الأستاذ أحمد صالح الملقب بأحمد ركاد – نضال حمد
غالبية طلاب مدرسة حطين في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين وطلبة مدرسة الشهداء في مدينة صيدا اللبنانية ربما عرفوا الأستاذ الأسمراني، ابن ساحل شمال فلسطين وقرية الزيب بالقرب من الحدود الفلسطينية اللبنانية، حيث قضى طفولته على شط بحر الزيب وفوق رماله الذهبية وفعل الشيء نفسه على شط بحر صيدا اللبنانية.
لا بد أن غالبية طلبة ذلك الزمان المخيمي والمدرستين يتذكرون الأستاذ أحمد صالح أو أحمد ركاد، الشاب الأسمراني، الذي علمهم في المدرستين. أكيد يتذكرونه مدخناً شرهاً حيث كانت السيجارة رفيقته الدائمة، لا تفارقه إلا نادراً، وكان ينفث دخانها في كل الاتجاهات.
ولد أستاذنا أحمد محمد صالح العلي في بلدة الزيب سنة ١٩٤٥أي قبل حصول النكبة الفلسطينية بثلاث سنين. عندما غادرت عائلته لآخر مرة فلسطين والزيب وبحرها وبساتينها وبياراتها وبيوتها، حملت معها الأطفال وسارت بهم الى لبنان. هناك استقرت العائلات في العراء ثم في الخيام وأخيراً في المخيمات.
في المخيم بعين الحلوة درس وتعلم وكبر وشب وأصبح معلماً قام بتعليم أطفال وتلاميذ وطلبة مدارس المخيم. أما أهل الزيب فأطلقوا على الطفل أحمد صالح لقب أحمد ركاد.
والده كان صياداً بحرياً يعرف كل شيء يخص بحر فلسطين وساحله وشطه ورماله وأسماكه وأعشابه .. خبير بحري بحسب حفيده محمد ابن الأستاذ أحمد صالح. ..قال أن جده “كان خبيراً بحرياً.. خبير في الطقس، يأتي الناس إليه لمعرفة أحوال الطقس”.
كان للأستاذ أحمد شقيق أصغر منه سناً اسمه محمود وربما لم يتجاوز سنه ال ١٥عاماً يوم غرق في بحر صيدا وتوفي. وفاة شقيقه تركت أثراً حزيناً في نفسه.
جدير بالذكر أن أستاذنا أحمد صالح العلي إنحدر من عائلة فقيرة ولكنه كان من الأوائل في المدرسة والصفوف الدراسية. ونتيجة فقر عائلته كان يعمل في بساتين الحمضيات. وبعد العمل وقبل النوم كان يخرج بالليل ليراجع دروسه وواجباته تحت لمبة الإنارة التابعة لبلدية صيدا. لم يكن وحده فعدد آخر من زملائه كانوا يدرسون أيضاً تحت أنوار لمبات البلدية.
كان أحمد صالح لاعب كرة قدم ممتاز ولعب في فرق محلية بالمخيم كطالب وكأستاذ مارس هواية كرة القدم مع زملائه ومع طلابه.
بعد التخرج توظف معلماً في مدارس الانروا ودرس في مدرسة حطين.
على إثر غزو لبنان سنة ١٩٨٢ اعتقل في معتقل أانصار كما غالبية فلسطينيي لبنان… وبحسب نجله محمد “حكم عليه بالسجن ٢٥ عاماً ولكنه خرج بعد سنه ونصف بتبادل الأسرى”.
أضاف محمد بأن والده الأستاذ أحمد روى قصة “أن ضابطاً “اسرائيلياً” حقق معه بعد الاعتقال حيث سأله: هل أنت أرهابي في فتح؟ .. فأجاب بل أنا جندي بمنظمة التحرير الفلسطينية.
فقال له لماذا تقاتلنا؟
فأجاب لأنك عدوي ومحتل أرضي …”. وتابع محمد فأضاف: ” كان جريئاً لا يخاف من قول الحق”.
أذكر أستاذنا أحمد صالح يوم كان قبل الغزو عضوا في الجبهة الديمقراطية ومن معلميها مع الشهيد الأستاذ علي أبو خرج والأستاذ أبو نزار شناعة أمد الله بعمره وهو حتى الآن ومنذ عشرات السنين ومنذ ما بعد الغزو سنة ١٩٨٢ مقيم في برلين.
الاستاذ أحمد صالح افتتح محلاً لبيع الأدوات الرياضية في الثمانينات وكان بحسب نجله محمد أول من قام بطباعة الصور على البلائز مثل صور الشهداء والشعارات والأقوال الثورية المأثورة. أضاف محمد: “أبي كان يحترم الجميع والجميع كانوا يحترمونه ويوقرونه”.
الأستاذ أحمد صالح في أوائل التسعينيات عمل في تجارة العقارات حيث اشترى سطح وعمره وباعه ومن سطح الى سطح حتى أسس مكتب مشاريع الرياض حتى عام ٢٠٠١ حيث بدأ مرض السرطان يظهر في جسده وكانت معاناة دامت ثلاث سنوات
حتى توفي في شهر تشرين الثاني ٢٠٠٣.
المرة الأخيرة بعد مدرسة حطين قبل الغزو سنة ١٩٨٢ التي التقيت فيها أستاذنا أحمد صالح كانت في “شتورا” لا أدري أي سنة ربما سنة ٢٠٠٢ حيث كنت مع صديقي المرحوم عامر خليل أبو رامي متجهين بالسيارة الى الشام ومخيم اليرموك. توقفنا في مكان بشتورا لتصريف العملة وشراء بعض المرطبات والطعام. فألتقينا بالصدفة بالأستاذ أحمد صالح، لاحظت يومها أنه مريض بسرطان الحنجرة، فذكرناه بأسمينا أنا وعامر.. عرفنا فوراً وبعد تبادل حديث قصير قمنا بتصريف العملة وودعناه وانصرفنا باتجاه الحدود اللبنانية السورية.
رحم الله صديقي عامر خليل رفيق تلك الرحلة وصديق العمر ورحم الله كذلك أستاذنا أحمد صالح.
نضال حمد – موقع الصفصاف – وقفة عز
١٢-١١-٢٠٢٢