الأستاذ نمر محمد شاكر صنع الله – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
الأستاذ المرحوم نمر محمد شاكر صنع الله ترك خلفه سيرة حياة مليئة بالمحطات السعيدة والأخرى الحزينة. لم يعش طويلاً إذ توفي عن عمر ناهز ال 55 عاماً على إثر نوبة قلبية أودت بحياته وكان ذلك في عام ١٩٨٦ في أعقاب فقدانه إبنه الشهيد علي رحمه الله. عن يوم وفاته يقول الأخ ابراهيم عوض:
“ما زلت أذكر جيداً عندما حدثت له الجلطة الدماغية التي أدت إلى الوفاة رحمه الله حيث كان في زيارة في بيت صديقه وجاره الصفصافي أبو محمد جبر (أبو الكل). كان يتحدث مع أبي محمد ويقول له: الله يحمي الشباب حيث كانوا يقاتلون دفاعاً عن المخيمات فيما عرف بحرب المخيمات في أوجها. فجأة حصلت الجلطة فحملناه إلى الشارع الفوقاني ومنه إلى مستشفى غسان حمود ولكن للأسف بعد فحصه أخبرونا أنه متوفي منذ خمسة عشرة دقيقه أي بعد الجلطة بعدة دقائق رحمه الله”.
ولد الأستاذ نمر صنع الله في قرية شعب الجليلية المحتلة سنة 1931. لكن عائلته في حقيقة الأمر من قرية دير الأسد. البلدة التي أنجبت أيضا مثقفين ومناضلين مثل شيخ الفدائيين والمجاهدين الراحل أبو صالح الأسدي، الذي كان أيضاً حتى النكبة يسكن في قرية شعب، فهناك ترك زوجته وأولاده حين لجأ الى مخيم عين الحلوة في لبنان بعد النكبة. كما لم يكن بيته بعيداً كثيراً عن بيت الأستاذ نمر وحارة الأسدية في المخيم.
أرسل لي مشكوراً الأستاذ الأخ رياض الشايب وشقيقته الأخت عفاف الشايب (يونس) التي درست في الجامعة اللبنانية ليسانس أدب انجليزي، وعلّمت مدة في مدارس صيدا الخاصة قبل زواجها من الأخ ابراهيم يونس، الصفصافي الأصيل، المحافظ على مبادئه ووطنيته طيلة حياته في الاغتراب في الولايات المتحدة الأمريكية. فالعم ابراهيم يونس هو خال صديقي مخيماً ومنفى الأخ فوزي يونس.
الأخ رياض وشقيقته الأخت عفاف عايشا هذه الذكريات، وكانت تخبرهم ببعضها شقيقتهم الكبرى زوجة المرحوم الأستاذ نمر – الحاجة رضية الشايب (أم محمد)- حفظها الله. ويستدركان أنه من الجميل ذكر دورها، فقد كان الأستاذ نمر يُخبر عنها أمامهما أنها هي الوجه المشرق والفرحة في حياته، كانت رفيقة دربه وزوجته الوفية المخلصة، التي ساندته ووقفت وأهلها إلى جانبه وخففوا عنه الكثير مما عاناه بسبب البُعد عن بلده وأهله، فكان يعتبرهم كأهله لما وجد فيهم من حنان وتكريم ومحبة.
الأستاذ نمر صنع الله المعروف لكل أهالي مخيم عين الحلوة كان إنساناً مسالماً ورجلاً شهماً وجاراً طيباً ومعلماً صادقاً وأباً حنوناً على أطفاله وطلابه وتلامذته، لأنه نفسه عاش طفولة مأساوية وصعبة فقد حرمه الاحتلال الصهيوني من حنان ودفء العائلة والوالدين، لأنه أيضاً كان وحيد أبويه من الذكور وكانت له أختٌ واحدة. كل عائلته بقيت في الجليل المحتل فيما هو تشرد مع دار عمه وشعبه وأصبح لاجئاً في مخيم عين الحلوة.
أستاذنا الراحل كان أنهى المدرستين الابتدائية والتكميلية قبل النكبة في فلسطين، ثم تابع تحصيله العلمي في مدينة القدس الشريف عاصمة فلسطين الأبدية. لم يكن لا هو ولا غيره من شعبنا يتوقعون أن تسقط فلسطين وتضيع البلاد ويحتلها الغزاة الصهاينة، في عام ١٩٤٨ عام النكبة والتهجير والمذابح والتطهير العرقي والتصفيات والمجازر والاستئصالات.
في هذا الصدد قالت الأخت عفاف: “إختار والديه أن يرحل مع بيت عمّه الى لبنان وذلك لشدة تعلقهما به وخوفاً عليه من بطش الاحتلال الصهيوني المجرم، وظنًا منهما أن غيابه سيكون لفترة وجيزة وسيعود قريبا، ولكن للأسف طال الغياب وأزداد الشوق والحنين عند الإبن الوحيد والوالدين المُلَوّعين بألم الفراق… ومرت السنين وطال الإنتظار وهو يعاني لوعة البعد ومعاناة التهجير، وزاده الفراق أسىً عندما أُبلغ بموت والده. بقيت الوالدة الحنونة والأخت الغالية ينتظران خبراً أو لقاء حتى سنحت له الظروف من بعد عشرين سنة أن يحصل على تصريح للقاء الوالدة والأخت والأقارب”.
لكم أن تتصورا وتتصورن كيف كان اللقاء الأول بعد النكبة وبعد فراق عشرون عاماً بين الأستاذ نمر وعائلته وأهل بلدته. فقد ترك فلسطين وهو ابن 17 عاماً ليعود إليها زائراً بسن 37 سنة. شريط ذكريات طويل كان يرافقه في كل خطوة خطاها على أرض دير الأسد وفيما تبقى من بلدة شعب وقرى وبلدات الجليل الفلسطيني المُحتل.
أجمع كل من الأستاذ الأخ رياض الشايب وشقيقته المعلمة عفاف الشايب (يونس) أنه كان حدثاً غير عادي ومثير، يوم وصول الأستاذ نمر صنع الله الى دير الأسد. يا له من لقاء مؤثر استقبله أهل بلدته على جانبي الشوارع بالزغاريد والفرح، حيث التقى بالأم الحنونة المتلهفة لرؤيته والأخت الغالية وزوجها الحاج (أبو خالد) رحمهم الله وأولادهم وأبناء… لقد رحل رحمه الله بعد أن أنجب “12” ولداً منهم “6” ذكور ومثلهم من الإناث.
يقول ابراهيم عوض: “كان من أطيب وأحن الجيران. له الفضل علينا جميعاً وله فضل كبير علي أنا بالذات حيث كان السبب في أن أكسب عاماً في الدراسة. فقد كان يصطحبني معه كل يوم إلى المدرسة وأنا في سن الخامسة كمستمع حيث أن العمر المطلوب كان ستة سنوات. في نهاية العام وبسبب تفوقي أصر أن أرفع إلى الصف الثاني رغم صغر سني وهكذا كان. منذ ذلك الوقت وأنا متقدم عام على باقي الطلاب. أنا أؤكد كل ما قيل عنه فهو انسان رائع بكل المقاييس ومعلم فذ بإسلوبه الرائع السهل. نعم كنا جميعاً نحبه و-عمرو ما ضرب طالب-. أذكر عنه الكثير ومن صفاته أنه كان مشهوراً بشرب القهوة أو الشاي وهو ساخن جداً وبشكل سريع، لدرجة انه أحد المرات كان في زيارتنا وشرب فنجان القهوة وأعطانا إياه قبل أن ننتهي من توزيع القهوة على باقي الزوار”.
على يديه في مدارس المخيم تربت أجيال من أبناء المخيم. نهلوا العلم والمعرفة من خلاله. كل هؤلاء يتذكرونه ويذكرونه بالخير ويترحمون عليه.
أعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
العاشر من كانون الثاني 2022