الأزمة البرازيلية التي بدأت تتضح خيوطها فساد ام ازمة اقتصادية؟
جادالله صفا – البرازيل :
الازمة بالبرازيل لم تنتهي بعد، وأخذت خيوطها تتضح اكثر للمجتمع البرازيلي العادي والبسيط، فهي اكثر منها أزمة اقتصادية من فساد مستشري بالمؤسسات الحكومية كما كان واضحا بالسابق، العجز بالميزانية يفوق حتى اللحظة ال 200 مليار ريالا، بالاضافة للديون الداخلية التي تعاني منها الميزانية، والبطالة والتضخم والازمات الاجتماعية وغيرها، فبدأت الازمة تتضح اكثر مما كانت قبل عزل الرئيسة، اعتبرت قضية فساد بكل تفاصيلها مارسها حزب العمال على مدار تقريبا 12 عاما اوصلت البلاد الى هذه الازمات، فالفساد كان الخبر الرئيسي بوسائل الاعلام، اليوم الاخبار تتحدث عن ازمات اقتصادية واجتماعية وعلاقات دولية وتحالفات، فالفساد صار خبرا ثانويا او عابرا بوسائل الاعلام المحرضة على الحكومة السابقة، رغم ان بعض الرموز بالحكومة المؤقتة الجديدة غارقة حتى اذنيها بالفساد ونهب البلاد.
عزل الرئيسة البرازيلية مؤقتا، وبانتظار قرار المحكمة الدستورية البرازيلية حول التهم الموجهة لها والاستماع للشهود، فإذا كان القرار تثبيت التهمه سيعود الملف الى مجلس الشيوخ للتصويت النهائي على عزلها او بقائها، وهذا بحاجة الى 2/3 اصوات النواب لتثبيت العزل نهائيا، هذه المعركة ستقررها الاشهر ال 6 القادمة كحد اقصى، إماالعزل النهاشي او العودة الى الرئاسة من جديد.
الرئيس المؤقت ميشيل تامر، هو رهينة حزبيين برازيليين اساسيين كانا سابقا بالمعارضة وهما اليوم جزءا من الحكومة، الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي والحزب الديمقراطي، وبدونهما لا يمكنه الحصول على الاصوات المطلوبة لتمرير اي مشروعا او قانونا بمجلس النواب او الشيوخ، بالاضافة الى أن حزبه ليس لديه موقف موحد لتحالفاته وتوجهاته لمعالجة الازمة الاقتصادية.
وزير خارجية البرازيل José Serra وضح اولوية علاقات البرازيل الدولية قائلا: “اولوية علاقاتنا ستكون مع الويات المتحدة الامريكية واوروبا واليابان، ونرفض ان تكون العلاقات حزبية كما كانت بالماضي” مشيرا الى سياسة الحكومة العمالية السابقة، كما ان وزير العدل البرازيلي قد ادلى بتصريحات يهدف من ورائها فرض سيطرته وتحكمه على اجهزة التحقيقات والقضاء بالبرازيل، والتي لاقت معارضة مباشرة من الرئيس المؤقت ميشيل تامر، هم وزراء محسوبين على الحزب الاشتراكي الديمقراطي البرازيلي.
تحاول وسائل الاعلام البرازيلية المنحازة للحكومة المؤقتة والتي لعبت دورا تحريضيا بتعبئة الشارع البرازيلي ضد الحكومة السابقة، تحاول اليوم ان تصور ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد هي ناتجة عن سياسة الحكومة العمالية السابقة، محاولة بذلك اخفاء الحقيقة على المواطن العادي والبسيط بأن تمرير القوانين والتشريعات هي بحاجة الى موافقة البرلمان ومجلس الشيوخ عليها، وأن هذه المؤسسات رفضت كل مشاريع حكومة ديلما روسييف، مما اضطرها الى اتخاذ قرارات إستثنائية، والى الاقدام على قرارات اعتبرتها المعارضة خروقات مالية ساهمت بعزلها لاحقا، كما إن البرلمان اقر مجموعة قوانين ومشاريع رفضتها الحكومة، مما عمق الازمة بين الحكومة والبرلمان التي افتقدت الى الحوار، فوسائل الاعلام تسعى هذه الايام الى تعبئة الرأي العام البرازيلي والى حجم الازمة الاقتصادية محملة الحكومة السابقة مسؤولية هذا العجز دون التطرق الى دور المؤسسات التشريعية بهذه الازمة.
كما ان وسائل الاعلام والقضاء البرازيلي المنحاز يسعى الى تثبيت العديد من التهم على الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا وزجه بالسجن على خلفية فساد وغسيل اموال وتشكيل عصابات، حيث عليه شبهات وقضايا رفعتها النيابة العامة البرازيلية ضده، هو ما زال المرشح الاقوى للفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2018.
تسعى الحكومة المؤقتة الى تمرير قوانين ومشاريع من اجل اخراج البلاد من ازمتها الاقتصادية، محملة الحكومة العمالية كل الازمة والعجز الذي تمر به البلاد، حيث بدأت الامور تتضح تدريجيا بأن هذه القوانين والقرارات بحال تثبيتها، ستتضرر منها الطبقات الادنى والاكثر فقرا، وأن لا حلولا سحرية بالمرحلة الحالية، وان البطالة مرشحة للارتفاع وقد تصل الى 14% حتى نهاية العام، اي 14 مليون عاطل عن العمل كما صرح وزير الاقتصاد البرازيلي، واكد نفس الوزير ان الحكومة مضطرة الى رفع الضرائب وفرض ضرائب جديدة من اجل سد العجز بالميزانية، كذلك تسعى الى المساس بقانون الضمان الاجتماعي وتعديل سن التقاعد ورفعه الى 65عاما، وصرحت بعض الاحزاب وابدت رغبتها بالتقدم بمشروع لتعديل قانون العمل المقر منذ عام 1945، وكل ما ذكر اعلاه ستتضرر منها الطبقات الفقيرة والكادحة وستعمق الازمات الاجتماعية، مما سيعزز النضال الطبقي والمطلبي، مما يفرض على حزب العمال واليسار البرازيلي بمجمله مراجعة سياساته لتجاوز أزمتة التي نتجت عن عزل الرئيسة المؤقت، وليتمكن من العودة الى كسب ثقة الشارع البرازيلي الذي فقدها خلال ما يزيد عن العام بقليل، ليعود الى قيادة الجماهير بمعاركها المطلبية لتعود الثقة لتتعزز من جديد.
فالمشاريع التي تحاول الحكومة المؤقته تمريرها، ستصطدم بمعارضة قوية بالبرلمان ومجلس الشيوخ، ونجاح تمريرها واردة، ولكن القضية ليست هنا، فحزب العمال يطمح بالعودة الى الحكم خلال الاشهر القادمة من خلال الاعتماد على نقطتين اساسيتين وهما:
1- ان ينجح فريق الدفاع عن ديلما روسيف وتبرئتها بالمحكمة الدستورية الاتحادية من التهم التي وجهت لها.
2- ان ينجح حزب العمال باقناع عضوي مجلس الشيوخ كحد ادنى من الذين صوتوا لعزل الرئيسه بالجولة الاولى ان يصوتوا لصالح بقائها بالجولة الثانية بحال ادانتها من قبل المحكمة الدستورية. حيث المعارضة بحاجة الى 54 صوتا لعزل الرئيسة، وبالجولة الاولى صوت 55 سناتور لعزل الرئيسة.
حزب العمال يراهن على اصوات عشرة اعضاء بمجلس الشيوخ باعتبار ان ماضيهم يساري، وان مواقفهم ما زالت تعتبر ومحسوبة على اليسار وتربطهم علاقات جيدة مع هؤلاء النواب، ويعتبروا معارضون بشدة لسياسة الحكومة المؤقتة الحالية ومشاريعها وطريقة تفكيرها لمعالجة الازمة التي تمر بها البرازيل، وبالنضال البرلماني ينجح حزب العمال بتحييد وسائل الاعلام، حيث ان الشارع والمجتمع البرازيلي ليس مقررا وحازما ومؤثرا بالتصويت القادم، لان المعركة تاخذ شكلا اخرا وتبقى محصورة داخل مجلس الشيوخ، والشارع سيصل الى قناعات ان الحكومة المؤقتة فشلت بحل الازمات الاقتصادية والاجتماعية، وأن المشاريع والقوانين التي اقرها البرلمان البرازيلي تصب بصالح الطبقات الغنية والبنوك والشركات الراسمالية الكبيرة، وإن احتمالات عودة الرئيسة ديلما الى الحكم ما زالت كبيرة وكل يوم يأتي تشير الاحتمالات الى عودتها للحكم مرة ثانية، لتعود الازمة السياسية البرازيلية من جديد، فعودة ديلما روسيف سيكون نصرا يفوق حدود البرازيل وأمل كل الكادحين والفقراء بالقارة، ليمتد الى كل ارجاء الكرة الارضية، وبانتظار معركة الاشهر القليلة القادمة.