الأستاذ فوزي شريدي – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
ولد أستاذنا الفاضل فوزي شريدي سنة 1934 في بلدة الصفصاف الجليلية على سفح جبل الجرمق بالقرب من مدينة صفد الفلسطينية العريقة. هناك في الصفصاف عاش سنوات طفولته الأولى حتى بلغ سن الرابعة عشرة من عمره. فخرج منها مشرداً وهو يتذكر كل اعشابها وطرقاتها وحقولها وبيادرها وأشجارها وعين الماء والمدرسة وشاحنة النقل العام –الأوتوبيس- الذي كان يسافر يوميا من صفد الى عكا وحيفا، والذي كان يتوقف في الصفصاف وفي جارتها بلدة الجش. خرج من بلدته المحتلة وهو يتذكر محاصيل التبغ والزيتون وزيت الزيتون والفاكهة والحبوب والمشاية والبراري وكل شيء كان في الصفصاف، من ناسها الذين استشهدوا في المجزرة أو ماتوا قبلها الى ناسها الذين خرجوا منها واستشهدوا كي يعودوا اليها أو ماتوا لاجئين وغرباء فيما بعد في الشتات.
في مدرسة الصفصاف الصغيرة المتواضعة درس وتعلم فك الحرف على أيدي مدرسين أفاضل، كان لهم الفضل في تعليم جيل كامل من أطفال الصفصاف وبعض القرى المجاورة لها. ذلك الجيل هو جيل آباؤنا وأجدادنا وأطفالنا، الذي بدوره فيما بعد، بعد النكبة سنة 1948 تعب وجد وكد في المخيمات، في حياة كانت تشبه الممات، في الغياهب والظلمات، تحت ظلم وحكم الشعبة الثانية أي المكتب الثاني اللبناني وزعرنات المخابرات، كي يصنع منا، ما نحن عليه اليوم، رجالاً متعلمين وأكاديميين وشباباً مناضلين ومثقفين ووطنيين بالتحرير والعودة مؤمنين.
في تلك المدرسة حيث تعلم الأستاذ فوزي تعلم أيضاً والدي أبو جمال حمد وعمي علي حمد ابو حسين رحمهما الله، وتعلم الأساتذة الصفصافيون أمثال: علي فرهود، صالح حمد، خالد شريدي، أبو مشهور الصالح، أبو فؤاد يونس، محمود يونس، أبو ضياء الصالح وآخرين من أهل الصفصاف في مخيم عين الحلوة. وعشرات من أبناء الصفصاف في سوريا والاردن ولبنان.
هناك تعلم الكثيرون من أطفال الصفصاف قبل النكبة، التي شردتهم وأبعدتهم عن فلسطين ليصبحوا لاجئين عاشوا حتى ماتوا في المخيمات، بعيداً عن الصفصاف وأشجارها وحقولها وتبغها وتفاحها وزيتونها ومياهها العذبة وجرمقها الشامخ شموخ الجليل في القممِ. فهكذا كان الأستاذ المرحوم فوزي يتذكره.
بعد النكبة لجأت عائلة الأستاذ فوزي الى لبنان مثلها في ذلك مثل كل عائلات الصفصاف والجليل وحتى الساحل الفلسطيني. استقرت في نهاية المطاف بمخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا اللبنانية.
تابع فيما بعد استاذنا الراحل تعليمه ثم درس في الجامعة العربية في بيروت وأنهى دراسته هناك بشهادة الليسانس في الأدب العربي. ليصبح منذ ذلك الوقت معلماً واستاذاً درس الطلبة والتلاميذ في مدارس الانروا، بمخيم عين الحلوة وفي بلدة شخيم بإقليم الخروب وفي مدرسة الشهداء في صيدا، تلك المدرسة التي كان يدرس فيها أيضاً العم الأستاذ المرحوم صالح حمد – أبو عماد- والتي عمل فيها حارساً كذلك العم الصفصافي الراحل المرحوم أبو فتحي زيدان، والد الشهيد عبد زيدان.
تتلمذ وتعلم ودرس في صفوف الأستاذ فوزي عدد كبير من الطلبة والتلامذة الفلسطينيين. فقد كان معلماً ومربياً محترماً، قام بتعليم وتدريس الطلبة والتلاميذ في مدراس المخيم بكل أمانة واخلاص ومسوؤلية.
استمر في التدريس في لبنان حتى سنة 1987 وبعد ذلك هاجر الى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عاش وعمل لعدة سنوات في مهنة التدريس ثم تقاعد والتزم المنزل الى أن وافته المنية بعد إجراء عملية القلب المفتوح سنة 2009.
هكذا هي حياة الفلسطينيين يعيشون ويحيون ويموتون بعيداً عن فلسطين المحتلة التي تعيش وتحيا وتسافر معهم أينما حطت رحالهم، تقيم في قلوبهم وخيامهم ومنازلهم وقبورهم، وتنتظر العودة اليها معهم سواء روحاً أم جسداً.
نم قرير العين استاذنا الفاضل فلا بد أن نعيدك ونعود الى الصفصاف وفلسطين الحرة من أولها الى آخرها ومن آخر آخرها الى أول أولها.
نضال حمد وموقع الصفصاف
6 كانون الثاني – يناير 2022