وقفة عز

استحضارات الذاكرة عبر الصورة ..في سينما هيلتون بمدينة صيدا – نضال حمد

هذه صورتي في مدينة صيدا اللبنانية وتحديدا في صالة سينما هيلتون حيث كان يعرض يومها فيلم مصري بعنوان “وداعاً للعذاب” لنجلاء فتحي وربما محمود عبد العزيز ويوسف شعبان وآخرين وأخريات.

كانت تلك الفترة من الزمن هي بداية نشأتي وبداية التكوين الثقافي والسياسي والعقائدي الى جانب التعلم في المدرسة، حيث كان لنا أساتذة ومعلمين فلسطينيين، لاجئين أبناء لاجئين مثلنا تماماً، سنظل نعتز ونفتخر بهم حتى الأبد. لأنهم كانوا جزءاً هاماً وأساسياً من عملية صقل وعينا ومواهبنا وثقافتنا وعلمنا ووطنيتنا.

كان يوم عيد وكان العرض كما أسلفت في السينما لفيلم من بطولة نجلاء فتحي بعنوان “وداعا للعذاب”. لكن ومنذ ذلك الوقت ودعنا الفيلم ونجلاء فتحي وسينما هيلتون والجار العم أبو محمد أيوب، الذي كان يعمل في الهيلتون، ولكننا لم نودع العذاب، فحياتنا على ما يبدو نحن أهل فلسطين عذاب بعذاب يا ست نجلاء فتحي.

كانت تلك السنة التي لم أعد أذكرها تحديداً الآن لكنها باعتقادي في بداية النصف الثاني من سنوات السبعينيات في القرن الفائت. وهي مثل شبيهاتها كانت سنة من سنوات الحرب الأهلية اللبنانية. الهمجية، الدموية الممولة من قبل أعداء فلسطين والعروبة، والهادفة الى تكريس قوة وهيمنة الصهاينة والى تفتيت الحركة القومية والتقدمية العربية ومحور الرفض العربي والى ضرب الثورة الفلسطينية. كذلك مان هدفها تكريس نهج الخيانة والعمالة والتطبيع مع الصهاينةو وهذا ما قام به لأول مرة علانية المقبور رئيس مصر الاسبق محمد أنور السادات سنة 1977. مع العلم أن غيره من الحكام العرب كانوا يتعاملون مع الصهاينة بشكل سري منذ سنة 1948 وما قبلها، والآن بعض أبناءهم من الملوك والحكام يتابعون نفس النهج السياسي والخياني.

في تلك السنوات كانت العصابات الفاشية اللبنانية الانعزالية تلاحق الفلسطينيين المدنيين وتعتقلهم ومن ثم تجز رؤوسهم، فقد كانت تُقطع وتُجز الرؤوس الفلسطينية بالذات على حواجز الارهابيين الكتائبيين وخلفائهم وأعوانهم. أيضاً على الحواجز التيارة لمليلشيات الارهاب الانعزالي، الماروني السياسي اللبناني، ففي الدامور على الطريق بين صيدا وبيروت كان هناك حواحز نمور الأحرار بزعامة المقبور كميل شمعون وحواجز للكتائبيين بزعامة الفاشي المقبور بيير الجميل، والد أمين وبشير الجميل، وهذا الفاشي بالكاد كان يعرف يتكلم عربي بلغة صحيحة أو أنه كان يقرف الحديث بالعربية فلغته الأم الفرنساوية الاستعمارية كانت أفضل بكثير بالنسبة له.

كانت حواجز كثيرة غيرها، مثل حواجز الكحالة والبربارة والمتحف وعين الرمانة والخ وكلهم كانوا من عصابات عملاء (اسرائيل) من اللبنانيين، الانعزاليين المدعومين والمباركين من قبل البطرق السابق المتوفي ” نصرالله صفير” الذي كان يتعبر نفسه كيد إلهية في لبنان حيث بارك كل مجازر الارهابي الفاشي الانعزالي في لبنان من تل الزعتر والكرتينا والمسلخ وجسر الباشا وبرج حمود والخ وصولاً الى مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول سنة 1982. كل ما فعله فاشيو وارهابيو الانعزالية اللبنانية كان مباركاً من قبل البطريركية المارونية في لبنان لأنها كانت ولازالت تعتبره لحماية الموارنة ووجودهم في الشرق العربي الاسلامي.

أما الآن فهي مباركة ومدعومة من قبل البطرق الجديد “الراعي”، راعيهم هذه الأيام. ولا يخفي “الراعي” كراهيته وعداؤه للفلسطينيين في لبنان وكذلك لمحور كرامة ومجد وعز لبنان وتحريره وحريته ونصره. وهو “الراعي” صادق في ذلك لأن هذا هو موقف البطريكية منذ نشأتها، دائما كانت حليفة للاستعمار ولأعداء العروبة. كذلك هو موقف علني للساسة الموارنة الفاشيين والانعزاليين، أصحاب وأصدقاء الكيان الصهيوني في لبنان والمنطقة.

كما ترون منذ ذلك الوقت مات كثيرون من الذي وردت أسمائهم في هذه المقالة ورحلت أيضا الممثلة القديرة نجلاء فتحي، كما ورحلت سينما هيلتون في صيدا… ورحل الكثيرون والكثيرات منذ تلك السنة التي لم أعد أذكر تاريخها بالضبط. لكن فلسطين باقية وعلى طريق الحرية والعودة والنصر. وسوف يرحل اعداء شعب فلسطين ويبقى شعبنا مع عروبته وأمته حارساً لضمير هذه الأمة ولوحدتها.

نضال حمد في 31-8-2021

كاتب وإعلاميّ وناشط سياسيّ فلسطيني، رئيس تحرير موقع الصفصاف الالكتروني. من مواليد مخيّم عين الحلوة. أصيب بجراح بليغة أثناء الدفاع عن مخيّميْ صبرا وشاتيلا خلال معركة مع الدبّابات الصهيونيّة (17-9-1982).