الأستاذ والمدير عبد المجيد كريم جنرال المدارس – نضال حمد
كان رحمه الله يلقب بجنرال مدرسة الفالوجة الذي يهابه كل الطلاب من أكبرهم الى أصغرهم وأهدأهم الى أكثرهم غلبة وشيطنة. كل هؤلاء هادئين ومشاغبين كانوا بنفس الوقت يحترمونه ويجلونه لعلمه وثقافته وطيبته وأبوته وحرصه عليهم وعلى تخريج أجيال فلسطينية متعلمة، كان يظن أنها ستعود أنه سوف ويعود معها هو نفسه الى فلسطين المحررة، الى بلدته صفورية التي ولد فيها سنة 1927. وعاش تحت اشجارها وأكل من ثمارها وشبع من خيراتها.
صفورية بلدة فلسطينية غنية عن التعريف تقع في قضاء الناصرة. منها يتأصل عدد كبير من المثقفين والأكاديميين والأدباء والقانونيين والمشايخ والشهداء والمناضلين والأصدقاء الطيبين. كما تعتبر من أكبر البلدات الفلسطينية التي هُجِر سكانها الى لبنان وسوريا سنة النكبة 1948.
درس وتعلم الاستاذ عبد المجيد كريم في المدرسة الابتدائية وربما التكميلية أيضا في صفورية أو بجوارها لا أدري. كما ونال فيما بعد شهادة الماتريك الفلسطينية التي تعادل شهادة البكالوريا اللبنانية في هذه الأيام. ثم التحق بوحدة حرس الحدود في الشرطة إبان الانتداب (الاستعمار) البريطاني كما مجموعات كبيرة من الشباب الفلسطينيين. كان قادة تلك الوحدة يقومون باختيار عناصرها بعناية وتعتبر وحدة مميزة ونخبوية.
لم أكن أعلم أن والدي المرحوم أبو جمال حمد كان أيضاً ضمن عناصر وحدة مشابهة خدمت على جسر بنات يعقوب وهناك رواية أحبها لصديقي الروائي الفلسطيني الكبير حسن حميد بعنوان ” جسر بنات يعقوب” أنصح بقرائتها. عن جسر البنات اليعقوبيات ووالدي قرأت تعليقاً يوم أمس في مجموعة ذاكرة أهل الصفصاف. كان نشره الصديق والجار أبو زاهر من بلدة الرأس الأحمر، ورد في التعليق لأبي زاهر أن والدي حدثه عن ذلك يوم كان هو وزملائه من الشباب يأتون الى محل الوالد على الشارع الفوقاني في المخيم للعب البلياردو والفليبرز والبيبيفوت.
عندما حلت نكبة فلسطين على شعبنا سنة 1948 كان الأستاذ عبد المجيد كريم يبلغ من العمر 21 عاماً تقريباً نفس سن والدي رحمهما الله. اضطرا للجوء الى لبنان بعد أن سقطت صفورية والصفصاف والجليل بشكل عام. فشاء القدر أن يكون مخيم عين الحلوة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو من احتضن الأستاذ عبد المجيد كريم حتى وفاته.
بداية النزوح عن فلسطين استقر أستاذنا الطيب في النبطية وهناك أنجب ٣ أولاد. كما عمل في مدارس الوكالة –الانروا- في مخيم النبطية قبل أن ينتقل في مرحلة لاحقة الى مخيم عين الحلوة قرب صيدا. انتقل الى هناك بطلب من إدارة الوكالة لكي يدير مدارسها في المخيم حسبما أخبرنا ابنه أحمد المقيم في السويد. على ما أظن أنه أصغر أبناء المدير عبد المجيد كريم. شخصياً أذكر من أيام المخيم أنه كان له أبناء آخرين إثنان منهم جمعتني بهم تجربة نضالية في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الشهيد الأمين العام طلعت يعقوب. هما كريم ومحمد. أما محمد عبد المجيد كريم وهو يعيش في برلين كنت قد إلتقيت به عدة مرات في عاصمة الرايخ خلال السنوات الأخيرة. إلتقينا في أحياء المهاجرين واللاجئين الفلسطينيين والعرب، بمنطقتي “نيوكولن” على شارع “زينون أليه” وفي “فيدينغ” على شارعي “مولر” و “سيس ستراشه”. بصحبة الصفوري الآخر خالد النصر صديق الطفولة وزميل مقاعد الدراسة في مخيم عين الحلوة… وصف الأستاذ المرحوم أبو ياسين في مدرسة قبية… وهي جارة مدرسة الفالوجة التي أصبح الأستاذ عبد المجيد كريم مديرها الأكثر مهابة. كما عمل الاستاذ عبد المجيد مديراً ثم مفتشاً عاماً على مدارس صيدا والمخيم. هذه المهمة التي تقوم بها منذ سنوات باقتدار ونجاح شقيقتي الحاجة والمعلمة والمفتشة جمانة محمد حمد – أم ابراهيم-.
بعض الأصدقاء يتذكرون المدير عبد المجيد كشخصية مهابة وتفرض حضورها وسطوتها على الفور في المدرسة. فقد كُنا عندما نراه قادماً أو سائراً على الطريق أو في ساحة المدرسة في قبية والفالوجة نغير أتجاه سيرنا خوفاً منه.
يقول إبنه أحمد أن والده عمل أيضاً موظفاً في مكتب الانروا وكان مفتشاً ويوزع القرطاسية والكتب لكل مدارس الانروا في صيدا والمخيم. يتذكر أيضاً مكان المستودع الكبير الذي كان يقع قرب مدرستي نابلس ورفيديا للبنات في القياعة التحتا. أما أنا فأذكر حارس المكان، الشخص الفلسطيني الطيب والظريف واللطيف جداً، كان يدعى “الأستاذ” عرفته عن قرب لأن والدي كان عمل لسنوات عديدة حارساً لمدرسة رفيديا للبنات في نفس المكان وكنت في بعض الأوقات أقوم بمساعدة الوالد في المدرسة. ربطته علاقة طيبة جداً مع الأستاذ وشخص آخر من عائلة “الجدع” كان يعمل ايضاً هناك في المستودعات. حتى أن الصدفة شاءت أن ألتقي بعد إصابتي في حصار بيروت 1982، بالعم “الجدع” في غرفة واحدة بمسنتشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، فقد خضع يومها لعملية جراحية وأنزلوه في نفس غرفتي. فكان مثلي سعيداً بلقائنا من جديد وإن كان بمثل تلك الظروف المأساوية بعد احتلال لبنان صيف سنة 1982. وجوده اسعدني كثيرا وقضينا أياما جميلة معاً في تلك الغرفة التي تحملتها وتحلتني شهوراً.
للمدير عبد المجيد كريم شقيق شهيد هو المرحوم كمال كريم عمل سائقاً لاسعاف وكالة الانروا في سبعينيات القرن الفائت. كان يقوم بنقل المرضى الى بقية الاراضي اللبنانية واستشهد واغتيل في منطقة الجبل غدراً على يد عصابات الكتائب الفاشية الانعزالية اللبنانية عملاء الكيان الصهيوني.
سنة 1990 تعرض الأستاذ عبد المجيد كريم لحادث سير أليم على مفرق المدينة الصناعية قرب مستشفى الجنوب. يومها كان في مهمة عمل بين مكتب الوكالة ومدارسها الجنوبية. بعد الحادثة بوقت قصير وتحديداً سنة 1990 تقاعد من الوكالة عن سن 63 عاماً وكان لديه في ذلك الوقت ٨ أبناء، ثلاثة ذكور وخمسة بنات. توفي سنة 2003 عن عمر 76 عاماً رحمه الله وغفر له.
إعداد نضال حمد موقع الصفصاف في 14-12-2021