الأقصى…وماذا عن اكنافه؟!
عبداللطيف مهنا
استلفتني بؤس المعالجة الإعلامية العربية لآخر حلقة في مسلسل اقتحامات المستعمرين لباحات الحرم القدسي واستباحتهم له بدعوى احيائهم لذكرى هدم هيكلهم المزعوم. عندما أقول المعالجة الإعلامية، فأنا اتجنب مسألة ردود الأفعال على الصعيدين الرسمي والشعبي لانعدامهما. وعندما أقول العربية، فهذا لا يعني فلسطينيا ما هو الأقل بؤساً على الصعيد الإعلامي، والأكثر شناعةً على الصعيد الرسمي، وسنبيِّن هذا لاحقاً. أما على الصعيدين الإسلامي والدولي، فعلى حد علمي لا من معالجة إعلامية تُذكر، ولا من ردود أفعال تُسمع.
بؤس المعالجة الإعلامية تجلى في اجترار ذات التغطية المعهودة كلما حدثت انتهاكات للحرم القدسي، أو اية مواجهات من تلك التي لا تتوقف بين الاحتلال والمقدسيين المستفرد بهم…أنها هذه التي لا تعدو نقل اخبار اقفال بوابات البلدة القديمة، وفرض الاطواق العسكرية على مجمل الاحياء المقدسية، والدفع بآلاف من من شرطة الاحتلال وقواته الخاصة إلى ازقتها، والمئات منهم لمرافقة المستعمرين المقتحمين لحمايتهم وقمع المقدسيين والمرابطين داخل الحرم حينما يتصدون للمعتدين المقتحمين، ثم ما قد يتبع من تعداد لمن يستشهدون أو يصابون أو يعتقلون من المقدسيين.
الإشكالية في أن مثل هذه اللازمة تعاد وتلاك بمعزل عن سائر ما يجري يومياً في كامل فلسطين المحتلة، والتي هذه الاقتحامات على خطورتها ليست سوى جزئيةً منه، أو تفصيل من تفاصيل صراع وجود محتدم يدور بين غاز مُسْتَعْمِر وشعب اعزل مستفرد به تهوَّد ارضه شبراً شبراً وتستمر محاولة اقتلاعه مما تبقى منها مادياً ومعنوياً بشتى السبل وكافة الأساليب المعلنة والمبيَّتة.
وإذا ما أخذنا في الحسبان أن تكثيف وتصعيد الاجتياحات والانتهاكات للحرم المقدسي إنما هو نوع من ممارسة سياسات مراكمة التهيئة أو التطبيع، أو بالأحرى التدجين، للوجدان العربي والإسلامي تحضيراً له لساعة استكمال مخطط تهويد الأقصى، أو هدمه وإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه، فإن في المعالجات الإعلامية المشار اليها ما يسهِّل ذلك، إذ سرعان ما تنتهي بانتهاء الحدث، وكفى الله المؤمنين شر القتال. لكن الأخطر منه هو معالجته من زاوية كونه انتهاك لمقدَّس فحسب، بما يعني في احد وجوهه اختصاراً للقضية برمتها في الأقصى، هذ الذي على أهمية ما يعنيه وما يرمز اليه وطنياً وقومياً واسلامياً، فمن الخطيئة بحقه وبحق القضية التي هو جزء منها اختصارها فيه، وبالتالي الوقوع في احبولة يريدها لنا العدو وهى تصوير الصراع بأنه صراع اديان وليس بين مُسْتَعْمِر ومُسْتَعْمَر…استراتيجيو بعض الفضائيات العربية من متعددي الاختصاصات على طريقة ابي علي القالي، صاحب كتاب الأمالي الشهير، انشغلوا في إعادة اكتشاف المكتشف بتفنيدهم لخرافة الهيكل المزعوم، وكأنما الروايات التاريخية التلمودية في حاجة لمن يضحدها. والأسوأ منه تبرير الشيخ عمر الكسواني، مدير الأقصى، لتصدي حراس المسجد للمستعمرين برده لكون هؤلاء قد قاموا بصلوات تلمودية داخل الحرم “الأمر الذي دفع حرَّس المسجد للتدخل، وإخراج المستوطنين خارج باحات المسجد”، وكأنما لو هم لم يقوموا بصلواتهم تلك لما كان على الحرَّاس التصدي لهم!
نعم إن فلسطين بكاملها، ومن نهرها إلى بحرها، ولدى كافة الأديان السماوية، هي ارض مقدسة، والقدس أخذت اسمها العربي الأخير، العربي الأول كان يبوس، من
قدسية كونها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهذه القدسية تنسحب على سائر اكنافها، بمعنى أن العدوان على مسجد الجزار، الذي تعرَّض لحريق قبل أسبوع، في عكا، او كنيسة العذراء في الناصرة، هو تماماً مثله مثل أي اعتداء على باقي مقدساتنا في القدس والخليل وبيت لحم أو غيرهن. لكنما المسألة لا تختصر هنا في احتلال هذه المقدسات أو تهويد القدس، وإنما هي في احتلال استعماري استيطاني احلالي لكامل وطن…بمعنى أن اريحا والخليل لا تختلفان عن حيفا ويافا، وبئر السبع وصفد لا تختلفان عن نابلس وغزة. المسألة مسألة نكبة وحق عودة. احتلال ووجوب مقاومته، ومستوجب تحرر يعادل ضرورة بقاء، أي خلافه لا من خيار. وبالتالي، ما خلاصته، استعمار يجب أن يرحل وحركة تحرر وطني لا تملك إلا أن تنتصر.
…وبالعودة لما وعدنا بدايةً بالعودة اليه، وهو رد فعل سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال على ما جرى في الأقصى، نشير إلى بيان لوزارة خارجيتها يصف الحدث بأنه “احتلال بالقوة للمسجد الأقصى المبارك كما حدث عام 1967”! أي وكأنما هو قد حرر، أو لم يعد محتلاً بالقوة، لكنهم الآن يعودون لاحتلاله بها وليس بالمفاوضات! والادهى هو أن “اوسلوستان” تعد المقدسيين في بيان وزارة خارجيتها بأنها “ستستكمل الجهود للدعوة لاجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، ولمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى المندوبين”! وإذ هي نسيت، أو سقط منها سهواً، ذكر لجنة القدس، لم تكتفِ بما وعدت بل زادت عليه نيتها “التوجه إلى الأمم المتحدة، سواء على مستوى مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة”!!!
مرت الأيام وكعادتهم لم يستكملوا ما قالوا أنهم يزمعون استكماله، وحتى لو فعلوا، فليس ثمة ما يدعو مقدسي واحد، أو فلسطيني، أو عربي، للتوهم ولو للحظة واحدة بإمكانية استكماله، لأن وجهتهم، وكما هو حالها لما قارب ربع قرن خلى، تبقى إلى حيث: لقد اسمعت لو ناديت حيا!!!