اطار شعث…ونصيحة كيري! – عبد اللطيف مهنا
عقب قرار ترامب اهداء القدس لنتنياهو، كان من أوائل فلسطينيي التسوية المكلفين بمهمة البحث عن وسيط بديل لرعاية “عملية السلام” المغدورة اميركياً والمدفونة احتلالياً الدكتور نبيل شعث، القيادي في حزب سلطة رام الله. ووسط أجواء من التصريحات الغاضبة والمنددة بفعلة ترامب، التي سبقت ولحقت انعقاد المجلس المركزي، والجازمة برفض وساطة الوسيط الذي تبين مؤخراً لهم أنه غير نزيه، ارتحل الدكتور شعث بين عواصم الأمم باحثاً عن المطلوب، بدأ بالأوروبية، لينتقل من بعدها إلى موسكو ويعرِّج على بيكين. بيد أن من تولى المهمة بنفسه وظلت شاغله حتى اللحظة هو رئيس السلطة.
حصاد جولة شعث وجولات أبي مازن رست على أن البديل للأميركي قد عزَّ، وعن انعدام من يبدي استعداداً لمنافسته احتكاراً لا يتنازل عنه. ناهيك عن أن المحتلين لن يبدلوا عن حليفهم المعطاء تبديلاً، لاسيما وأنهم قد بدأوا يسرّعون متوالية فيض خطواتهم التهويدية المتلاحقة على وقع عطاياه، وبفضلها تحتشد الآن القوانين التصفوية على مائدة الكينيست.
رويداً رويداً خفتت الأصوات الغاضبة والمهددة، انعدم الجزم برفض الوساطة الأميركية لصالح اشتراط قبولها بوجود شركاء لها، أو تفضيل “اطار دولي لعملية السلام” لا يستبعد الأميركي، وإنما “يكسر احتكاره” لها…آخر تصريحات الدكتور شعث تقول، “لقد تجاوزنا مرحلة البحث إلى مرحلة العمل على الأرض لخلق اطار دولي يقف إلى جانبنا خارج الإطار الأميركي، وفي حال أراد هذا الإطار الدولي أن تكون الولايات المتحدة طرفاً من هذه الأطراف فلا مشكلة، لكن ليس من تحتكر عملية السلام كما كان عليه الأمر في الماضي”!
يصعب هنا تبيّن الفارق عند شعث بين مرحلتي البحث والعمل، لا سيّما وأنه لم تعلن جهة دولية واحدة استجابتها الصريحة لحالة هذا الهروب الفلسطيني التسووي من استحقاقات مواجهة خطورة الراهن إلى حيث تدويل الوساطة لبعث رميم “عملية السلام”، والتي ما انفك نتنياهو يشيّعها يومياً على الأرض لكن دون نعيها! اللهم إلا لغة النفاق الأوروبي التليد المرددة لمعزوفة تأييد “حل الدولتين”، مشروطاً بتوافق “طرفي النزاع”، مع علم المشترطين أن التهويد قد جعله مستحيلاً، والإيحاء ببعض التفهُّم لشكوى الجانب الفلسطيني، والذي لا من مردود عملي له، إذ أنه عادةً بلا رصيد فعلي، أو لا يصرف عند الضرورة إلا عبر الصرَّاف الأميركي وقبول الزبون الاحتلالي.
كما أن شعث، وبالأحرى رام الله، لا تجد من غضاضة في أن يظل الراعي الأميركي راعياً لكنما مع شركاء له في اطار يشبِّهونه ب”5 زائد واحد” في حالة حل الملف النووي الإيراني، وهذا بحد ذاته لو افترضنا وأن قبله الطرفان المعنيان، وهما واشنطن وتل ابيب، يضعنا من جديد أمام تجربة المجرَّب، والذي هو المعروف بإطار “الرباعية الدولية” سيئة الصيت، والتي لا يزال ميلادينوف خليفة بلير قائما بإعمالها.
ومع هذا لا يبدو أن حكاية الشركاء هذه ستصمد طويلاً، إذ نقلت تلفزة الاحتلال عن مصدر رسمي قرب لقاء يعقد بين ما قالت أنهما “مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى وموظَّف فلسطيني كبير” في مكتب الأول في القدس. لتبيّن من ثم أن مسؤولهم الرفيع والفلسطيني الكبير هما، وزير ماليتهم موشيه كحلون ورئيس وزراء السلطة رامي الحمد الله، ولم تنس هذه المصادر الإشارة إلى أن هذا اللقاء يعد “اعترافاً فلسطينياً ضمنياً بالدور الأميركي”، لاسيّما وأن الإدارة الأميركية، كما قالت، كانت “معنيّة بترتيب اللقاء واخراجه إلى حيّز التنفيذ”، مشيرةً إلى أن مبعوث ترامب غرينبلت سوف يصل إلى فلسطين المحتلة عشية انعقاده، وتضيف بإن تل ابيب قد توجّه عبره رسالة إلى السلطة “مفادها أنه إلى جانب العصا يوجد جزرة أيضاً”!
لاحقاً شارك الوزير كحلون ووزيرة اقتصاد السلطة عبير عودة في حفل تدشين آلة مسح ضوئي قدمتها هولندا لفحص البضائع القادمة للضفة عبر جسر اللنبي على الحدود مع الأردن، وخلال الحفل اعلن كحلون بنفسه عن استقباله اللاحق للحمد الله …وكرت المسبحة، فاعلن وزير التعاون تساحي هنغبي عن مشاركته مع مسؤولي السلطة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مؤتمر في بروكسل يعود لمبادرة نرويجية تحت شعار جذب الاستثمارات لقطاع غزة، والذي يحذّر مبعوث الرباعية في ندوة في تل ابيب بأنه “على شفا انهيار تام” بفعل أوضاعه المأساوية الناجمة عن حصاره المستمر لعامه الثاني عشر…وما لم يقله ملادينوف هو أن القطاع مهدد هذه الأيام بحرب عدوانية جديدة قد تشن عليه .
يتضاءل مع الوقت حديث الرد على قرار ترامب، وفي هذه الآونة يغطي عليه دوي شعار المطالبة بعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وبات أمر تنفيذ قرارات المجلس المركزي رهناً بتنفيذ اللجنة التنفيذية…بينما يفتتح نتنياهو طريقاً التفافياً يبتلع المزيد من أراضي الضفة ويعلن، “عدنا للسامرة…هنا قلب اسرائيل”! …والمفارقة، أن يقال في رام الله أن جون كيري قد نصح أبا مازن بالصمود في وجه الضغوط لتسعة اشهر فقط، قائلاً له، “لن تخسر شيئاً، ولن يستطيعوا حل السلطة…لا تتسرَّع واصبر قليلاً”…وحيث لا يبدوا أنه في وارد ذلك!!!