القلنسوة الدينية على رؤوسهم، وحملوا بنادقهم وتوجهوا نحو الطريق السريع الذي يحمل رقم (60). وهناك دفعوا كمية من الصخور ومدوا أسلاكاً شائكة وأشعلوا النيران في عدد من إطارات السيارات لتشكيل حاجز، وجلسوا ينتظرون. وخلال الانتظار قال شابيرو لرفاقه: التفوا حول أي سيارة أجرة. أطلقوا النار واقتلوا أكبر عدد من مصاصي الدماء العرب بقدر الإمكان. نحن نفعل ما تعهد به رئيس الوزراء شارون وفشل في تطبيقه: “طرد العرب من أرض إسرائيل (فلسطين).
وعلق الكاتب الأميركي جاك كيلي على شابيرو وقال إنه انتقل إلى “إسرائيل” مع زوجته وأولاده الأربعة قبل ثلاث سنوات من بروكلين في نيويورك. وأضاف شابيرو، إذا لم يتخلص شارون من المسلمين فسنقوم بذلك”.
ويزعم المستعمرون كعادة اليهود في الكذب أن الحكومة الإسرائيلية تخلت عنهم. ولذا فهم يتولون إطلاق النار على الفلسطينيين ويضربونهم ويسرقون ويدمرون ويحرقون ممتلكاتهم ومحاصيلهم ويسممون مواردهم المائية. وأكد نافذ بني جابر أنه دفن 123 من أغنامه بعد أن سممّها المستعمرون اليهود.
ويصف حنا ناصر، رئيس بلدية بيت لحم المستعمرين اليهود، ويقول: “هؤلاء الناس قنبلة موقوتة. لا يوجد شخص آمن”.
ويحمل عنف اليهود الموجه للعرب طابعاً دينياً، حيث يكتبون على الجدران عبارات فيها إساءة وإهانة وتدنيس للدين الإسلامي. ويرسمون نجمة داوود على المحلات العربية للاستفزاز ويعتدون على النساء العربيات المحجبات ويحاولون نزع غطاء الرأس والعباءات التي يرتدونها. وقد أمكن تصوير سمر عبد الشافي في آب 2001 وهي تحاول الهرب من عدة مستعمرين يضربونها ويحاولون نزع غطاء رأسها”.
وقالت الشرطة الفلسطينية للصحفي الأميركي جون كيلي: إن ليس لديها الإمكانيات للدفاع عن السكان العرب. وأخبره نعوم تيفون قائد القوات الإسرائيلية في الخليل أن قواته موجودة في الخليل لحماية المستوطنين وليس الفلسطينيين. إن استمرار تواجد المستعمرات اليهودية عمل غير مشروع وغير عادل ومكافأة للمعتدي الإسرائيلي على حروبه العدوانية والإبادة الجماعية وانتهاك مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولا يمكن الموافقة عليه والقبول به مهما طال الزمن.
إن الصراع العربي الصهيوني صراع وطني وقومي وديني. وبدأ يتخذ الطابع الديني بوضوح بعد تهويد المسجد الإبراهيمي في الخليل ومحاولات إحراق وتدمير المسجد الأقصى والحفريات والإنفاق الذي أقيمت تحته، وبعد وقوف جميع يهود العالم وراء الاستعمار الاستيطاني اليهودي والمستعمرات اليهودية وترحيل العرب وإبادتهم ومواقف وممارسات إسرائيل والمنظمات اليهودية المعادية للعروبة والإسلام. لذلك بدأ الصراع يتخذ شكلاً دينياً وخاصة بعد تصاعد التيارات الدينية المتطرفة لدى الشعب الإسرائيلي ويهود العالم وفي الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية.
وظهر للمواطن العربي من المحيط إلى الخليج أن التسويات التي تمت في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة لا تعني أبداً تحجيم المشروع الصهيوني أو “إسرائيل”، بل على العكس من ذلك، حيث وضعت المنطقة على سكة تحقيق “إسرائيل العظمى والقبول في الامبريالية الإسرائيلية وهيمنة إسرائيل على المنطقة العربية وهيمنة الصهيونية على العالم. لذلك فإن المصالحة بين “إسرائيل” والعرب وهم من الأوهام، إذ لا يمكن أبداً التعايش بين القاتل والضحية، بين السارق والمسروق، بين الغريب والدخيل المغتصب للأرض والحقوق والثروات وبين صاحب الأرض والحقوق.
وهل يمكن تحقيق السلام بين إسرائيل المدججة بكافة أنواع الأسلحة والمدججة بالأساطير والخرافات والأطماع والأكاذيب التوراتية والتلمودية والتي تستخدم الحروب العدوانية والمجازر الجماعية والاستعمار الاستيطاني وتدمير محطات الكهرباء والمنجزات العربية وبين الطرف العربي الذي لا يملك شيئاً من أسباب القوة سوى مبادئ الحق والعدالة وقرارات الشرعية الدولية؟…
إن الصراع بين العرب والعدو الصهيوني صراع عقيدة وأرض وتاريخ ووجود ومئات الآلاف من الشهداء وملايين الجرحى، ومئات المليارات من الدولارات التي دمرتها إسرائيل وحوالي 70عاماً فرض فيها على البلدان العربية المجاورة لفلسطين الحروب العدوانية والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة وتدمير المنجزات العربية.
وتتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن هذه المآسي والويلات التي حلت بالشعب الفلسطيني ودول الطوق العربية، لأنها هي التي جعلت إسرائيل أقوى من جميع الدول العربية وتحاصر العرب وتدمر قدراتهم. وبالتالي اعتمدت إسرائيل وتعتمد على الدعم الأميركي العسكري والاقتصادي والسياسي غير المحدود لفرض الهزيمة، والاستسلام والذل والخنوع على الأمة العربية. لذلك ليس من المستبعد لجوء العرب إلى القوة للوقوف في وجه وحشية إسرائيل وهمجيتها وأطماعها التوسعية في الأرض والحقوق والثروات العربية.
وإزاء هذه الأوضاع فإن المطلوب من الدول العربية قطع أي علاقة مع العدو الإسرائيلي مهما كانت صغيرة وضئيلة، والقضاء على أي شكل من أشكال التطبيع، وإلغاء اتفاقات الإذعان والتمسك بزوال الاحتلال وتفكيك المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة، وتصعيد المقاومة ومقابلة العين بالعين والسن بالسن والتخلي عن الرعاية الأميركية في عملية التسوية وتدويل الصراع وتوفير الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني والنضال الدائم والمستمر والأبدي لاستعادة عروبة القدس وفلسطين مهما طال الزمن حتى زوال الكيان الصهيوني.
***