الأستاذ والمربي شحادة بشر – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
مساء يَوْمَ السبت في الخامس عشر من شهر شباط – فبراير سنة 2020 غادر عالمنا الأستاذ أبو أحمد – شحادة بشر- بصمت ودونما ضجيج، بعد حياة حافلة بالعطاء والتضحية والتفاني كمعلم للأجيال ومربي للطلبة ومناضل عتيق… نتذكره الآن ونستحضر سيرته العطرة والمشرفة ونحن في هذه الأيام من شهر شباط – فبراير على أعتاب الذكرى الثانية لرحيله رحمه الله.
أستاذنا الفاضل شحادة بشر ولد في صفورية بفلسطين المحتلة سنة 1941. فهو الانسان العربي الفلسطيني الذي توفي في اللجوء والشتات، عن عمرٍ أكبر من عمر كيان الاحتلال الصهيوني بسبع سنوات… فحين غادرت عائلته فلسطين سنة النكبة 1948 كان له من العمر سنوات سبع قضاها في ربوع صفورية غير بعيد عن الناصرة.
عاش طفولته في لبنان لاجئاً مثل كل اللاجئين الفلسطينيين وهناك تابع تحصيله المدرسي والتعليمي. ثم عمل مدرساً بالمعهد العربي الذي كان يملكه سعد الدين حبال.
الأستاذ شحادة كان يقيم مع عائلته في القرعون ثم في مخيم نهر البارد طرابلس شمالي لبنان ثم في صيدا، كل هذا بعد الرحيل مضطرين من فلسطين المحتلة الى لبنان. قام بالتدريس والتعليم في مدارس الانروا بمخيم نهر البارد لطلاب المرحلة التكميلية وفي كلية التربية والتعليم بطرابس للمرحلة الثانوية. وهو خريج جامعة بيروت العربية مادة التاريخ سنة 1968.
الأستاذ شحادة بشر كان مربياً فاضلاً وأستاذا محترماً وغيوراً على طلبته. كما كان مناضلاً وطنياً وتربوياً مخلصاً ووفياً، خدم قضيته الوطنية سنين طويلة على كل الصعد التي عمل من خلالها لأجل استعادة الأرض وعودة الانسان.
يقول أحد الطلاب: “علمني للصف الثامن كان إنساناً وطنياً وكان يعلمنا أشياء عن فلسطين من خارج المنهاج الدراسي”.
في زماني وبعد الانتهاء من التعلم في مدرسة حطين التكميلية ومن امتحانات البريفيه، سجلت في مدرسة “جنة الشرق” التي كان مديرها الأستاذ شحادة بشر. هناك عرفته مديراً واستاذاً محبوباً، طيب الخلق، وانسان عصامي كان يحب ويحترم ويقدر الطلبة العصاميين. كما عرفته معلماً متواضعاً ووالداً للجيمع. لم تتوقف معرفتي به عند جنة الشرق فقد التقيت به مرات عديدة في محل خياطة العم الطايش في صيدا، حيث كان يعمل والدي المرحوم أبو جمال حمد. كان استاذنا أبو أحمد يتردد الى هناك ويتحدث مع والدي ومع الآخرين في كل شيء وفي هموم تربية الأولاد ومشاكلهم. وذات مرة كان يشكي لوالدي عن مشاكل بسيطة مع أحد أولاده. فقال له والدي سوف أحدثك عن إبني نضال وما فعله بي:
ترك المدرسة وذهب مع الفدائيين الى مخيم البص في الجنوب وعندما ذهب عمه ليعيده هو وابن عمه، التقيا في مكان غير بعيد عن الموقع، سأله عمه عن إبنه فقال له سوف أذهب أناديه ونعود إليك هنا. لكنه بدل من ان يعود إليه أقنع إبن عمه بأن يغاردا المكان ويذهبا الى السينما لمشاهدة فيلم ويعودان مساءا. وهكذا فشلت أول محاولة.
مرة ثانية ذهب الى صور عمه الآخر وأمه وامرأة عمه وعندما وصلا الى الموقع في مخيم برج الشمالي أغارت الطائرات المعادية على موقع مجاور. ونجوا بإعجوبة. فشلت المحاولة الثانية.
مرة ثالثة ترك كل مخيم البص وكل شيء والتحق بمواقع متقدمة جداً في الجنوب، على خط المزواجهة الأول حيث كان لا يمكن الوصول إليه هناك.
مرة رابعة انتقل الى النبطية وعندما ذهبنا لنحضره علم بذلك فأرسل لي رسالة يقول فيها إذا بقيتم تلاحقوني وتبحثون عني سأتطوع للقيام بعملية انتحارية في فلسطين.
مرة خامسة زوج شقيقته في أبو ظبي ارسل له فيزا ودبر له عمل واشترينا له تذكرة سفر وكل شيء لكنه فر ولم يسافر .. متحججاً أنه أضاع الفيزا .. وكرر الشيء نفسه مرة ثانية فيما بعد…
عند هذه النقطة قال له الأستاذ شحادة “بس بيكفي أوجعت قلبي يا أبا جمال .. هذا إبني طلع ملاك مقابل ما فعله بك نضال”…
طبعاً ما عدده أبي على مسامع الأستاذ شحادة بشر ليس كل شيء قمت به بل بعض من صبيانياتي. أما أنا لو كنت في هذه اللحظات أملك طريقة ما لأعتذر من أبي ومن عمي أبو محمد ومن عمي أبو حسين لفعلت ذلك فوراً. لكن هذا مستحيل فقد انتقلوا جميعهم إلى العالم الآخر. لقد كنت فتىً متحمساً وصبياً مندفعاً الى أبعد الحدود وكان عمري يومها بين 16 و17 سنة.
يقول العم أبو ماجد رباح:
(تعرفت عليه سنة ١٩٦٣ وكان عضوا في حركة القوميين العرب وحتى تأسيس الجبهة الشعبية. لقد عرفته منذ ستون عاماً، مناضلاً في صفوف حركة القوميين العرب. كان قمة في العطاء وفي الصدق والوفاء وبقيت صداقتنا حتى رحيله عن هذا العالم إلى العالم الأخر.).
في أعقاب تبادل رسائل قصيرة جداً مع العم أبو ماجد رباح وعندما كتبت له أن المرحوم الأستاذ شحادة كان صديقاً للمرحوم والدي أبو جمال حمد. فاجأني بقوله: والدك أيضا كان صديقي من أيام عمله في مطعم الإنروا هو وأمين”. بصراحة أنا أتذكر اسم أمين وأنه كان يعمل مع والدي، وقد تردد اسمه في مناسبات عديدة على لسان والدي وفي أحاديثه، لكنني لا أتذكر من أي عائلة وأي بلدة هو. فوالدي بالفعل عمل في بداية الستينيات بمطعم وكالة غوث وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين، وكان المطعم يقع على مقربة من مفرق الشارع الفوقاني، الجنوبي المؤدي الى حارتي لوبية وحطين. كما أنني لازلت احتفظ بصورة لوالدي من المطعم وهو في لباس الشغل هناك.
الرفيق والصديق عبدالله الدنان أكد لي أن الأستاذ شحادة بشر كان عضواً في حركة القوميين العرب وكذلك في الشعبية منذ تأسيسها وحتى وفاته. على كل حال فإن الأستاذ والمدير والمربي والمناضل والانسان أبو أحمد بشر كان ابناً باراً لفلسطين الكاملة، لصفورية وللقضية. سوف لن تغيب صورته عن بالي وسوف أبقى أتذكره انسانا فاضلاً ومعلماً مناضلاً وصديقاً لوالدي الراحل.
الأستاذ عبد رجا “أبو نزار” أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التاريخيين في لبنان، وأحد الأساتذة الذين علموا أجيالا عديدة في مدارس المخيمات بلبنان أرسل لي نبذة شاملة عن رفيقه وصديقه وقريبه المرحوم أبو أحمد بشر، لأهميتها إرتأيت أن أنشرها كما وصلتني منه بدون تدخل في النص:
عن مسيرة الرفيق المناضل المربي شحادة أحمد بشر (أبو أحمد):
– ولد في صفورية- فلسطين العام ١٩٤١
– مع النكبة هُجّرت عائلته الى لبنان (القرعون ثم مخيم نهر البارد)
– درس المرحلة الابتدائية وجزء من المرحلة المتوسطة في مدرسة مخيم نهر البارد).
– درس باقي المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية في كلية التربية والتعليم في مدينة طرابلس – لبنان).
– انتمى الى حركة القوميين العرب العام ١٩٥٧، وكان لا يزال في المرحلة المتوسطة، وشارك في انشطتها المختلفة.
– بعد انتهاء المرحلة الثانوية العام ١٩٦١ انتقل للتدريس في مدرسة خاصة في منطقة رأس النبع- بيروت.
– انتقل للتدريس في مدرسة صيدا العربية العام١٩٦٢ حيث كنت سبقته بعام للتدريس فيها، وقد انتقل الى صيدا لانني كنت فيها وكانت الصداقة بيني وبينه منذ المرحلة المتوسطة، وانتمينا للحركة معاً فالعلاقة بيننا كانت قرابة وصداقة ونضالية.
– انتقل الى ثانوية جنة الشرق في صيدا العام ١٩٦٤، ليعمل ناظراً فيها، وكانت مديرتها المربية نفيسة جلال الدين شقيقة مفتي صيدا انذاك الشيخ محمد سليم جلال الدين، الذي كانت تربطنا به وشقيقته صداقة متينة. كانت المدرسة ذات شهرة وطنية وكانت تشارك في كل المظاهرات والمسيرات في صيدا، وكان للفقيد أبو أحمد بشر دوراً بارزاً في هذة الأنشطة الوطنية.
– انتمى للجبهة منذ تأسيسها وشارك في كافة أنشطتها واستمر نضاله فيها حتى وفاته، وكان نشاطه مميزاً، وكان على علاقة جيدة مع العديد من الشخصيات والفعاليات في صيدا.
– انتقل للتدريس في مدارس الاونروا في بيروت (منطقة صبرا)، وفي عين الحلوة (مدرسة السموع)، وانتمى الى منظمة المعلمين الفلسطينيين ومكث فيها حتى وفاته، وكان من نشطائها المميزين .
– كان عضو قيادة موقع حارة صيدا، بسب موقع سكنه في حي البعاصيري وكان نشيطاً بالجباية المالية من الأصدقاء، ومشاركاً دائماً بكافة أنشطة الجبهة المختلفة.
– كان مربياً ناجحاً ومناضلاً مخلصاً وصادقاً. كان ينتقل من صيدا الى بيروت حيث كان يعلّم هناك ليعطي دروسا إضافية لتلاميذه يوم الجمعة من كل أسبوع.
– حاز على شهادة الليسانس في التاريخ من جامعة بيروت العربية العام 1968.
كان يعطي التلاميذ مادة إضافية عن تاريخ وجغرافية فلسطين.
– كان نشاط الصديق أبو أحمد جماهيرياً ونقابياً اكثر بكثير من موقعه التنظيمي.
– توفي في ١٥ شباط العام ٢٠٢٠م
– رحم الله الرفيق والمربي المناضل أبو أحمد بشر، وتبقى مسيرته التربوية والنضالية تجربة مشرّفة ومميزة وغنية بالدروس والعبر
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
3-02-2022