اغتيال ثورة وإعادة اغتيال شهداء – نضال حمد
الى أرواح غسان كنفاني وكمال ناصر وناجي العلي وحنا مقبل وناجي علوش وعلي فودة وفارس كلوب وفيتوريو اريغوني وأحمد أبو حسين ومازن دعنا وكل شهداء الصحافة والثقافة في فلسطين.
الاعلامي والصحافي الذي ينتمي للأرض والإنسان، للوطن وللثورة يقدم نفسه وكل ما يمكنه لأجل فكرة آمن بها وعمل لأجلها. وليس هناك أكبر ولا أقدس من أن يقدم روحه وحياته لأجل الأشياء والأفكار والرسالة التي آمن بها. لأن العدو الصهيوني ومعه الحليف الرأسمالي الامبريالي الاستعماري وخلفهم ذيلهم الرجعي العربي، قلقون من حرية الكلمة والرأي وحرية الصحافة والاعلام والفكر وهم أصلا ضد النور والثقافة، يحبون أن يبقون على الناس في عصر الظلمات، لأجل هذا كله فهم يقومون باسهداف العقول المستنيرة والقامات الثورية والأصوات التنويرية. لأجل كل هذا اغتالوا الشهداء المثقفين والمستنيرين والتثويريين الوطنيين والقوميين. اغتالوا غسان كنفاني وناجي العلي وكمال ناصر وكوكبة كبيرة من خيرة مثقفي شعبنا وحركتنا الوطنية وثورتنا المغدورة. كان اغتيال هؤلاء ضربة موجعة وقوية للعقل المستنير في الحركة الوطنية ومسيرتنا الثقافية والاعلامية. وتمهيدا وتعبيداً لطريق الاستسلام التي سلكها بعض القادة العرب من السادات الى عرفات فبقية الذين طبعوا ووقعوا اتفاقيات سلام مع العدو الصهيوني، مثل الأردن والبحرين والسودان والمغرب والامارات والخ. اضافة للعلاقات المتينة غير المعلنة بين الصهاينة والسعودية. هؤلاء الين خانوا فلسطين والأمة العربية كانوا يعرفون أن الثورة فعل شعبي وردة فعل على الظلم والقهر والاحتلال والعدوان والذل. يموت لأجلها الشرفاء والأبطال .. فإن لم يتم الحفاظ عليها يسرق ثمارها الجبناء والخونة والعملاء ويحرفونها عن مسارها ويقودونها الى الدمار والفناء. وهذا الذي حصل مع ثورتنا الفلسطينية، التي أغتصبت ثم وأدت وهي حية. وكان لكل الذين ذكرناهم بصمة عار على جسد ثورتنا الشهيدة.
نعم إن الحديث عن اغتيال الثورة يطول ويتشعب كثيرا ولكن في هذه الحركة الوطنية المسلحة (الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية) كان هناك قادة شرفاء وأنقياء، ربما خطأهم الجسيم أنهم فسحوا المجال للاستعراضيين والفهلويين أن يقودوا بدلاً عنهم. مما أوصلنا الى الجيحم والهاوية ثم أودى بثورتنا وبتضحياتنا وجعل منها لا شيء، هباء منثور هنا وهناك.
القادة الاستعراضيين والمتنفذين الذين انتهوا في أحضان العدو قاموا باستبدال المناضلين بالموالين واللصوص والمنتفعين، الذين تتوفر لديهم القابيلة والاستعداد للعمل مع أي كان بما فيهم معسكر الأعداء، كل ذلك من أجل المنفعة الخاصة والامتيازات الشخصية ومن أجل الوجاهة والمال. وخير مثال على ذلك ما أفرزته تجربة اوسلوستان وسلام الشجعان. التي هي نتاج للنهج الاستزلامي الانتفاعي الذي حكم وقاد منظمة التحرير الفلسطينية منذ الاطاحة بالزعيم أحمد الشقيري وحتى يومنا هذا. فالشقيري ومن معه من الشرفاء كانوا نقطة مضيئة في بحر الظلام آنذاك. أما ما حدث معهم وضدهم فقد كان بمثابة انقلاب أطاح بهم ليأتي بالذين أطاحوا بما تبقى من القضية الفلسطينية وبمنظمة التحرير الفلسطينية.
نحن شئنا أم أبينا نعيش منذ نحو 30 سنة في زمنٍ فلسطيني هو الأسوأ، قبله عشنا في زمن الثورة سنوات طويلة، في ظل قيادة تلاعبت بمصيرنا وهادنت وساومت على قضيتنا. الآن نعيش كفلسطينيين بتوقيت القيادة المسخ، التي امتهنت العمل لدى معسكر الاحتلال والاعداء. التي ماعادت تلتفت لهموم الناس والجماهير ومطالبها. التي لم تعد تجد من يراقبها ويحاسبها ويوقفها عند حدها. التي لا تخضع لأية مساءلة ومحاسبة ومراجعة. ففي زمانها ألغي دور المؤسسات التي كانت أصلاً شبه مؤسسات، لكن وعلى علاتها كانت تعتبر مؤسسات. الأحزاب والفصائل والتنظيمات والجبهات والحركات والشخصيات والمؤسسات وقوى الشعب، التي لا تستطيع محاسبة ومساءلة رئيس محمية صغيرة مثل سلطة الحكم الذاتي المحدود –اوسلوستان- لا تستحق الحياة، وليست جديرة بالمتابعة والاهتمام. وليس غريباً أن يعاقبها الشعب وتحاسبها الجماهير، فهي مجتمعة عاجزة عن ايجاد بديل محترم يلبي مطالب الشعب ويصون الأمانة ويحفظ العهد. وهي بغالبيتها ولو بتفاوت ركبت قطار الهزيمة والاستسلام مما يعني انها خذلت الشعب وخانت الشهداء والجرحى والأسرى والتضحيات. بصقت في بحر الدماء الطاهرة الذي تسبح فيه قضيتنا منذ عشرات السنين، حيث أن شعبنا الفلسطيني البطل، الجدير بالحرية والحياة منذ أكثر من 100 عام وهو يقدم قرايبن الفداء والشهداء والدماء لأجل الحرية والسيادة الوطنية وضد الغزو والاستعمار والاحتلال.
من المهم عند الحديث عن بشاعات وقرف التجربة الوطنية الفلسطينية المعاصرة أن نضيء بنفس الوقت على الحالات الثورية الوطنية المشرفة. وأن لا نجلد الشرفاء في الثورة بمعية المنتفعين والمتنفذين والمتساقطين، الذين أوغل بعضهم في الانحراف والسقوط وصولاً الى العمالة والخيانة كما هو حال السلطة الفلسطينية اليوم.
نضال حمد
5 ايار 2021